صفحة بيت عطاء الخير
بطاقات عطاء الخير
تويتر عطاء الخير الرسمي
مجموعة بيت عطاء الخير الرسمية
بحث في موقع الدرر السنية
 

بحث عن:

ابحث بالموقع
تاريخ اليوم:

  المستشار نبيل جلهوم  
المهندس عبدالدائم الكحيل الدكتور عبدالله بن مراد العطرجى بطاقات عطاء الخير
دروس اليوم أحاديث اليوم بطاقات لفلي سمايل


مجموعات Google
اشترك فى مجموعة بيت عطاء الخير
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

تسجيل دخول اداري فقط

إضافة رد
انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-07-2017, 12:15 AM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 57,730
افتراضي خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان : الغفلةُ أعظمُ أمراض القلوبِ


خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتى الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


ألقى فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذيفي - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
الغفلةُ أعظمُ أمراض القلوبِ


والتي تحدَّث فيها عن مرضٍ خطيرٍ من أمراضِ القلوبِ،

ألا وهو: الغفلةُ، مُبيِّنًا معناها وأنها تنقسِمُ إلى: غفلةِ الكافر والمنافق، وغفلةِ المُؤمن،

كما أوضحَ كيفيةَ النجاة منها في ضوء القرآن الكريم، والسنَّة النبويَّة المُطهَّرة.

الخطبة الأولى

الحمدُ لله، الحمدُ لله الذي يُحيِي ويُميت وهو على كل شيءٍ قدير،

تقدَّسَت أسماؤُه وجلَّت صفاتُه، لا إله إلا هو الحكيمُ الخبير،

أحيَا القلوبَ بالقرآنِ والمواعِظ، والحكمةِ والعملِ الصالحِ المشكُور،

ووكَلَ المُعرِضَ عن الحقِّ إلى نفسِه فهو في خُسرانٍ وغفلةٍ وغُرور،

أحمدُ ربي على نعمِه كلِّها، وأشكُرُه على فضلِه الكبير.



وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له السميعُ البصير،

وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه البشيرُ النذير، والسِّراجُ المُنير،

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ،

وعلى آله وصحبِه القُدوةِ لكل مُؤمنٍ بدينِه بصير.

أما بعد

فاتَّقُوا اللهَ بفعلِ كلِّ عملٍ يَرضَاه، والبُعد عن كلِّ عملٍ يُبغِضُه ويأبَاه؛

فتقوَى اللهِ سعادةُ الدنيا، والفوزُ بجنَّة الخُلد في الأُخرى،

فطُوبَى لمن تمسَّك بها، وويلٌ لمن جانبَها فلم يعمَل بها.

عبادَ الله:

أصلِحُوا قلوبَكم بما يُصلِحُ القلوبَ، وراقِبُوها من الوارِداتِ عليها المُفسِدةِ للقلوب؛

فالقلبُ ملِكُ الجوارِح،

كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

( ألا وإنَّ في الجسدِ مُضغَة، إذا صلُحَت صلُحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَت فسَدَ الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ )

وهل تعلَمُون أعظمَ أمراضِ القلوبِ التي يُحرَمُ مَن ابتُلِيَ بها من الخَيرِ كلهِ؟

أو يُحرَمُ من ابتُلِيَ بها من كثيرٍ من أبوابِ الخير؟

ألا إنَّ أعظمَ أمراض القلوب: هي الغفلَة، فالغفلةُ المُستحكِمةُ

هي التي شقِيَ بها الكفارُ والمنافقون، وهي التي أوجَبَت لهم الخُلودَ في النار.

قال الله تعالى:

{ مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ

وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }


[ النحل: 106- 108 ].

وقد تكونُ الغفلةُ من المُسلِمِ عن بعضِ أعمالِ الخير،

وعن الأَخذِ بأسبَابِ المنافِعِ والنجاةِ من الشُّرور،

فيفُوتُه من ثَوابِ الخير بقَدرِ ما أصابَه من الغَفلَةِ، ويُعاقَبُ بالمكرُوهاتِ والشرِّ

بقَدرِ غفلَتِه بتَركِ أسبابِ النجاة.

