صفحة بيت عطاء الخير
بطاقات عطاء الخير
تويتر عطاء الخير الرسمي
مجموعة بيت عطاء الخير الرسمية
بحث في موقع الدرر السنية
 

بحث عن:

ابحث بالموقع
تاريخ اليوم:

  المستشار نبيل جلهوم  
المهندس عبدالدائم الكحيل الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى بطاقات عطاء الخير
دروس اليوم أحاديث اليوم بطاقات لفلي سمايل


مجموعات Google
اشترك فى مجموعة بيت عطاء الخير
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

تسجيل دخول اداري فقط

 
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 06-16-2018, 06:08 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 57,597
افتراضي خطبة عيد الفطر لعام 1439 من المسجد النبوي: حلاوةُ الإيمانِ بدوامِ العبادةِ بعد رمضان

خُطَبّ الحرمين الشريفين
خطبة عيد الفطر لعام 1439 من المسجد النبوي
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة عيد الفطر بعنوان:
"حلاوةُ الإيمانِ بدوامِ العبادةِ بعد رمضان"،

والتي تحدَّث فيها عن شُكرِ الله تعالى بدُوامِ العبادةِ
بعد رمضان؛ فرمضانُ موسِمٌ للخَير تعقُبُه مواسِم،
والله يُحبُّ مِن عبدِه دوامَ العملِ وإن قَلَّ،
كما ارتكَزَ حديثُه عن تذوُّقِ حلاوةِ الإيمانِ
بالثباتِ على الطاعاتِ والأعمالِ الصالِحة.

الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه،
ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا،
من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له،
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له،
وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه،
صلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوَى، وراقِبُوه في السرِّ والنَّجوَى.
أيُّها المسلمون:
مِن صِفاتِ الله تعالى: الشُّكرُ والكرمُ، وبفضلِه - سبحانه - يُذِيقُ الطائِعين أثرًا مِن آثار عبادتِهم في الدُّنيا؛
ليتحقَّقَ لهم صِدقُ وعدِه في ثوابِه لهم بجنَّاتِ النَّعيم.
وفي شهر رمضان ذاقَ المُسلِمون نفَحَاتٍ مِن ربِّ العالمين، مِن تعلُّقِهم بالله، وانشِراحِ صُدورِهم، وصفاءِ قُلوبِهم؛
ليُلازِمُ العبادُ طاعةَ ربِّهم في أيامِ دهرِهم،
لتحقيقِ النَّعيم الذي هو غايةُ النُّفوسِ ومطلُوبُها،
وبه ابِتهاجُها وسُرورُها، والخلقُ كلُّهم ينشُدُونَه رغبةً وفِعلًا.
والنَّعيمُ التامُّ إنما هو بالتمسُّك بالإسلام علمًا وعملًا؛
فأهلُه في نعيمٍ دائمٍ في الدنيا والبرزَخ والآخرة،
قال - سبحانه -: }إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ{
[الانفطار: 13]، [المطففين: 22].
ففي الدنيا شرَحَ الله صُدورَهم للإسلام، وأحياهم به،
وجعلَهم له نُورًا، قال - جلَّ وعلا -:
}أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا{
[الأنعام: 122].
وكتبَ لهم الرحمةَ في الدارَين،
فقال: }أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ{ [التوبة: 71].
وأسعَدَهم - سبحانه -، فأثابَهم في الدنيا،
وما أعدَّه لهم في الآخرة خيرٌ وأعظَم،
قال - جلَّ وعلا -: }لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ{[النحل: 30].
وأكبَرُ مِنَن الله على عبادِه في الدنيا: أن حبَّبَ إليهم الدينَ، وزيَّنَه في قلوبِهم، وأذاقَهم حلاوةَ طاعتِه،
فتجمَّلَت بواطِنُهم بأصولِ الدين وحقائِقِه،
وتزيَّنَت ظواهِرُهم بامتِثالِ أوامِرِه،
قال تعالى: }وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ{ [الحجرات: 7].
فالإقبالُ على الله والرِّضا به وعنه ثوابٌ عاجِلٌ،
وجنَّةٌ حاضِرة، والإيمانُ بالله ورسولِه جِماعُ السَّعادة وأصلُها.
وحلاوةُ الإيمانِ في القلبِ أمارةٌ على أن الإسلام هو الدينُ الحقُّ.
سألَ هِرقلُ أبا سُفيان عن نبيِّنا مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وصِدقِ نبُوَّتِه، فقال:
"وسَألتُك: هل يرتَدُّ أحدٌ سَخطةً لدينِه بعد أن يدخُلَ فيه، فزَعَمتَ أن لا،
وكذلك الإيمانُ حين تُخالِطُ بَشَاشتُه - أي: حلاوتُه - القُلوبَ لا يسخَطُه أحدٌ"؛ متفق عليه.
والمُؤمنُون مِن أطيَبِ الناسِ عيشًا، وأنعَمِهم بالًا، وأشرَحهم صدرًا، وأسَرِّهم قلبًا،
قال - جلَّ وعلا -:
}أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ{
[يونس: 62، 63].
ومِن سعادتِهم: أنَّ الأمنَ في القلبِ وخارِجِه قَرينُ حياتِهم، قال تعالى:
}الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ{ [الأنعام: 82].
وليس في الدنيا مِن اللذَّات والنَّعيم أعظمُ مِن العلمِ بالله ومعرفتِه،
فإذا عرَفَ العبدُ ربَّه أحبَّه وعبَدَه،
ولا شيء يعدِلُ توحيدَ الله في شَرحِ الصدرِ وإسعادِه،
ومُنتهَى الفرَح إنما يكونُ به تعالى،
قال - سبحانه -:
}قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{
[يونس: 58].
فالفرَحُ بفضلِه ورحمتِه تَبَعٌ للفَرَحِ به - سبحانه -؛
فالمُؤمنُ يفرَحُ بربِّه أعظم مِن فرَحِ كلِّ أحدٍ بما يفرَحُ به،
ولا ينالُ القلبُ حقيقةَ الإيمانِ حتى يجِدَ طعمَ هذه الفَرحةِ
ويظهَرَ سُرورُها في قلبِه، ونظرَتُها في وجهِه.
وكلَّما قَوِيَت معرفةُ العبدِ بالله قَوِيَت محبَّتُه له،
وليس للعبدِ سُرورٌ إلا في محبَّةِ الله والتقرُّبِ إليه بما يُحبُّه،
قال تعالى: }وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ{ [البقرة: 165].
وعبادةُ الله وحدَه هي غايةُ الخلقِ والأمرِ،
وبها نعيمُ العبادِ وكرامتُهم؛ فالصلاةُ قُرَّةُ عيُون المُسلمين.
