تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ذكرياتي مع الشيخ الأَلبَاني


بنت الاسلام
06-04-2013, 12:22 PM
الأخ / الصبر ضياء - الفرج قريب


ذكرياتي مع الشيخ الأَلبَاني يرحمه الله

http://f1623.mail.vip.bf1.yahoo.com/ya/download?mid=2%5f0%5f0%5f1%5f24101110%5fAO%2fsHkgA ARlnUayrtgCbr1j9bT8&pid=5&fid=Inbox&inline=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)

ذكرياتــي مع الشَّيخ مُحمَّد نَاصِر الدِّين الأَلبَانــي بقلم :

الشَّيخ الدكتور أبي عبد الباري رضا بن خالد بوشامة

حفظه الله

أستاذ بكلية العلُّوم الإسلامية - بجامعة الجزائر.

كان ذلك في أيَّام حجِّ سنة 1410 هـــ وهي السَّنة الَّتي أنهيت فيها دراستــي

الثَّانوية بالمعهد الثَّانوي بالجامعة الإسلاميَّة ، وهي أوَّل حجَّة حججتها .

بعد أن وصلت إلى مكَّة المكَّرمة - شرَّفها الله – استضافني أحد الطَّلبة

الجزائريِّين في مسكنه الجامعي بالعزيزيَّة فتركت عنده أغراضي

استعدادًا للسَّفر الحجِّ .

وكان طرق مسامعنا أنَّ الشَّيخ الألباني حاجٌّ هذه السنَّة .

وفي اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة انطلقت إلى منـى ضحى ،

وقدَّر الله أن التقيت زميلي الدُّكتور جمال عزون وكان آنذاك طالبًا

في كليَّة الحديث الشَّريف .

فنمى إليَّ أو نميت إليه خبر قدوم الشَّيخ وكلانا يبحث عن مكان وجوده

لكن لا أحد منَّا اهتدى إلى ذلك ، إلاَّ أنَّ الأخ جمالاً كان في حوزته

رقم هاتف أحد أصهار الشَّيخ فبحثنا عن هاتف عمومي

[ ولم يكن يومئذ جوَّالات ] فاتَّصل فأخبرونا أنَّ الشَّيخ في مكان يسمَّى

الرّبوة في منًى ، ومنَى كلُّها فِجاج .

فبدأنا رحلة البحث عن الشَّيخ ، نسأل هنا وهناك ،

ونتسمَّع أصوات المدرِّسين والمرشدين في الخيم لعلنَّا نظفر بصوت

يشبه صوت الشَّيخ .

فمن ضحى ذاك اليوم ونحن نبحث إلى أن وصلنا إلى المكان

الَّذي يسمَّى الرّبوة بعد المغرب ، فالتقينا ببعض الشَّباب من طلبة العلم

من أهل المدينة كنت على معرفة بهم فسألناهم عن الشَّيخ ،

فوجَّهونا إلى مكان وجوده .

فعند اقترابنا من المخيِّم إذا بصوت الشَّيخ ينبعث منه فتذكَّرت تلك الأشرطة

الَّتي كنَّا نستمع إليها قبل جلوسنا عنده ،

وتعجَّبت من أولئك الشَّباب الَّذين بَقَوْا في مخيِّمهم وهم على علم

بمكان الشَّيخ ، إلاَّ أنَّهم لم يكونوا على معرفة بقدره وفضله وعلمه .

دخلنا المخيَّم فإذا بالشَّيخ جالس على كرسي يلقي درسًا على حجَّاج

ذاك المخيَّم ، فجلسنا نستمع إلى كلامه ، وكلنَّا فرح وسرور بلقائه ،

خاصَّة إذا أيقنت حقيقةً لا خيالاً أنَّك تحجُّ حجَّتك الأولى مع عالم زمانه

ومحدِّث عصره ، وسترى تطبيق ما كتبه عن المناسك تطبيقًا فعليًّا

عسى أن تحظى بحجَّة كما حجَّها النَّبــيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .

بعد أن أنهى الشَّيخ كلمته أجاب عن الأسئلة ، ثمَّ دخل خيمته المخصَّصة له

داخل الخيمة الكبيرة ، وهي محتوية على سرير وفراش للشَّيخ

وبعض الأمور الَّتي يستعين بها على الوضوء وغيره .

تشاورت مع أخي جمال وقلنا لابدَّ من البقاء مع الشَّيخ طوال حجَّة .

فما كان إلاَّ أن استئذنَّا في البقاء مع أهل المخيَّم وغالبهم من الأردن

أن لم يكن كلَّهم ، وكان برفقة الشَّيخ مجموعة من تلاميذه من أهل الأردن

وغيرهم ، فأذنوا بذلك جزاهم الله خيرًا ، ففرحنا بذلك وبقينا في المخيَّم

نتعرَّف على بعض طلاَّب العلم من طلبة الشَّيخ ،

وممَّن تعرفنَّا عليه وقرَّبنا إليه مسجِّلُ أشرطة الشَّيخ أبو ليلى الأثري ،

فكان يسجِّل للشَّيخ تلك الحلقات ، وكنت أحمل معي أيضًا مسجِّلاً

فصرت أسجل للشَّيخ كما يسجِّل .