قال الله تعالى:


{ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }

[ الأحقاف: 19 ]

وقال تعالى:

{ وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى }

[ النجم: 39- 41 ].

وقال - صلى الله عليه وسلم - عن ربِّه:

( ادخُلُوا الجنةَ برحمَتِي، واقتسِمُوها بأعمالِكم )

وقال - عليه الصلاة والسلام -:

( لا يزالُ قومٌ يتأخَّرونَ حتَّى يؤخِّرَهمُ اللَّهُ، وإن دخلُوا الجنَّة )

وقال تعالى في عقوبةِ الغفلَةِ عن الأَخذِ بأسبابِ النجاةِ:

{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا

قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }


[ آل عمران: 165 ]

وقال تعالى:

{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }

[ الشورى: 30 ].

والعفوُ هنا للمُسلِم وليس للكافِر؛ لأن الكافِرَ لا يُعفَى ذنبُه إلا بالتوبَةِ.

الغفلةُ هي: عدمُ إرادةِ الخيرِ قَصدًا، وعدمُ محبَّتِه مع خُلوِّ القلبِ من العلمِ النافِع،

والعملِ الصالح، وهذه هي الغفلةُ التامَّةُ المُهلِكةُ، وهي غفلةُ الكفارِ والمنافقين،

التي لا يُفلحُ المرءُ معها إلا بالتوبةِ إلى الله.

ولا يتَّبِعُ الإنسانُ - إذا استولَت عليه - إلا الظنَّ وما تهوَاه نفسُه،

ويُزيِّنُه له شيطانُه، ويُحبُّهُ هواهُ من الشهَوَات.

وهذه الغفلةُ هي التي عاقَبَ اللهُ بها الكفارَ والمنافقينَ في الدنيا والآخرة،

قال الله تعالى:

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا

وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا

أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }


[ الأعراف: 179 ]

وقال تعالى:

{ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ

فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ }


[ الأعراف: 135 ]

وقال تعالى:

{ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }

[ يونس: 92 ].

وقال عن المُنافقين:

{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ }

[ البقرة: 18 ]

وقال - سبحانه -:

{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }

[ مريم: 39 ].

عن أبي سعيدٍ الخُدري - رضي الله عنه - قال:

قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

( إذا دخَلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، ودخَلَ أهلُ النارِ النارَ، يُؤتَى بالموتِ كهيئةِ كَبشٍ أملَحَ،
فيُنادِي مُنادٍ: يا أهلَ الجنَّةِ! فيشرئِبُّون وينظرُون، فيقولُ: هل تعرِفُون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموتُ - وكلُّهم قد رآه -،
ويقولُ: يا أهلَ النارِ! فيشرئِبُّون وينظرُون، فيقولُ: هل تعرِفُون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموتُ - وكلُّهم قد رآه -،
فيُذبحُ بين الجنةِ والنارِ، فيقالُ: يا أهلَ الجنَّةِ! خُلودٌ بلا موت، ويا أهلَ النارِ! خُلودٌ بلا موت»، وقرَأَ هذه الآية: { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ } [ مريم: 39 ] )


رواه البخاري ومسلم.

وفي بعضِ الروايات:

( فلولا أنَّ اللَّهَ كتَبَ الحياةَ لأَهْلِ الجنَّةِ لماتُوا فَرحًا،

ولولا أنَّ اللَّهَ كتَبَ الحياةَ لأَهْلِ النَّارِ لماتُوا حُزنًا وحسرةً )


ومعنى قولِه تعالى:

{ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ }

أي: في الدنيا؛ إذ الآخرةُ لا غفلةَ فيها.

فغفلةُ الكفارِ والمنافقين غفلةٌ مُستحكِمةٌ تامَّةٌ، تُخَلِّدُ صاحِبَها في النار،

وهي عَدمُ إرادةِ الخَير قَصدًا، وعدمُ محبَّتِه، وخلُوُّ القلبِ من العلمِ النافِع والعملِ الصالح،

مع اتِّباعِ الهوَى.

