هيفولا
07-11-2010, 07:43 PM
تنبيه على عبارة :
"لا تقل:يارب عندي هَمّ كبير"
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم (http://www.midad.me/arts/author/110) بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على رسول الله و بعد :
عبارة قرأتها كثيرا في أكثر من منتدى ،
وفي أكثر من توقيع ،
ومرّت بي العِبَارة كثيرا !
إلاّ أنها استوقفتني مَرّة مِن الْمَرّات ،
فوقفتُ مُتأمِّلاً في قولهم :
لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير ،
ولكن قُل : يا هـمّ عندي ربّ كبير !
فتذّكَرتُ شَكوى نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام ، حينما بَثّ حُزنه وشكواه إلى الله ،
فقال :(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ).
قال ابن كثير في تفسير الآية
:(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي)
أي : هَمِّي وما أنا فيه (إِلَى اللَّهِ) وَحْدَه . اهـ .
وقال ابن عادل الحنبلي
: والبَثُّ : أشَدُّ الحزن ، كأنَّه لِقُوّته لا يُطاق حَمْله . اهـ .
وقال القاسمي :
أي : لا أشكو إلى أحدٍ منكم ومِن غيركم ،
إنما أشكو إلى ربي داعيًا له ، وملتجئا إليه ،
فَخَلّوني وشِكايتي .
(وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ) أي : لمن شكا إليه من إزالة الشكوى ،
ومَزِيد الرحمة :(مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
ما يُوجب حُسن الظن به ، وهو مع ظنّ عَبْدِه بِه . اهـ .
ووقفتُ مع شكوى الْمُجادِلَة ..(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)،
وفي بعض الآثار :
" قالت :أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي
ووحشتي وفِراق زوجي " .
فالْهَمّ العظيم لا يُشكَى إلاّ إلى الله ؛
لأنه لا يَكشفه إلاّ الله .
فَشَكوى الْهَـمّ إلى الله مشروعة ،
بل هي مطلوبة شرعا ..
واشتُهِر عن عليّ رضي الله عنه قوله
:أشكو إلى الله عُجَري وبُجَري.
قال الأصمعي : يعني همومي وأحزاني .
قال أبو إسحاق الشيرازي :
لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا
*** وَقمِتُّ أشكوا إلى مولاي ما أجـدُ
وقُلتُ يا أمَلـي فـي كـلِّ نائبـة
*** ومَن عليه لكشف الضُّـرِّ أعتمد
أشكو إليك أمـوراً أنـت تعلمهـا
*** ما لي على حملها صبرٌ ولا جلـدُ
وقد مدَدْتُ يدِي بالـذُّلِّ مبتهـلاً
*** أليك يا خير من مُـدَّتْ أليـه يـدُ
فـلا ترُدَّنهـا يـا ربِّ خائـبـةً
*** فبَحْرُ جودِكَ يروي كل مـنْ يَـرِد
ولا يعني هذا أن لا يُشكَى إلى غير الله ؛
لأن في الشكوى تخفيفا وتسلية ..
" وهذا ما لم يكن الـتَّشَكِّي على سَبيل الـتَّسَخُّط ،
والصبر والتجلّد في النوائب أحسن ،
والتعفف عن المسألة أفضل ،
وأحسن الكلام في الشكوى
سؤال المولى زوال البلوى "
كما قال القرطبي .
وربما شَكَا الصحابة الكرام رضي الله عنهم
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعض ما يَجِدون ..
قَال خَبَّاب بْن الأرَتّ رضي الله عنه
: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ..
رواه البخاري .
وقال رضي الله عنه :
شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
الصلاة في الرمضاء فَلَم يُشْكِنا
. رواه مسلم .
وفي المسْنَد :
قال الزبير بن عدي :
شَكونا إلى أنس بن مالك ما نلقى من الحجاج !
فقال : اصبروا فإنه لا يأتي عليكم عام - أو يوم -
إلاّ الذي بعده شرّ منه ، حتى تلقوا ربكم عز وجل .
سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم .
قال أبو طلحة رضي الله عنه :
شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع
.. رواه الترمذي .
وقال الحارث بن يزيد البكري :
خرجتُ أشكو العلاء بن الحضرمي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
.. رواه الإمام أحمد .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم
يشكو جارَه ... رواه أبو داود .
وعند البخاري
من حديث عَدِيّ بْن حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قال : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلانِ ؛ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَة
، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ ...
والعَيْلة : هي الفَقْر .
قال القرطبي في تفسيره :
فأما الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السَّفَه ، إ
لاَّ أن يكون على وَجه البثّ والـتَّسَلِّي . اهـ .
وعلى كُلّ فإن قولهم : " لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير ، ولكن قُل : يا هـمّ عندي ربّ كبير " ،
وإن كان ما قَصَدُوه وَاضِحًا ، إلاّ أنّ قولهم :
" لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير "
، مُتضمّن لِعدم شكوى الْهَمّ إلى الله
.. وهذا خِلاف المشروع
من شكوى الْهَمّ إلى الله الذي بِيدِه مفاتيح الفَرَج ..
وأنشد بعضهم :
إذا الحادثات بَلَغْنَ الْمَدَى *** وكادت تَذوب لَهُنّ الْمَهْج
وحَلّ البلاء وقَلّ العَزاء *** فعند التناهي يكون الفَرَج
و صلى الله على نبينا محمد
و الحمد لله رب العالمين
اختكم /هيفولا
"لا تقل:يارب عندي هَمّ كبير"
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم (http://www.midad.me/arts/author/110) بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و صلى الله و سلم و بارك على رسول الله و بعد :
عبارة قرأتها كثيرا في أكثر من منتدى ،
وفي أكثر من توقيع ،
ومرّت بي العِبَارة كثيرا !
