vip_vip
07-14-2010, 11:29 PM
(هذا الذي ينفعك.. يا ابنتي )
بقلم : د . جاسم المطوع
منذ ثمانين عاماً بدأ حياته في مدينة جدة ، يعمل في فرن
يملكه لبيع الخبز (الصمّون) ويسمونه صامولي ، وكان الذي
يُميزه بالعمل أن الأفران كلها عندما تعجن العجينة يدعسونها
بأرجلهم! إلا أنه تميز عليهم بإحضار آلة العجين من إيطاليا ،
فكان إنتاجه نظيفاً ، بالإضافة إلى أنه أولُ من صنع الخبر
على شكل (صمون خبز طويل) ، وكثُر الناس عند فرنه ،
فحسده من حوله ومن نافسه ، فوَشَوا عنه بأنه يضع الخمر
بالعجين ليكون خبزه طيباً وحلواً ، إلا أنه اشتكى للأمير فيصل
وقتها ، وكان يعرفه جيداً ، فقال : (من آذى فلان فقد آذاني
)، وانتشر صيته وعمله وكثر ماله ، إلا أن البركة جاءت له
من حبه للخير والتيسير على المشترين .
تقول لي ابنته وهي تروي عن والدها ـ والذي يناهز المائة عام
الآن شفاه الله ـ قصصاً كثيرة في حب هذا التاجر للخير والفقراء
، منها أنه أوصى عماله بالفرن بأنهم لا يطلبون من المشترين
للخبز المالَ ، فإن أعطاهم المشتري المالَ أخذوه ، وإنْ لم يُعطهم
لا يسألوه ، وسأله العمّال : لماذا نفعل ذلك ؟ فرد عليهم :
لأنَّ فيهم الفقير وابنَ المطلقة والأرملة ، وهؤلاء ليس عندهم
المال .
كما كان فرنه وقتَ الحج تقفُ عنده القوافل ليزودها من غير ثمن
، ويقول: هؤلاء جاؤوا للحج والعمرة، وهم بضيافتنا ، فيكرمهم
ويعطيهم الخبز والشاي ، وتزداد ثروته يوماً بعد يوم ، وكلما
ازدادت اشترى عقاراً وأرضاً حتى أغناه الله تعالى ، وكان ينفق
على والده ويكرمه ويعطيه.
وعلى الرغم من كثرة ثروته إلا أنه ربَّى أولاده على العمل وعدم
الكسل ، فإن ابنته ـ والتي تروي هذه الرواية ـ لديها موهبة
عندما كانت صغيرة ، تعمل فيها حتى الفجر ، وكلما قام والدها
للصلاة يراها سهرانة من أجل موهبتها ، فكان يردد عليها كل
يوم: (هذا الذي ينفعك ) ، وتقول هي: وما كنت أشعر بقيمة
كلامه ، ونحن نعيش في رخاء ، إلى أن كبرتُ وشاركتُ في
مسابقات دولية بعملي ، وأخذتُ أربع جوائز عالمية ، وشعرتُ
بعدها أن المال ليس هو كل شيء ، وأنَّ كلمة والدي صحيحة
(هذا الذي ينفعك).
ومن عجيبِ ما قالت أنه ـ ومنذ 10 سنوات ـ أُصيب والدها بجلطة
، وأصبح طريح الفراش ، وقال أبنائه لأمهم: إذا أردتِ أن نحضر
له أحسنَ ممرض أو ممرضة ، يمرّضونه ويعتنون به ، فأبَتْ
ذلك! وهي تحضر له الطعام وتطعمه ، وأولاده ينظفونه ويقلّبونه
على الفراش ، منذ عشر سنوات وحتى لحظة كتابة هذا المقال ،
وقد ابتكرت الأم خلطةً خاصةً للأعشاب ، تداوي فيها التقرحات
التي في جسده ؛ بسبب طول مُكْثِه بالفراش وعدم حركته
.
نعم ، إنَّ الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ـ
كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم ـ، ومَنْ يسَّر على الناس
يسَّر اللهُ عليه ، ومَنْ خدم ضيوف الرحمن أكرمه الله تعالى ، وكل
هذه المعاني عشناها في هذه القصة ، ونحن ندعو لصاحبنا هذا
ونقول له وهو على فراشه: شفاك الله ، وكلُّ ما عملته من خيرٍ
فهو (هذا الذي ينفعك ) .