قال الله تعالى:

{ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }

[ الكهف: 28 ].

قال أهلُ التفسير:

"ولا تُطِع من جعَلنا قلبَه غافلًا عن القرآن والإسلام، وكان أمرُه ضياعًا وباطلًا".

وأما غفلةُ المسلم، فهي غفلةٌ عن بعضِ الأعمالِ الصالحة التي لا يُضادُّ تركُها إسلامَه،

أو الوُقوعُ في بعض المعاصِي التي لا تُكفِّر، والغفلةِ عن تذكُّر عقوباتِها.

والغفلةُ من المسلمِ شرٌّ عليه كبيرٌ، وضرَرٌ خطيرٌ، تُورِدُه المَهالِك،

وتسُدُّ عليه من الخيرِ مَسالِك.

وللغفلة مضارُّ كثيرة، وشرورٌ مُستطِيرة، قال الله تعالى:

{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

[ الحشر: 19 ]

وقال تعالى:

{ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

[ التوبة: 67 ]

وقال - عزَّ وجل -:

{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ

وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ }


[ الأعراف: 205 ].

بالغفلَةِ عن معرفةِ كمالِ التوحيد يقَعُ المسلمُ في نقصِ كمالِ التوحيدِ، قال الله تعالى:

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ }

[ يوسف: 106 ].

وبالغفلَةِ عن تعلُّم أركانِ الصلاةِ وواجِباتها يقَعُ الخللُ في الصلاة،

كما في حديثِ أبي هُريرة - رضي الله عنه -،

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأَى رجُلًا يُصلِّي فخفَّفَ صَلاتَه،

ثم انصَرَفَ فسلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:

( ارجِع فصَلِّ فإنَّكَ لم تُصَلِّ فعَلَ ذلكَ ثلاثًا، فعلَّمَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم

الطُّمأنينةَ في أفعالِ الصلاةِ )


رواه البخاري ومسلم.

وبالغفلَةِ عن تذكُّرِ ثوابِ صلاةِ الجماعة، يجُرُّ إلى التساهُلِ في الجماعة،

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

( أثقَلُ الصلاةِ على المنافقينَ: صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ،

ولو يعلَمونَ ما فيهما لأَتَوْهُمَا ولو حَبْوًا )


رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.

وبالغفلَةِ عن ثوابِ الزكاة، والغفلَةِ عن عقوبةِ مانِعِها، يكونُ التفريطُ في أدائِها؛

ففي الحديث:

( ما مِن صاحِبِ كَنزٍ لا يُؤدِّي زكاتَه،

إلَّا مُثِّل له يومَ القيامةِ شُجاعًا أقرَعَ يأخذُ بلهزَمَتَيه، فيقولُ: أنا كَنزُك، أنا مَالُك )


رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.

أي: صارَ ثُعبانًا يمصُّ شِدقَيه، ويُفرغُ السُّمَّ فيه.

وبالغفلَةِ عن تذكُّر عقوباتِ عقوقِ الوالدَين، يقتَرِفُ الولدُ العقوقَ،

فيحِقُّ عليه ما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

( ثلاثةٌ لا يدخُلُون الجنة: العاقُّ لوالدَيه، والدَّيُّوثُ، والرَجِلَةُ من النساء )

رواه النسائي والحاكم عن ابن عُمر.

والدَّيُّوث هو: الذي يُقِرُّ أهلَه على الزِّنا ويعلَمُ به. والمُتشبِّهةُ بالرِّجال هي الرَّجِلَة.

وبالغفلَةِ عن عقوبةِ قطِيعَةِ الرَّحِم، يقَعُ الوعيدُ على القاطِع؛

ففي حديث جُبَير بن مُطعِمٍ - رضي الله عنه -،

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

( لا يدخُلُ الجنةَ قاطِعٌ )

رواه البخاري ومسلم.