بنت الاسلام
06-04-2013, 12:27 PM
وفي اليوم التَّالي وهو يوم عرفة ، بدأ التَّهيُّؤ للصعود إلى عرفة
ركب الشَّيخ سيَّارة خاصَّة مع صهره وأبي ليلي ، وركبنا حافلة صغيرة مع طلبة الشَّيخ ،
ولـمَّا وصلنا إلى عرفة أخذ كلٌّ منَّا مكانه في الخيمة المخصَّصة للحملة ،
وجلست قريبًا من الشَّيخ أرقب ما يصنع في هذا اليوم ،
فرأيت فيه الاتِّباع للسُّنَّة والاجتهاد في العبادة ما لم نكن نسمعه عن الشَّيخ ،
فلم يزل يذكر الله تعالى ويكبره ويعظمه ، بل قد يستلقي أحدنا من شدَّة التَّعب
والحرارة [ ولم يكن يومئذ مكيِّفات في الخيم ] والشَّيخ باق على ذكره ،

وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويرشد المخطئ ،
إذا رأى شخصًا يقرأ في كتاب الله نصحه بالذِّكر الوارد في هذا اليوم
لأنَّه أفضل من قراءة القرآن ، ويأتيه السَّائل يسأله فيجيب الشَّيخ عن سؤاله
، وأذكر أنَّه جاءه أحد العمَّال المصريِّين وكان يشتغل في نصب خيام الحجاج
، وبدا له أن يحجَّ في ذاك اليوم ، فاستفسر منه الشَّيخ هل النِّيَّة عقدها
ذاك اليوم أم قبله ؟ فأجابه بأنَّه لما رأى الحجيج أراد أن يحجَّ ونواه ،
فأمره الشَّيخ أن يلبِّــي بالحجِّ ويحرم من مكانه .

وكان الشَّيخ يؤتــي له في بعض الأحيان بالحلو البارد [ البطِّيخ ]
فكان يطعمني منه - جزاه الله خيرًا – لأنَّني كنت أقرب النَّاس مجلسًا منه
في ذاك اليوم ، ويعلم الله كم تأثَّرت بكثرة عبادته وذكره ،
خلاف ما يشاع عنه أنَّه يعني فقط الأسانيد ولا اجتهاد له في العبادة ،

{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }
[ فاطر :28 ] .

وفي مغرب ذاك اليوم وعند النُّفرة ركب الشَّيخ سيارته وركبنا معه الحافلة
المخصَّصة لنا ، وكان الزِّحام شديدًا ، فالتقينا ببعض أهل اليمن
يركبون حافلة لهم فبلَّغوا سلام الشَّيخ مقبل رحمه الله للشَّيخ الألباني
وهو بدوره أمرهم بتبليغ سلامه للشَّيخ مقبل كثيرًا .

وفي اليوم التَّالي وهو يوم النَّفر من مزدلفة إلى منى فقدنا سيارة الشَّيخ
فافترقنا ، وقمنا بإعمال الحجِّ في ذاك اليوم دون أن نكون مع الشَّيخ
وتحسَّرنا كما تحسَّر من كان معنا من تلامذته .

وبعد أن أدينا المناسك رجعنا إلى الخيمة في منى والتقينا بالشَّيخ مرَّة أخرى
فرحب كعادته وسأل عن أوضاعنا وحجّنا جزاه الله خيرًا .
وفي اليوم الأوَّل من أيَّام التَّشريق رَافَقْنَا الشَّيخ إلى المذبح لأداء نسك الذَّبح
مع صهره بسيَّارته الخاصَّة ورافقنا أبو ليلي ورجل من أهل مكَّة
ممَّن يعرف الشَّيخ ، وذبح الشَّيخ كبشًا أقرن أملح من أجود الغنم وهو
ما يسمَّى بالحرِّي ، أمَّا أنا وأخي جمال فبحكم كوننا من طلبة الجامعة
الإسلاميَّة اكتفينا بأقلِّ الغنم ثمنًا ، ولما رآهما الشَّيخ دعا لنا بالبركة فيهما .

وفي موضع النَّحر دخلنا مع الشَّيخ وصهره والرَّجل المكِّي ،
وحدث أن شرد جمل بين الإبل كاد أن يصدمنا فتفرَّق النَّاس يمينًا وشمالاً ،
ولــمَّا رجعت إلى الشَّيخ أصابت ثيابي دماء النَّحر والذَّبح
فلمَّا رآني الشَّيخ تمثَّل لي بالمثل السُّوري :
" يلِّي بدو يلعب مع القط بدو يتحمل خراميشو "
وعند العودة إلى المخيَّم اغتنمت فرصة الانفراد بالشَّيخ ،
فأخبرته أنَّني أحبُّه في الله ، فردَّ عليَّ بما جاءت به السُّنَّة .