--
د.جاسم محمد المطوع
dr.jasem almutawa
بقلم : د . جاسم المطوع
منذ ثمانين عاماً بدأ حياته في مدينة جدة ، يعمل في فرن
يملكه لبيع الخبز (الصمّون) ويسمونه صامولي ، وكان الذي
يُميزه بالعمل أن الأفران كلها عندما تعجن العجينة يدعسونها
بأرجلهم! إلا أنه تميز عليهم بإحضار آلة العجين من إيطاليا ،
فكان إنتاجه نظيفاً ، بالإضافة إلى أنه أولُ من صنع الخبر
على شكل (صمون خبز طويل) ، وكثُر الناس عند فرنه ،
فحسده من حوله ومن نافسه ، فوَشَوا عنه بأنه يضع الخمر
بالعجين ليكون خبزه طيباً وحلواً ، إلا أنه اشتكى للأمير فيصل
وقتها ، وكان يعرفه جيداً ، فقال : (من آذى فلان فقد آذاني
)، وانتشر صيته وعمله وكثر ماله ، إلا أن البركة جاءت له
من حبه للخير والتيسير على المشترين .
تقول لي ابنته وهي تروي عن والدها ـ والذي يناهز المائة عام
الآن شفاه الله ـ قصصاً كثيرة في حب هذا التاجر للخير والفقراء
، منها أنه أوصى عماله بالفرن بأنهم لا يطلبون من المشترين
للخبز المالَ ، فإن أعطاهم المشتري المالَ أخذوه ، وإنْ لم يُعطهم
لا يسألوه ، وسأله العمّال : لماذا نفعل ذلك ؟ فرد عليهم :
لأنَّ فيهم الفقير وابنَ المطلقة والأرملة ، وهؤلاء ليس عندهم
المال .
كما كان فرنه وقتَ الحج تقفُ عنده القوافل ليزودها من غير ثمن
، ويقول: هؤلاء جاؤوا للحج والعمرة، وهم بضيافتنا ، فيكرمهم
ويعطيهم الخبز والشاي ، وتزداد ثروته يوماً بعد يوم ، وكلما
ازدادت اشترى عقاراً وأرضاً حتى أغناه الله تعالى ، وكان ينفق
على والده ويكرمه ويعطيه.
وعلى الرغم من كثرة ثروته إلا أنه ربَّى أولاده على العمل وعدم
الكسل ، فإن ابنته ـ والتي تروي هذه الرواية ـ لديها موهبة
عندما كانت صغيرة ، تعمل فيها حتى الفجر ، وكلما قام والدها
للصلاة يراها سهرانة من أجل موهبتها ، فكان يردد عليها كل
يوم: (هذا الذي ينفعك ) ، وتقول هي: وما كنت أشعر بقيمة
كلامه ، ونحن نعيش في رخاء ، إلى أن كبرتُ وشاركتُ في
مسابقات دولية بعملي ، وأخذتُ أربع جوائز عالمية ، وشعرتُ
بعدها أن المال ليس هو كل شيء ، وأنَّ كلمة والدي صحيحة
(هذا الذي ينفعك).
ومن عجيبِ ما قالت أنه ـ ومنذ 10 سنوات ـ أُصيب والدها بجلطة
، وأصبح طريح الفراش ، وقال أبنائه لأمهم: إذا أردتِ أن نحضر
له أحسنَ ممرض أو ممرضة ، يمرّضونه ويعتنون به ، فأبَتْ
ذلك! وهي تحضر له الطعام وتطعمه ، وأولاده ينظفونه ويقلّبونه
على الفراش ، منذ عشر سنوات وحتى لحظة كتابة هذا المقال ،
وقد ابتكرت الأم خلطةً خاصةً للأعشاب ، تداوي فيها التقرحات
التي في جسده ؛ بسبب طول مُكْثِه بالفراش وعدم حركته
.
نعم ، إنَّ الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ـ
كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم ـ، ومَنْ يسَّر على الناس
يسَّر اللهُ عليه ، ومَنْ خدم ضيوف الرحمن أكرمه الله تعالى ، وكل
هذه المعاني عشناها في هذه القصة ، ونحن ندعو لصاحبنا هذا
ونقول له وهو على فراشه: شفاك الله ، وكلُّ ما عملته من خيرٍ
فهو (هذا الذي ينفعك ) .
--
د.جاسم محمد المطوع
dr.jasem almutawa