وبالغفلَةِ عن عقوباتِ الظُّلم يقعُ الظلمُ في الأرض؛ فيُسفَكُ الدم، ويُؤخذُ مالُ الغَير،

ويُعتدَى على الأعراض، ويصيرُ العمران خرَابًا، والأرضُ يَبابًا، ويهلِكُ الحرثُ والنَّسلُ،

وينتشِرُ الخوفُ، ثم تنزِلُ العقوبةُ بالظالِم،

كما قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:

( إن الله ليُملِي للظالِمِ، حتى إذا أخَذَه لم يُفْلِتْه وقرأَ الآيةَ:

{ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }

[ هود: 102 ] )

رواه البخاري ومسلم من حديث أبي مُوسى.

فالغفلَةُ مِفتاحُ شُرور، ويُحرَمُ بها المسلمُ من كثيرٍ من الأجُور،

وما يدخُلُ النقصُ على المُسلِم إلا من بابِها، فالنجاةُ منها هي السعادةُ،

والبعدُ عنها رُقِيٌّ في درجات العبادة، والحذَرُ منها حِصنٌ من العقوبات في هذه الدنيا،

وفوزٌ بالنعيم بعد المماتِ.

ولا يكونُ الاعتِصامُ من الغفلَةِ والنجاةُ منها إلا بالابتِعاد عن أسبابِها،

وعدم الرُّكُون إلى الدنيا التي تغُرُّ المرءَ عن آخِرَته.

ومما يُعينُ المسلمَ على تجنُّب الغفلَةِ: المُحافظةُ على الصلواتِ جماعةً،

بخشُوعٍ وحضورِ قلبٍ؛ فالصلاةُ تتضمَّنُ حياةَ القلوب بما فيها من المعاني العظيمة،

قال تعالى:

{ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }

[ طه: 14 ].

ومما يُنْجِي من الغفلَة: ذِكرُ الله على كل حالٍ؛ فالذِّكرُ يُحيِي القلبَ، ويطرُدُ الشيطانَ،

ويُزكِّي الروحَ، ويُقوِّي البدنَ على الطاعاتِ، ويُوقِظُ من نوم النسيانِ،

ودوامُه يحفَظُ العبدَ من المعاصِي.

عن أبي مُوسى - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

( مثَلُ الَّذي يذكُرُ ربَّه، والَّذي لا يذكُرُه مثلُ الحيِّ والميِّتِ )

رواه البخاري ومسلم.

ومما يحفَظُ العبدَ من الغفلَةِ: تلاوةُ القرآن الكريم؛ ففيه العجائِب، وفيه الرغائِب،

وفيه شفاءُ القلوب، وفيه الحثُّ على كل خيرٍ، والزَّجرُ عن كل شرٍّ،

قال الله تعالى:

{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ }

[ الإسراء: 82 ].

ومما يحفَظُ العبدَ من الغفلَةِ: مُجالسةُ العلماءِ والصالحين؛ لأنهم يُذكِّرون بالله،

قال الله تعالى:

{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ

وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }


[ الكهف: 28 ].

ومما يُنجِي من الغفلَةِ: الابتِعادُ عن مجالس اللَّهو والفسقِ وجليسِ السوءِ،

قال الله تعالى:

{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا

فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ }


[ النساء: 140 ].

وفي الحديثِ:

( ومثَلُ جليسِ السوءِ كنافِخِ الكِيرِ )

ومما يُنجِي من الغفلَةِ: معرفةُ حقارةِ الدنيا وزوالِها،

وعدم الاغتِرار بزخرُفِها عن الآخرة؛ فهي التي صدَّت أكثرَ الناس عن الآخرة،

الهُدى.

ومما يُنجِي من الغفلَةِ: مُجانبةُ الذنوبِ والمعاصي؛

فكلُّ معصيةٍ وقَعَ فيها العبدُ كان ذلك بسببِ الغفلةِ،

قال الله تعالى:

{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ

وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ }


[ الأعراف: 201، 202 ].

باركَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم،

ونفعَنا بهديِ سيِّد المُرسَلين وقولِه القَويم، أقولُ قولي هذا،

وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرحمنِ الرحيم، أحمدُ ربي وأشكرُه على نعمِه الظاهرة

والباطِنة كلِّها، وأُثنِي عليه الخيرَ كلَّه، هو كما أثنَى على نفسِه،

وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العزيزُ الحكيم،

وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه الهادِي إلى صراطٍ مُستقيم،

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ،

وعلى آلهِ وصحبِه ذوِي التُّقَى والخُلُق الكريم.

أما بعد:

فاتَّقُوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكُوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.


عباد الله:

إن من أعظَم ما يُنقِذُ المُسلمَ من الغفلَة وآثارِها الضارَّة: ذِكرَ الموتِ وما بعدَه؛

فهو واعِظٌ بليغٌ، مُشاهَدٌ مسموعٌ، يَقينٌ طَعمُه، قريبٌ لِقاؤُه، واقِعٌ أَمرُه.

عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال:

قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:

( أكثِرُوا من ذِكرِ هاذِمِ اللذَّات )

يعني: الموت -؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".

ومَن أكثَرَ من ذِكرِ الموتِ صلُح قلبُه، وزكَا عملُه، وسلِمَ من الغفلَةِ،

وعند الموتِ يفرَحُ المؤمنُ، ويندَمُ الفاجِرُ ويتمنَّى الرجعةَ، وهيهَاتَ أن يُستجابَ له،

قال الله تعالى:

{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ

لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا

وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }


[ المؤمنون: 100 ].

وعُمرُ الإنسان ما مضَى في الطاعاتِ، وما مضَى في المعاصِي فهو خَسارةُ عُمره.

عباد الله:

{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }


[ الأحزاب: 56 ]

وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:

( من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا )

فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمامِ المرسلين.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم،

إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ،

كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، وسلِّم تسليما كثيرًا.

اللهم وارضَ عن الصحابةِ أجمعين،

وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديِّين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ،

وعن سائر الصحبِ والآلِ أجمعين برحمتِك يا أرحم الراحمين،

اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلِمات، والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

اللهم اغفِر لأمواتِنا وأمواتِ المُسلمين،

اللهم زِد في حسناتهم، وضاعِف حسناتهم، وتجاوَز عن سيئاتِهم،

ونوِّر قبورَهم يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفِر للأحياء من المُسلمين، ويسِّر لهم أمورَهم،

اللهم اقضِ الدَّينَ عن المَدينين من المُسلمين،

اللهم اقضِ الدَّينَ عن المَدينين من المُسلمين،

واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ،

ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ.

اللهم أحسن عاقِبتَنا في الأمورِ كلِّها، وأجرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.

اللهم أعِذنا وأعِذ ذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وشياطينه

وجنوده وأوليائِه يا ذا الجلال والإكرام،

اللهم أعِذ المُسلمين من إبليس وشياطينه وذريَّته برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلَنَّا،

وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر لا إلهَ إلا أنت.

اللهم احفَظ حُدودَنا، اللهم واحفَظ جُنودَنا يا رب العالمين،

إنك على كل شيء قدير، اللهم احفَظ بلادَنا من كل شرٍّ ومكرُوهٍ

برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى،

اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك،

اللهم أعِنه على كل خيرٍ يا رب العالمين،

اللهم وارزُقه الصحةَ والعافِيةَ إنك على كل شيء قدير،

اللهم وفِّق نائبَيه لما تُحبُّ وترضَى.

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورِنا، ووفِّقهم لكلِّ خيرٍ يا رب العالمين.

{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }

[ البقرة: 201 ].

اللهم أغِثنا برحمتِك يا أرحم الراحمين،

اللهم أغِثنا برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألُك أن تختِمَ بالخيراتِ أعمالَنا يا أرحم الراحمين.

عبادَ الله:

{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى

وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }


[ النحل: 90 ].

فاذكُرُوا الله العظيمَ الجليلَ يذكُركُم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم،

ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



ديزاين فور يو لحلول تقنية المعلومات