المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوائد تربوية من وصايا لقمان الحكيم


بنت الاسلام
06-09-2013, 11:40 PM
الأخ المهندس / إبراهيم حسن
فوائد تربوية من وصايا لقمان الحكيم


بقلم ا لأستاذة / سحر يسري

http://f1623.mail.vip.bf1.yahoo.com/ya/download?mid=2%5f0%5f0%5f1%5f24332663%5fAE4aDUwAAA ZdUbSTqwAAAGVnZgM&pid=5&fid=Inbox&inline=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)

لا يزال المربون يجدون في القرآن الكريم مرجعهم الأصيل،
الذي لا يتغير ولا يتبدل، ما تلوه آناء الليل وأطراف النهار،
باحثين في آياته الكريمة عن قواعد التربية السليمة في خضم مناهج
أرضية كثيرة تفتقر للشمول والتكامل والصلاحية لكل زمان ومكان.
ولقد تضمن القرآن الكريم مجموعة من الحوارات الراقية
بين الآباء والأولاد، وبين الأولاد والآباء، تحمل في طياتها حكمًا عظيمة
وأساليب مؤثرة في تربية الأولاد تربية صحيحة متوازنة،

ومن أبرز هذه الحوارات موعظة لقمان الحكيم لولده،
والتي تضمنت العديد من الفوائد والأصول التربوية التي يحتاج إليها
المربون، قال الله تعالى:

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ
وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ
أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ
وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ
ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ
أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }
[ لقمان: 12 – 19 ].

أعزائي المربين...
إن أول ما يطالعنا في هذه الآيات المباركات هو توثيق الله تعالى
للتعاليم التربوية الآتي ذكرها في السياق، وذلك بقوله تعالى:

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ }
فهذه الوصايا قد نالت التزكية من قبل الله تعالى،
وهي قبس من مشكاة الوحي المقدَّس؛ فهي تصلح إذن لأن تكون مرجعًا
تربويًا يستقي منه كل مربي إلى يوم القيامة.
وهذه باقة من أهم الفوائد من هذه الموعظة التربوية:

- التربية بأسلوب الموعظة:
وهو الأسلوب الذي استخدمه هذا المربي الحكيم،
وهو من أنفع الأساليب المؤثرة في المتربي، يقول ابن رجب الحنبلي:

( المواعظ سياط تضرب القلوب فتؤثر في القلوب كتأثير السياط في البدن
والضرب لا يؤثر بعد انقضائه كتأثر في حال وجوده لكن؛ يبقى أثر التأليم
بحسب قوته وضعفه فكلما قوي الضرب كانت مدة بقاء الألم أكثر )

وتعتمد الموعظة على جانبين:
الأول: تمييز الحق من الباطل، فيتأصل هذا التمايز في عقل الطفل ونفسه،
ويستطيع أن يفرق بينهما، ومن ثم تقل أخطاؤه.

والثاني: إثارة الوجدان، لأن النفس فيها استعداد للتأثر بما يُلقى إليها،
والموعظة تدفع الطفل إلى العمل المرغب فيه.

ومن شروط الموعظة المؤثرة:
أن يكون المربي مخلصًا في موعظته عاملًا بها قبل أن يسديها لطفله،
حتى يكون فعله مصدقًا لقوله؛ فإن لم يكن المربي عاملًا بموعظته
فلن تفتح لها القلوب،
وكذلك أن يخاطَب الطفل على قدر عقله والتلطف في مخاطبته
ليكون أدعى للقبول والرسوخ في نفسه، كما أنه يحسن اختيار الوقت
المناسب فيراعي حالة الطفل النفسية ووقت انشراح صدره وانفراده
عن الناس، وله أن يستغل وقت مرض الطفل؛ لأنه في تلك الحال
يجمع بين رقة القلب وصفاء الفطرة، وأما إلقاء الموعظة وقت لعبه
أو أمام الآخرين فلا يحقق الفائدة المرجوة.

كما أن الموعظة لابد أن تكون واضحة ومقنعة للطفل،
حيث نلاحظ أن سيدنا لقمان الحكيم لم ينه عن الشرك، لأنه شرك،
بل أوضح ما يقنع ابنه بأن الشرك أمر قبيح مكروه غيرمقبول،
لأنه ظلم عظيم، والفطرة السليمة تأبى الظلم والضيم،
وكذلك نهاه عن التكبُّر،ثم استعمل وسيلة الإقناع من خلال أن الله تعالى
لا يحب كل مختال فخور، بل إن كلإنسان عاقل لا يحب المختالين،
وهكذا في باقي الوصايا.

