المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من قصص الأنبياء نتعلم التنمية البشرية و تطوير الذات ( 02 - 03 )


adnan
05-05-2013, 09:58 PM
الأخت / غـــرام الغـــرام
حصرياً لبيتكم و للمجموعات الشقيقة و الصديقة

من قصص الأنبياء عليهم السلام
نتعلم التنمية البشرية و تطوير الذات
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=13e6feb74f245f91&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)

سيدنا سليمان عليه السلام و الهدهد و علم الإدارة
( 2- 3 )

الدرس الثالث: فن صياغة التقارير و الإلقاء و العرض

لقد أكد الهدهد أن ما لديه من مبررات يقينية ومؤكدة ولا تحتمل التأليف
أو الظن أو التخمين أو الافتراض، ولكنها تقوم على الحقائق المجردة،
ولا شك أن لنا وقفة جاء أوانها الآن لنتعلم من الهدهد أحد فنون الإدارة
والاتصالات فيما أصبح يُعرف الآن بفن "صياغة التقارير"،
والإلقاء والعرض عسانا أن نجد فيها من الدروس ما ينفعنا.

وبداية فإن التقرير- سواء كان شفهياً أو مكتوباً - ما هو إلا وعاء
يحتوي معلومات يقدم إلى مستوى إداري أعلى للمساعدة على اتخاذ قراراته
على بينة ورشد.

والتقرير الجيد له مواصفات عديدة؛ أهمها أجزاؤه المتماسكة والمتكاملة
والموجزة والكافية، كلماته الواضحة، والمعبرة، والبعد عن الغموض،
أو التخمين، أو الإيجاز المخلّ، أو التطويل المملّ… إلخ.

وأهم أجزاء التقرير: مقدمة مشوقة، وصلب الموضوع،
ثم خاتمة وتوصيات في النهاية.. فماذا عن تقرير الهدهد،
وأين هو من كل هذه المواصفات؟!!
تعالوا ننظر ونتأمل معًا.

1- المقدمة

لقد تضمن تقرير الهدهد كافة عناصر التقرير الجيد، وأولها وجود
مقدمة مشوقة ومعبرة عن الموضوع الذي سوف يتناوله،
وذلك حينما قال:

{ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }
[ النمل: من الآية 22 ]
فالتشويق الكامل يأتي من قوله :

{ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ }

فهي تثير في المستمع كل قوى الاستعداد والتحدي لسماع ما سوف يأتي بعد
ذلك؛ ما هذا الشيء الذي يعرفه الهدهد وأحاط به ولا يعرفه سليمان؟!!!
رغم إمكاناته والقوى المسخرة لخدمته؟؟

ليس التشويق فحسب؛ بل إن هذه المقدمة رغم إيجازها الشديد قد تضمنت
أيضًا صفةً أخرى مهمةً من أهم صفات المقدمة الجيدة،
وهي إعطاء المستمع أو القارئ فكرةً عن طبيعة الموضوع،
وذلك حينما قال:

{ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }
فالموضوع يتعلق بسبأ، وما هي سبأ ؟ وعليه أن ينتظر بلهفة وشوق
للاستماع والتعرف، ثم إنه قد أبان عن منهجه في هذا التقرير
وهل هو قائم على مجرد التكهن، والتخمين، والسماع أم قائم على التبيُّن
واليقين والتحقق العلمي الموثق؟ وذلك حينما قال:

{ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }
فما الذي يمكن أن ينقص هذه المقدمة بعد ذلك رغم هذا الإيجاز الشديد؟!

2- صلب الموضوع

ثم أخذ الهدهد في سرد عناصر التقرير التي تمثل صلب الموضوع الأساس،
وهو هنا يحاول إعطاء صورة كاملة، وشاملة، وصافية، وغير منقوصة،
كما رأى فيما يتعلق بقوم سبأ هؤلاء، ويمكن لنا أن نتبين أن هذا الطلب
قد تضمن عناصر عدة؛ أهمها:

أ- نظام الحكم.
ب- القدرة الاقتصادية.
ت- النظام الاجتماعي ووضع المرأة فيه.
ث- النظام الحضاري والصناعي ومدى تقدمه.
ج- العقيدة الدينية ومدى رسوخها في نفوسهم.

{ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ }
[ النمل: من الآية 23 ]
نظام الحكم، ووضع المرأة الاجتماعي.

{ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ }
[ النمل: من الآية 23 ]
القدرة الاقتصادية.

{ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ }
[ النمل: من الآية 23 ]
الوضع الحضاري والصناعي والمهاري.

{ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ }
[ النمل: من الآية 24 ]
الوضع الديني والعقدي.. عبادة الشمس.

{ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ }
[ النمل: من الآية 24 ]
مدى رسوخ ذلك في نفوسهم.

{ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ }
[ النمل: من الآية 24 ]
صعوبة تغييرهم وتحويلهم عن هذا الوضع إلا بخطة محكمة
ومدروسة تستغرق وقتًا وجهدًا.

3- التوصيات

لم يقف الهدهد عند مجرد النقل والسرد؛ بل إننا نلاحظ تدخل رؤيته
وتقييمه للأمور وحكمته، والتي وصلت مداها بتوصية لسليمان يوجهه فيها
لطبيعة القرار الذي يجب اتخاذه في مثل هذا الموقف وهذا يوضح أعلى
الدرجات الإيجابية والمسئولية والمشاركة من مقدم التقرير إلى قائده،
وذلك حينما يختم تقريره بقوله:

{ أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) }
[ النمل ]

وهنا يتوقف سليمان ونتوقف نحن أمام هذا المستوى الراقي من جندي
مبادر لا يكتفي بمجرد تأديته الأوامر، ولكن ومن منطلق فهمه وإيمانه
برسالة المنظمة التي يعمل تحت لوائها، ينطلق ويؤدي ويبدع ويتفانى
في إتقان دوره بما ينعكس بأعلى درجات الكفاءة والفعالية
على تحقيق وإنجاز هذه الرسالة.

الدرس الرابع: لا تبنِ قراراتك إلا على حقائق

واستكمالاً للدروس.. فماذا كنت ستفعل لو كنت مكان
سيدنا سليمان عليه السلام؟ ولماذا تجهد نفسك؟
فالإجابة موجودة وموثقة في القرآن العظيم :

{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (27) }
[ النمل ]

وهذا درس عظيم آخر في الإدارة لا يمكن للقائد أن يبني قراراً-
خاصة إذا كان من هذا النوع الإستراتيجي - إلا عن بينة وحقائق لا تحتمل
أي لبس أو تخمين، فكثيراً ما نرى الخلط بين أمور ثلاثة لدى الكثير
من المديرين، بل من الناس عموماً وهذه الثلاثة هي:
الحقائق والافتراضات والأحكام أو القرارات.

فإن ما قاله الهدهد لا يزال بالنسبة إلى سليمان مجرد افتراض قد يحتمل
الصواب أو الخطأ، ومن ثم لا يجب أن يبني عليه حكمًا أو قرارًا
إلا بعد تحويله إلى حقيقة، وهذا يحتاج إلى تبين وتأكد ودراسة
واختبار لصحة الافتراض من عدمه.

ويجب البعد في ذلك عن العواطف والانفعالات والنواحي الشخصية،
وهذا بالضبط ما فعله سليمان عليه السلام مع الهدهد؛ حيث قال:

{ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ }
أي سوف نتأكد أو نتبين مدى صحة ما تدعيه،
وحينئذٍ يتم اتخاذ القرار المناسب، ليس فقط بشأن الهدهد وعقابه أو ثوابه،
وإنما بشأن القرار الأهم وهو المتعلق بقوم سبأ هؤلاء
وما يجب اتخاذه حيالهم، وهو قرارٌ إستراتيجيٌّ مهمٌّ يتطلب وضع خطة
على أعلى مستوى لتحويلهم.