قال - عليه الصلاة والسلام -:
«وجُعِلَت قُرَّةُ عينِي في الصلاة»؛ رواه أحمد.
وكيف لا ينعَمُ المُؤمنُ بصَلاتِه، والله قِبَل وجهِه إذا صلَّى،
وأقربُ ما يكونُ مِن ربِّه وهو ساجِدٌ فيها؟!
وقد قال المُشرِكُون في معركةٍ مع المُسلمين:
"ستأتِيهم صَلاةٌ هي أحبُّ إليهم مِن الأولاد"؛ رواه مسلم.
وكلَّما ذاقَ العبدُ حلاوةَ الصلاة،
كان انجِذابُه إليها أشدَّ، وامتِثالُه إليها أسرَع.
والزَّكاةُ قَرينةُ الصَّلاة، مَن أخرَجَها طيِّبةً بها نفسُه
أذاقَه الله حلاوةَ الإيمانِ وطعمَه.
قال ابن القيِّم - رحمه الله -:
"والمُتصدِّقُ كلَّما تصدَّقَ بصدقةٍ انشرَحَ لها قلبُه،
وانفَسَحَ لها صدرُه، وقَوِيَ فرَحُه، وعظُمَ سُرُورُه.
ولو لم يكُن في الصَّدقَة إلا هذه الفائِدة وحدَها،
لكان العبدُ حقيقًا بالاستِكثارِ مِنها والمُبادرَةِ إليها".
وللصَّومِ لذَّةٌ ولأهلِه به فرحةٌ. قال - عليه الصلاة والسلام -:
«للصائِمِ فَرحَتان: فَرحةٌ عند فِطرِه، وفَرحةٌ عند لِقاءِ ربِّه»؛ متفق عليه.
والحَجُّ تهفُو إليه النُّفوسُ فتسعَدُ، وتتسابَقُ إلى مشاع
قال - عزَّ وجل -:}قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا{ [الشمس: 9].
والدَّاعِي إلى الله مُفلِحٌ يهنَأُ في نعيمٍ وسُرورٍ،
قال - جلَّ وعلا -:
}وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{
[آل عمران: 104].
والعلمُ النافعُ يشرَحُ الصدرَ ويُوسِّعُه، ويُقرِّبُ مِن الربِّ،
قال - عزَّ وجل -:
}إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ {[فاطر: 28].
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -:
"ليس في الدنيا نعيمٌ يُشبِهُ نعيمَ الآخرة إلا نعيمَ الإيمان والمعرِفة".
وذِكرُ الله يشرَحُ الصدرَ، وبه ينعَمُ القلبُ،
وهو أخَفُّ الأعمال مؤُونةً، وأكثَرُها فرَحًا وابتِهاجًا
، قال تعالى:
}الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28].
وأعظمُ الذِّكرِ: القُرآن العظيمُ، هو هُدًى وشِفاءٌ ورحمةٌ للمُؤمنين،
وهو فضلُ الله ورحمتُه الذي يفرَحُ به العباد،
قال - عزَّ وجل -:
}وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ{
[الرعد: 36].
وإذا سمِعَ المُؤمنُ آياتِ الله تُتلَى استبشَرَ فرَحًا وسُرورًا؛
لما يجِدُه في قلبِه مِن السَّكينةِ والطُّمأنينةِ،
قال تعالى: }وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{ [التوبة: 124].
قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -:
"وإذا أردتَ أن تعلَمَ ما عندك وعند غيرِك مِن محبَّة الله،
فانظُر محبَّةَ القُرآن والتِذاذِك بسَماعِه".
للقُرآن حلاوةٌ ألَذُّ مِن العسل.
أتَى رجُلٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -،
فقال: إنِّي رأيتُ الليلةَ في المنامِ ظُلَّةً –
أي: سَحابةً - لها ظِلٌّ تنطُفُ السَّمنَ والعسلَ - أي: يقطُرُ مِنها -،
فقال أبو بكرٍ - رضي الله عنه - لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -:
"دَعنِي أَعبُرْها - أي: أُفسِّرُ الرُّؤيا"، فقال: «اعبُرْها»، قال:
"أما الظُّلَّةُ فالإسلامُ، وأما الذي ينطُفُ مِن العسل والسَّمن،
فالقُرآنُ حلاوتُه تنطُفُ، أي: يقطُرُ حلاوةً"؛ متفق عليه.
ولا يزالُ أهلُ الطاعة في نعيمٍ حتى يظفُرُوا بمُنتهاه
في جنَّاتِ النَّعيم، وأعظمُ لذَّاتِهم فيها:
النَّظرُ إليه - سبحانه - وسماعُ كلامِه مِنه.
قال - عليه الصلاة والسلام -:
«فيكشِفُ الحِجابَ، فما أُعطُوا شيئًا أحَبَّ إليهم مِن النَّظَر
إلى ربِّهم - عزَّ وجل -»؛ رواه مسلم.
وكان مِن دُعائِه - صلى الله عليه وسلم -:
«وأسألُك لَذَّةَ النَّظَر إلى وجهِك، والشَّوقَ إلى لِقائِك»؛ رواه النسائي.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
مَن ذاقَ حلاوةَ الإيمان لم يكَدْ يشبَعُ مِنه،
فيُقبِلُ على الطاعةِ، ويظهَرُ أثَرُها على لِسانِه وجوارِحِه،
وينجُو مِن كل ما يُفسِدُ عليه دِينَه،
قال تعالى:
}وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ{
[الحجرات: 7].
قال ابنُ رجبٍ - رحمه الله -:
"إذا وجَدَ القلبُ حلاوةَ الإيمانِ أحسَّ بمَرارةِ الكُفر والفُسُوقِ والعِصيَان؛
