تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لمسات بيانية من سورة الجمعة


adnan
05-03-2013, 09:46 PM
الأخت / الملكة نور


لمسات بيانية من سورة الجمعة



الدكتور فاضل السامرائي




سأل سائل عن قوله تعالى :


} وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا
قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {


[الجمعة]



لم قدمت التجارة على اللهو أولاً ؟



فقال :



{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا }

و أخرها عنه بعد فقال :



{ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ }



https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=13e6ade369d4ae81&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)



و الجواب والله أعلم أن سبب تقديم التجارة على اللهو في قوله :


} وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا{




أنها كانت سبب الانفضاض ذلك أنه قدمت عير المدينة و كان النبي

صلى الله عليه و سلم يخطب يوم الجمعة ، و كان من عرقهم أن

يدخل بالطبل و الدفوف و المعازف عمد قدومها فانفض الناس إليها

و لم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلاً فأنزل الله قوله :


} وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً ......{




فقدمها لأنها كانت سبب الانفضاض وليس اللهو ،

و إنما كان اللهو و الضرب بالدفوف بسببها فقدمها لذلك .

و لهذا أفرد الضمير في (إليها) و لم يقل (إليهما) لأنهم في الحقيقة

إنما انفضوا إلى التجارة و كان قد مسهم شيء من غلاء الأسعار .





و أما تقديم اللهو عليها فيما بعد في قوله :


}قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ {




فذلك لأن اللهو أعم من التجارة ،

فليس كل الناس يشتغلون في التجارة ولكن أكثرهم يلهون .

فالفقراء و الأغنياء يلهون ، فكان اللهو أعم فقدمه لذلك إذ كان حكماً

عاماً فقدم التجارة في الحكم الخاص لأنها في حادثة معينة وقدم

اللهو في الحكم العام لأنه أعم .



ولأنها مناسبة لقوله :


} وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {




فالتجارة من أسباب الرزق و ليس اللهو فوضعها بجنبه و لأن العادة

أنك إذا فاضلت بين أمور فإنك تبدأ بالأدنى ،

ثم تترقى فتقول :

( فلان خير من فلان و من فلان أيضاً ) ،

و ذلك كأن تقول :

( البحتري أفضل من أبي فراس ، و من أبي تمام ومن المتنبي أيضاً )



فإنك إذا بدأت بالأفضل انتفت الحاجة إلى ذكر من هو أدنى ،

فبدأ باللهو لأنه ظاهر المذمة ثم ترقى إلى التجارة التي فيها كسب و

منفعة .



https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=13e6ade369d4ae81&attid=0.6&disp=emb&zw&atsh=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)



وكرر { مِّنَ } مع اللهو ومع التجارة

فقال :


}خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ{




ليؤذن باستقلال الأفضلية لكل واحد منهما لئلا يتصور أن الذم إنما

هو لاجتماع التجارة واللهو ، فإن انفراد اللهو أو التجارة خرج من

الذم ، فأراد أآن يبين ذم كل منهما على جهة الاستقلال لئلا يتهاون

في تقديم ما يرضي الله و تفضيله . ونحو ذلك ، أن تقول :

( الأناة خير من التهور والعجلة )

فإن ذلك قد يفهم أنها خير من اجتماعهما ، ذلك لأن اجتماعهما أسوأ

من انفرادهما فإن الذي يجمع التهور والعجلة أسوأ من اتصف

بإحدى الخلتين . فإن قلت :

( الأناة خير من التهور ومن العجلة )

أفاد استقلال كل صفة عن الأخرى ، و أنها خير من أية صفة منهما ،

فإن اجتمعتا كان ذلك أسوأ .

فجاء بـ { مِّنَ } ليؤذن باستقلال كل من اللهو و التجارة وأنه ليس

المقصود ذم الجميع بين الأمرين بل ذم وتنقيص كل واحد منهما ،

بالنسبة إلى ما عند الله .



https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=13e6ade369d4ae81&attid=0.7&disp=emb&zw&atsh=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)





جاء في ( روح المعاني ) :

" واختبر ضمير التجارة دون اللهو، لأنها الأهم المقصود،

فإن المراد ما استقبلوا به العير من الدف و نحوه .

أو لأن الانفضاض للتجارة مع الحاجة إليها و الانتفاع بها إذا كان

مذموماً ، فما ظنك بالانفضاض إلى اللهو وهو مذموم في نفسه .



{ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَة }



و تقديم اللهو ليس من تقديم العدم على الملكة كما توهم ، بل لأنه

أقوى مذمة فناسب تقديمه في مقام الذم .



وقال ابن عطية :

قدمت التجارة على اللهو في الرؤية لأنها أهم وأخرت مع التفضيل ،

لتقع النفس أولاً على الأبين .



و قال الطيبي :

قدم ما كان مؤخراً و كرر الجار ، لإرادة الإطلاق في كل واحد و

استقلاله فيما قصد منه ، ليخالف السابق في اتحاد المعنى ،

لأن ذلك في قصة مخصوصة.








المصادر :





[1] انظر البحر المحيط 8/268، روح المعاني 28/104


[2] روح المعاني 28/105-106