إلاّ أنها استوقفتني مَرّة مِن الْمَرّات ،
فوقفتُ مُتأمِّلاً في قولهم :
لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير ،
ولكن قُل : يا هـمّ عندي ربّ كبير !
فتذّكَرتُ شَكوى نبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام ، حينما بَثّ حُزنه وشكواه إلى الله ،
فقال :(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ).
قال ابن كثير في تفسير الآية
:(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي)
أي : هَمِّي وما أنا فيه (إِلَى اللَّهِ) وَحْدَه . اهـ .
وقال ابن عادل الحنبلي
: والبَثُّ : أشَدُّ الحزن ، كأنَّه لِقُوّته لا يُطاق حَمْله . اهـ .
وقال القاسمي :
أي : لا أشكو إلى أحدٍ منكم ومِن غيركم ،
إنما أشكو إلى ربي داعيًا له ، وملتجئا إليه ،
فَخَلّوني وشِكايتي .
(وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ) أي : لمن شكا إليه من إزالة الشكوى ،
ومَزِيد الرحمة :(مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
ما يُوجب حُسن الظن به ، وهو مع ظنّ عَبْدِه بِه . اهـ .
ووقفتُ مع شكوى الْمُجادِلَة ..(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)،
وفي بعض الآثار :
" قالت :أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي
ووحشتي وفِراق زوجي " .
فالْهَمّ العظيم لا يُشكَى إلاّ إلى الله ؛
لأنه لا يَكشفه إلاّ الله .
فَشَكوى الْهَـمّ إلى الله مشروعة ،
بل هي مطلوبة شرعا ..
واشتُهِر عن عليّ رضي الله عنه قوله
:أشكو إلى الله عُجَري وبُجَري.
قال الأصمعي : يعني همومي وأحزاني .
قال أبو إسحاق الشيرازي :
لبِستُ ثوب الرَّجا والناس قد رقدوا
*** وَقمِتُّ أشكوا إلى مولاي ما أجـدُ
وقُلتُ يا أمَلـي فـي كـلِّ نائبـة
*** ومَن عليه لكشف الضُّـرِّ أعتمد
أشكو إليك أمـوراً أنـت تعلمهـا
*** ما لي على حملها صبرٌ ولا جلـدُ
وقد مدَدْتُ يدِي بالـذُّلِّ مبتهـلاً
*** أليك يا خير من مُـدَّتْ أليـه يـدُ
فـلا ترُدَّنهـا يـا ربِّ خائـبـةً
*** فبَحْرُ جودِكَ يروي كل مـنْ يَـرِد
ولا يعني هذا أن لا يُشكَى إلى غير الله ؛
لأن في الشكوى تخفيفا وتسلية ..
" وهذا ما لم يكن الـتَّشَكِّي على سَبيل الـتَّسَخُّط ،
والصبر والتجلّد في النوائب أحسن ،
والتعفف عن المسألة أفضل ،
وأحسن الكلام في الشكوى
سؤال المولى زوال البلوى "
كما قال القرطبي .
وربما شَكَا الصحابة الكرام رضي الله عنهم
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعض ما يَجِدون ..
قَال خَبَّاب بْن الأرَتّ رضي الله عنه
: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ..
رواه البخاري .
وقال رضي الله عنه :
شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
الصلاة في الرمضاء فَلَم يُشْكِنا
. رواه مسلم .
وفي المسْنَد :
قال الزبير بن عدي :
شَكونا إلى أنس بن مالك ما نلقى من الحجاج !
فقال : اصبروا فإنه لا يأتي عليكم عام - أو يوم -
إلاّ الذي بعده شرّ منه ، حتى تلقوا ربكم عز وجل .
سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم .
قال أبو طلحة رضي الله عنه :
شَكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع
.. رواه الترمذي .
وقال الحارث بن يزيد البكري :
خرجتُ أشكو العلاء بن الحضرمي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
.. رواه الإمام أحمد .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه
قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم
يشكو جارَه ... رواه أبو داود .
وعند البخاري
من حديث عَدِيّ بْن حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قال : كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلانِ ؛ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَة
، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ ...
والعَيْلة : هي الفَقْر .
قال القرطبي في تفسيره :
فأما الشكوى على غير مُشْكٍ فهو السَّفَه ، إ
لاَّ أن يكون على وَجه البثّ والـتَّسَلِّي . اهـ .
وعلى كُلّ فإن قولهم : " لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير ، ولكن قُل : يا هـمّ عندي ربّ كبير " ،
وإن كان ما قَصَدُوه وَاضِحًا ، إلاّ أنّ قولهم :
" لا تَقُل : يا رب عندي هَـمّ كبير "
، مُتضمّن لِعدم شكوى الْهَمّ إلى الله
.. وهذا خِلاف المشروع
من شكوى الْهَمّ إلى الله الذي بِيدِه مفاتيح الفَرَج ..
وأنشد بعضهم :
إذا الحادثات بَلَغْنَ الْمَدَى *** وكادت تَذوب لَهُنّ الْمَهْج
وحَلّ البلاء وقَلّ العَزاء *** فعند التناهي يكون الفَرَج
و صلى الله على نبينا محمد
و الحمد لله رب العالمين
اختكم /هيفولا