بنت الاسلام
06-04-2013, 12:28 PM
وفي اليوم ذاته أرسلت ابنة الشَّيخ وهي من أهل جدَّة – فيما أذكر –
كبد الشَّاة الَّتي ذبحها ، فأطعمنا منها بيده وشرب من مرقها وكان يحبُّه .

وفي أيَّام التَّشريق كان الشَّيخ يصلِّي بنا ويدرس بعد الفجر ،
ويبقى في درسه حتَّى يرى بعض الرُّؤوس تتطأطأ ، فهنا يوقف درسه
ويتَّجه إلى خيمته الخاصَّة ، وكنت أجلس بجانبه أستمع لدروسه وفوائده ،
ثمَّ بعد ذلك يُؤذن لنا بدخول الخيمة الخاصَّة أنا وأخي جمال
إذ أصبحنا من خاصَّته ، ويتوافد عليه الكثير ممَّن سمع بالشَّيخ من الدَّكاترة
والمشايخ وأهل العلم ، فكانت لقاءات ومناقشات داخل خيمته ولا يؤذن
إلاَّ للبعض ، أمَّا أنا وجمال فلم نكن نحتاج إلى إذن ،
خاصَّة أنَّنا بقينا مع الشَّيخ من اليوم الثَّامن ، فَعَرَفَنَا – جزاه الله خيرًا - ،
وعرفنا من كان يقوم على خدمته أمثال أبي ليلي الَّذي كان كالحاجب
إلاَّ أنَّه يُغلب على أمره من كثرة الزُّوار ، حتَّى قال له الشَّيخ مرَّةً :
إنَّا وضعناك حاجب النَّاس ، لكن لم تقدر على ذلك أو كلمةً نحوها ،
ويسأل أين الحاج من كثرة الزِّحام عليه فلا يكاد يتخلَّص منهم
إلاَّ بعد عناءٍ ومشقَّةٍ .

بل طلب منِّــي أبو ليلى مساعدته في خدمة الشَّيخ ، وكنت سعيدًا جدًّا بذلك ،
حيث جلست عن يسار الشَّيخ وأبو ليلى عن يمينه ،
فيقبض بيدي وأقبض بيده والشَّيخ متَّكئ على ساعدي وساعده ،
ويحدث النَّاس ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم ، فيبقى الوقت الطَّويل
على ذلك ، كنت أحسُّ بثقل في ساعدي ويدي لكن لم أتمكَّن من إظهار ذلك
احترامًا للشَّيخ وتقديرًا له .

ومرَّت الأيَّام الثَّلاثة على ذلك ، دروس بعد الفجر لأهل الحملة ،
حتَّى إذا شَعَرَ الشَّيخ أنَّ بتعب جلسائه وحاجتهم إلى النَّوم ،
استأذن ودخل خيمته ، فأفاد فيها من يأتيه من الزُّوَّار

وأذكر في هذه الأيَّام أنِّي رأيت عجبًا من حلم الشَّيخ وصبره ،
إذ أتاه رجل كبير السِّنِّ عليه مظاهر البداوة أمسك الشَّيخ من ثوبه ليسأله ،
فتلطَّف الشَّيخ معه وقال له : اصبر عليَّ فالله ابتلاك بي ،
ثمَّ أجابه عن سؤاله ، فذكَّرني بما كان عليه النَّبــي صلَّى الله عليه وسلَّم
من حلم وأناة وصبر على جفاة الأعراب.

فتلك المواقف لا يمكن للإنسان نسيانها ، بل ينسى نفسه ليبقى فترة أطول
يستفيد من علم الشَّيخ وسمته ، وهذا حصل لي ولأخي جمال ،
فلم نستطيع في تلك الأيَّام مغادرة المكان حتَّى لا يفوتنا شيء ،
فبقينا بإحرامنا ونحن حلال لِبُعْدِ المسافة الَّتي ظنَّ بعض من رآنا كذلك
أنَّ للشَّيخ فتوى في البقاء على الإحرام أيَّام التَّشريق ،
فبيَّنا لهم أن الأمر غير ذلك .

انتهت أيَّام التَّشريق فعاد الشَّيخ إلى بيت ابنته بجدَّة ،
فما كان منَّا إلاَّ أن طفنا طواف الوداع ، واتَّجهنا نحو جدَّة فالتقينا مرَّة أخرى
في المسجد ، فتعجَّب رحمه الله من صنيعنا وسلَّم علينا ودعا لنا جزاه الله
عنَّا وعن المسلمين خير الجزاء على ما قدَّم .

المصدر: العدد الواحد والثَّلاثون من مجلَّة الإصلاح السَّلفية – الجزائر