ولهذا قال يُوسفُ - عليه السلام -:
}رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ{
[يوسف: 33]".
ومتَى ذاقَ العبدُ طعمَ الإيمانِ لم يتطلَّع لمَدحِ الناسِ،
وأورَثَه الله الثباتَ على الدينِ،
ودوامَ العبادةِ ومحبَّتَها، والزيادة مِنها.
للدِّين حلاوةٌ وطعمٌ مَن ذاقَه تسلَّى به عن الدُّنيا وما عليها، وهانَتْ عليه المصائِب،
قال السَّحرةُ لفرعَون لما ذاقُوا حلاوةَ السُّجُود والإيمان:
}إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{ [طه: 73]،
وقالُوا له بعدما توعَّدَهم بالقتلِ والصَّلبِ:
}فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{
[طه: 72].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
نعيمُ الإيمان مشرُوطٌ بالإخلاصِ لله،
وبالإخلاصِ والنَّصِيحة ولُزوم الجماعةِ سَلامةُ الصدرِ وانشِراحُه.
قال - عليه الصلاة والسلام -:
«ثَلاثٌ لا يغِلُّ عليهنَّ قَلبُ مُسلمٍ: إخلاصُ العملِ لله، ومُناصحَةُ أئمةِ المُسلمين ولُزوم جماعَتِهم»؛
رواه الترمذي.
وحَلاوةُ الإيمانِ تَتبَعُ كمالَ محبَّةِ العبدِ لربِّه؛
وذلك بتكمِيلِها وتفريغِها ودفعِ ما يُضادُّها.
قال - عليه الصلاة والسلام -:
«ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حلاوةَ الإيمان:
أن يكون اللهُ ورسولُه أحَبَّ إليه مما سِواهما،
وأن يُحبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله،
وأن يكرَه أن يعُودَ في الكُفر كما يكرَهُ أن يُقذَفَ في النار»؛ متفق عليه.
ولا يجِدُ العبدُ أُنسَ الطاعةِ حتى يكون فرَحُه بدينِه وعبادتِه أشدَّ فرَحًا مِن كل شيءٍ،
وحتى يكون أشدَّ تسليمًا لربِّه ونبيِّه.
قال - عليه الصلاة والسلام -:
«ذاقَ طعمَ الإيمانِ مَن رضِيَ بالله ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمُحمدٍ رسُولًا»؛ رواه مسلم.
ودُعاءُ الله وحُسنُ الظنِّ به مِفتاحُ كلِّ خَيرٍ. قال الله في الحديثِ القُدسيِّ: «أنا عند ظنِّ عبدِي بِي».
والإيمانُ بالقضاءِ والقَدَرِ يَؤُولُ بصَاحِبِه إلى السعادة.
قال عُبادةُ بن الصَّامِتِ - رضي الله عنه - لابنِه:
"يا بُنيَّ! إنَّك لن تجِدَ طعمَ حقيقةِ الإيمانِ حتى تعلَمَ أنَّ ما أصابَك لم يكُن ليُخطِئَك،
وما أخطَأَك لم يكُن ليُصيبَك"؛
رواه أبو داود.
قال إبراهيمُ الحربيُّ - رحمه الله -:
"أجمَعَ عُقلاءُ كلِّ أمةٍ أنَّه مَن لم يَجرِ مع القَدَرِ لم يَتَهنَّ بعَيشِهِ".
وعُنوانُ سعادةِ العبدِ أنَّه إذا أنعمَ الله عليه شكَرَ،
وإذا ابتُلِيَ صَبَرَ، وإذا أذنَبَ استغفَرَ.
والإكثارُ مِن النَّوافِلِ، والاستِعانةُ بالصَّبر والصَّلاةِ يفتَحُ على العبدِ أبوابًا مِن النَّعيم.
قال الله في الحديثِ القُدسيِّ: «ولا يَزالُ عبدِي يتقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتى أُحِبَّه»؛
رواه البخاري.
ومَن رأَى أنه لا يَنشرِحُ صَدرُه،
ولا يحصُلُ له حلاوةُ الإيمان ونُورُ الهِداية فليُكثِر التوبةَ والاستِغفار،
وليُلازِم الاجتِهادَ بحسبِ الإمكان؛
فإنَّ الله يقُولُ: }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا{ [العنكبوت: 69].
وكفُّ النفسِ عن الحرامِ تعقُبُه لذَّةٌ وسلامةٌ،
والنَّظرُ للمُحرَّمات سَهمٌ مِن سِهامِ إبليس،
مَن ترَكَه خوفًا مِن الله أثابَه الله إيمانًا يجِدُ حلاوتَه في قلبِه.
قال مُجاهِدٌ - رحمه الله -:
"غَضُّ البصَرِ عن محارِمِ الله يُورِثُ حُبَّ الله".
وبعدُ .. أيها المُسلمون:
فلا نعيمَ للعبادِ ولا سُرورَ لهم إلا بمعرفةِ الله ومحبَّتِه
والفرَحِ بطاعتِه، ولا نعيمَ لهم في الآخِرة
إلا بجِوارِه في دارِ النَّعيم والنَّظَر إليها،
فهاتان جنَّتان لا يدخُلُ الثانِيةَ مِنهما إلا مَن دخَلَ الأُولَى.
ومَن لم يجِد للعملِ حلاوةً في قلبِه وانشِراحًا،
فليتَّهِم نفسَه وعملَه؛ فإنَّ الربَّ شَكُورٌ،
وليس العجَبُ مِمَّن لم يجِد لذَّةَ الطاعة،
إنَّما العجَبُ مِمَّن وجَدَ لذَّتَها ثم فارَقَها.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم:
}مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{

