تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حب الرئاسة


adnan
09-26-2013, 09:40 PM
حب الرئاسة
من علامات القلب المريض
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14159e696d33cd3f&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1

وهي شهوة مرتبطة ارتباطا وثيقا بحب الظهور ، وهي التي حذر منها
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :

( إنكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة
يوم القيامة فنعم المرضعة وبئس الفاطمة )

وقوله : « نعم المرضعة »
وذلك أولها لأن معها المال والجاه والسلطة

وقوله : « بئس الفاطمة »
أي : آخرها لأن معه القتل والعزل في الدنيا والحسرة والتبعات يوم
القيامة ،
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم عواقب الرئاسة
ومراحلها الثلاث في قوله :


( إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي : أولها ملامة ،
وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل )

والرئاسة التي نقصدها هنا ليست دنيوية فحسب بل قد تكون دينية كذلك
لمن يتبوأ مراكز الإرشاد والتوجيه والنصح والتربية ، ولو كان يدفع إلى
التطلع للرئاسة
القيام بالواجب وتحمل التبعة الثقيلة في وقت لا يسد الثغرة فيه من هو
أفضل بذلا وعملا لكان الأمر محمودا ،

أما إذا كان الدافع :
رغبة جامحة في الزعامة ونفرة من قبول التوجيه من غيره واستئثار
بمركز الأمر والنهي ؛ فيا خطورة ما أصاب من مرض.وقد رفض رسول
الله صلى الله عليه وسلم إسلام من ابتلي بهذا المرض وردَّه ولم يقبله ،
واسمعوا ما رواه الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بني عامر
بن صعصعة فدعاهم إلى الله ، وعرض عليهم نفسه ، فقال له رجل منهم
يقال له بحيرة بن فراس : والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت
به العرب ، ثم قال له : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله
على من يخالفك ؛ أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال :

( الأمر لله يضعه حيث يشاء )

قال : فقال له :

( أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله
كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بك )

بل قال صلى الله عليه وسلم لرجلين سألاه الإمارة :

( إنا لا نولّي هذا مَنْ سأله ، ولا من حرص عليه )

يسن بذلك أحد قوانين الإدارة الإيمانية ويميِّزها عن إدارة اليوم الحديثة ،
ويمدح صلى الله عليه وسلم هذا الصنف من الدعاة ، الذين ليس يعنيهم
ويشغل فكرهم سوى رضا الله سبحانه وتعالى بارزين كانوا أو مستترين ،
في المقدمة أو في المؤخِّرة ،
وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم :

( طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه ،
مغبرة قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ،
وإن كان في الساقة كان في الساقة ، إن استأذن لم يؤذن له
وإن شفع لم يُشفَّع )

وتأمل أنه ذكر هنا الساقة والحراسة وكلاهما ليس من أماكن الصدارة
أو مراكز القيادة ، فكأنه أراد ترسيخ معنى الجندية ومعالجة حب الرئاسة
في قلوب السامعين معالجة جذرية ، فلا يذكر الرئاسة ولو بكلمة
لتغيب حتى حروفها عن عينك وتتوارى عن قلبك.

يا ذئاب!!

قال النبي صلى الله عليه وسلم :

( ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ بأفسد لها
من حرص المرء على المال والشرف لدينه )

والذئبان الجائعان هما :
الحرص على المال والحرص على الشرف ، وإذا أُرسِلت الذئب في الغنم
فماذا تفعل؟! فكذلك يفعل الحرص على المال والحرص على الجاه
والشرف في الدين ، إنها تلتهم دين المرء وتفترس إيمانه.

قال ابن رجب :
" فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حرص المرء على المال والشرف
إفساد لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذه الغنم ، بل إما أن يكون
مساويا وإما أكثر ، يشير أنه لا يسلم من دين المسلم مع حرصه على
المال والشرف في الدنيا إلا القليل ، كما أنه لا يسلم من الغنم مع إفساد
الذئبين المذكورين فيها إلا القليل ، فهذا المثل العظيم يتضمن غاية
التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا " .

وحب الرئاسة والسعي لها شهوة خفية في النفس ، وكثير من الناس
قد يزهد في الطعام والشراب والثياب لكن الزهد في الرئاسة عنده نجم
سماوي لا يُدرك.

قال سفيان الثوري رحمه الله :
" ما رأيت زهدا في شيء أقل منه في الرئاسة ، ترى الرجل يزهد في
المطعم والمشرب والمال والثياب فإن نوزع الرئاسة تحامى عليها وعادى "

وقال يوسف بن أسباط :
" الزهد في الرئاسة أشد من الزهد في الدنيا " ،

ولذلك كان السلف رحمهم الله يحذرون من يحبون منها ،

فقد كتب سفيان إلى صاحبه عباد بن عباد رسالة فيها :
" إياك وحب الرئاسة ، فإن الرجل تكون الرياسة أحب إليه من الذهب
والفضة وهو باب غامض لا يبصره إلا البصير من العلماء السماسرة ،
فتفقَّد نفسك واعمل بنية ".

واتهم أيوب السختياني كل محب للرئاسة بالكذب فقال :
" ما صدق عبد قط فأحب الشهرة "

ونفى عنه التقوى بشر بن الحارث فقال :
" ما اتقى الله من أحب الشهرة "

ووصفه بعدم الفلاح يحيى بن معاذ حين قال :
" لا يفلح من شممت منه رائحة الرياسة ".