- تعظيم أمر العقيدة والبدء به:
بدأ لقمان الحكيم وصيته لابنه بقوله:

{ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ }
والسبب يعود إلى أن التوحيد هو أول واجب على المكلفين،
وبالتالي يكون أول واجب على الوالد، وولي الأمر هو غرس العقيدة
الصحيحة، فهي الأساس لبناءإيمان الطفل وتصوراته وأفكاره،
ثم إن لقمان الحكيم بدأ بالنهي عن الشرك ولم يبدأمعه بالأمر بالإيمان بالله
تعالى وذلك لأن الإيمان بالله تعالى متحقق لدى الأطفال بحكم الفطرة،
كما قال صلى الله عليه وسلم:

( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ )
[رواه البخاري].

- تربية الأبناء على مراقبة الله عز وجل:
التأكيد على غرس الخوف من الله تعالى وتعظيمه في قلوب المتربين،
واستشعار رقابته على الإنسان وعلمه بكل الخفايا مهما سترها العبد
فلا تخفى على الله تعالى فقال:

{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ
أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير ٌ}
[ لقمان: 16 ]
إن الذنوب مهما صغرت ومهما حاول صاحبها إخفاءها بكل الوسائل
الممكنة فإنها لا تخفى على الله تعالى،
وحينئذ كن يا بني على علم بأنالله يعلم كل تصرفاتك ويرى كل حركاتك
وسكناتك ويأتي بكل ذنوبك لتشهد عليك في يوم لاينفع مال ولا بنون،
وكذلك يأتي بكل أعمالك الصالحة فتشفع لك فتكون من الفائزين
فيذلك اليوم العظيم.

- التلطف مع الابن حال الموعظة:
ويبدو ذلك واضحًا من استخدام لقمان الحكيم للنداء: { يَا بُنَيَّ }،
وتكراره أكثر من مرة في سياق الموعظة، مما يدل أنه على المربي
أن يختار الألفاظ المحببة والمشوقة لدى المتربي،
وأن يشعره بأنه يحبه، وأنهلا ينصحه إلا من باب حبه الكثير،
وأنه حتى لو تشدد معه فهو كالطبيب المعالج الذيتقتضي مصلحة
مريضه أن يقوم باللازم، حيث استعمل القرآن الكريم في البداية لفظ
{ يَا بُنَيَّ } الذي كما يقول العلماء يدل على نداء المحبة والإشفاق
وأن تصغير بني للتحببولبيان زيادة الحب والعطف.

- تقديم البدائل المباحة في مقابل المحظورات:
عندما نهى لقمان الحكيم ولده عن الخلق الذميم من التكبر ونحوه
في قوله تعالى:

{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا }
رسم له الخلق الكريم فقال :

{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ }
فعلى المربي أن يوفر البدائل المقبولة في مقابل المنهيات المستهجنة،
ومنفضل الله تعالى أن في ديننا متسع، فالأصل في الأمور هو الإباحة
إلا ما ورد دليل بمنعه.

- تنشئة الطفل على الإيجابية :
وذلك من خلال تعويد الطفل في سنمبكرة على الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وهو الشعيرة من أهم مميزات الأمة الإسلامية
على مستوى الفرد والجماعة، قال تعالى:

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }
[آل عمران: 110]،
فالمسلم إيجابي فعَّال يغير الواقع من حوله للأفضل،
من خلال كونه هو في نفسه قدوة حسنة ونموذج يحتذى،
ثم من خلال تفاعله الإيجابي مع الأخطاء والمنكرات التي يقابلها
في المجتمع من حوله.ولا يخفى ما في التربية على هذه الشعيرة
من بناء الشخصية القوية القادرة على البيان والإفصاح عما تريد،
القادرة على مواجهة الأحداث بعيدًا عن السلبية والضعف.
ولأن هذه الشعيرة مقترنة بالابتلاء؛ قرنها لقمان الحكيم بالوصية بالصبر

{ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ }
[ النحل: 127 ]
مما يشير على التمهيد للأبناء وتربيتهم على تحمل المشاق والمشاكل
والمصائب والصبر على النوائب،
وعلى كل ما يصيب الإنسان بسبب الالتزام بدينه.

- شدة العناية بغرس القيم والأخلاق الاجتماعية:
والتي يحتاج إليها الأبناء في التعامل مع الناس وبالأخص قيم السلوك،
وفن التعامل مع الناس من التواضع وعدم التكبر،
والتوسط في الأصوات والمشي، إضافة على البدء بالوالدين
وفيه إشارة إلى ترتيب الناس في الإحسان إليهم،
وأن الأم ثم الأب يتصدرون القائمة في هذا الترتيب،
وتعليل ذلك بأنهم الأكثر إحسانًا على المرء، ورغم ذلك لا يطاوعهم الأبناء
إذا أمروهم بما يغضب اله عز وجل.

وأخيرًا عزيزي المربي:
إن هذه الآيات المباركة توقظ ضمائر الأبناء والآباء معًا،
وتعطي عملية التربية ذلك التفاعل اليقظ الواعي، فالتربية أمانة مفروضة
على الوالدين، شديدة الارتباط بالإيمان، قائمة على غرس العقيدة،
وأصول الضبط السلوكي الذي تنبني عليه الشخصية المسلمة الصالحة.