[النحل: 97].
باركَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم،
ونفَعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم،
أقولُ قَولِي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميعِ المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه،
إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه،
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له تعظِيمًا لشأنِه،
وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه،
صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابِه، وسلَّمَ تسليمًا مزيدًا.
أيُّها المسلمون:
في العيد تتجدَّدُ للمُسلمين أفراحُهم، وتتجلَّى نِعمُ الله
ومواهِبُه عليهم، فأظهِرُوا فيه الفرَحَ والسُّرورَ،
وأدخِلُوا السعادةَ على غيرِكم، ووسِّعُوا على أنفُسِكم وأهلِيكُم بما أُبِيحَ لكم،
واجعَلُوا فرحتَكم بالعيد مصحُوبةً
بتقوَى الله ومُراقبتِه، واشكُرُوه على ما مَنَّ به عليكم.
وعلى الزوجةِ أن تُدخِلَ السُّرورَ على زوجِها،
وتُحسِنَ عِشرتَها معه، وأن ترعَى أولادَه،
وتُحسِنَ تربيتهم لها.
وعلى المرأة أن تُرضِيَ ربَّها بالحِشمةِ والحياءِ والسِّتر والعفافِ، وطاعتِه - سبحانه -.
واحذَرُوا جميعًا العِصيَان بعد شهر الطاعة،
واسألُوا اللهَ القبُول والتوفيقَ لما يأتِيكم؛ فرمضانُ موسِمٌ للخَير تعقُبُه مواسِم،
والله يُحبُّ مِن عبدِه دوامَ العملِ وإن قَلَّ.
ومَن أتمَّ صَومَ الشهرِو،
وأتبَعَه بستٍّ مِن شوالٍ فكأنَّما صامَ الدَّهرَ كلَّه.
عباد الله:
إذا وافَقَ العيدُ يوم الجُمعة - كهذا اليوم - جازَ لمَن حضَرَ العيدَ أن يُصلِّي الجُمعة،
أو أن يُصلِّي ظُهرًا.
ثم اعلَموا أنَّ الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه،
فقال في مُحكَمِ التنزيل:
}إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{
[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ،
وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين،
الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمان،
وعليٍّ، وعن سائِرِ الصحابةِ أجمعين،
وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرَم الأكرَمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين،
واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً،
وسائِرَ بلاد المُسلمين.
اللهم تقبًّل منَّا صِيامَنا وقِيامَنا.
}رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{

[البقرة: 201]،
}رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ{
[الأعراف: 23].
اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك،
ووفِّق جميعَ وُلاة أمورِ المسلمين للعمل بكتابِك
يا ذا الجلال والإكرام.
سُبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عما يصِفُون،
وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
رد مع اقتباس
 

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



ديزاين فور يو لحلول تقنية المعلومات