وما أحسن وصف شدّاد بن أوس رضي الله عنه
لحب الرئاسة بالشهوة الخفية حين قال محذرا :
يا بقايا العرب ... إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء ، والشهوة الخفية.
قيل لأبي داود السجستاني : ما الشهوة الخفية؟ قال : حب الرئاسة.

قال ابن تيمية معقبا :
" فهي خفية ، تخفى عن الناس ، وكثيرا ما تخفى على صاحبها " .

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14159e696d33cd3f&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1

أمارة حب الإمارة
لكنها وإن كانت خفية ، ومهما توارت وأتقنت فن التستر والهرب ،
فقد أذن الله لنا أن نفضحها عن طريق علاماتها حتى لا يعود لمبتلى
عذر في ترك التداوي وهجر التسامي ،

ومن العلامات :
ما ذكره الفضيل بن عياض :
" ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى ، وتتبع عيوب الناس ،
وكره أن يُذكر أحد بخير " .

adnan
09-26-2013, 09:41 PM
فمن علاماتها إذن
حب ذكر الغير بالنقائص والعيوب ،

وكراهة أن يُذكر أحد عنده بخير ،

بل وانتقاص الآخرين ليرفع نفسه ،

فلا يدل على من هو أفضل منه في الدين أو العلم ،
بل ويحجب فضائل الآخرين ويكتم أخبارهم خشية أن يستدل الناس عليهم
فيتركوه ويذهبوا إلى غيره ، أو يقارنوا بينه وبين من هو خير منه
فينفضوا عنه.

الحسرة إذا زالت أو سُلِبت منه الرئاسة ،

وتأمل لو أن عالما تصدَّر مجلس علم مثلا ، فالتف الناس حوله ، ثم جاء
من هو أعلم منه فقدَّمه الناس عليه وانقطعوا إليه ، فهل يفرح هذا العالم
أو يحزن؟ هل يفرح لأنه قد جاء من هو أعلم منه يحمل عنه المسئولية
ويرفع عنه التبعة ويفيد الناس أكثر منه ؛ أم يحزن ويغتم لأنه قد جاء
من خطف منه الأضواء وصيحات الإعجاب؟! بهذا تفضح قلبك أيها
الداعية إذا خشيت مرضه وأردت شفاءه.

قال ابن الجوزي :
" وقد يكون الواعظ صادقا قاصدا للنصيحة إلا أن منهم من شرب الرئاسة
في قلبه مع الزمان فيحب أن يُعظَّم ، وعلامته : أنه إذا ظهر واعظ ينوب
عنه أو يعينه على الخلق كره ذلك ، ولو صحَّ قصده لم يكره أن يعينه
على خلائق الخلق " .

وقال كذلك :
" ومنهم من يفرح بكثرة الأتباع ، ويلبِّس عليه إبليس بأن هذا
الفرح لكثرة طلاب العلم ، وإنما مراده كثرة الأصحاب " .

إنها مجالس السوء وإن كان ظاهرها الخير ، وأماكن الفتنة
وإن رُفِعت عليها رايات الهدى ، ووسائل الهلاك وإن صُنِعت للنجاة!!

كم شارب عسلا فيه منِيته وكم تقلَّد سيفا من به ذُبِحا

وتستطيع أخي الداعية أن تُجري اختبارا واحدا يكشف لك حقيقة
مجالسك على الفور ، وذلك على طريقة ابتكرها
عبد الرحمن بن مهدي وهي كما يلي :

عن عبد الرحمن بن مهدي قال :
" كنتُ أجلس يوم الجمعة فإذا كثر الناس فرحت ، وإذا قلوا حزنت ،
فسألت بشر بن منصور فقال : هذا مجلس سوء فلا تعُد إليه ،
فما عدتُ إليه " .

حسرة قلبه إذا منع من الظهور وفاتته فرصة إبداء إمكاناته واستعراض
قدراته ، وبالحلو تُعرف المرارة ، وبالضد تتميز الأشياء لذا فاسمعوا
ما فعل المحدِّث الرباني شيخ نيسابور أبي عمرو إسماعيل بن نجيد
فيما قصَّه الإمام الذهبي :
" ومن محاسنه أن شيخه الزاهد أبا عثمان الحيري طلب في مجلسه مالا
لبعض الثغور فتأخَّر ، فتألم وبكى على رؤوس الناس ، فجاءه ابن نجيد
بألفي درهم فدعا له ، ثم إنه نوَّه به ، وقال : قد رجوت لأبي عمرو بما
فعل ، فإنه قد ناب عن الجماعة ، وحمل كذا وكذا ، فقام ابن نجيد وقال :
لكن إنما حملت من مال أمي وهي كارهة فينبغي أن ترده لترضى ،
فأمر أبو عثمان بالكيس فرد إليه ، فلما جنّ الليل جاء بالكيس والتمس
من الشيخ ستر ذلك ، فبكى وكان بعد ذلك يقول : أنا أخشى من همة أبي عمرو " .

إضفاء هالات الأهمية الزائفة كادعاء المواعيد الكاذبة والانشغالات
التافهة ، ليوقع في روع الناس علو قدره وارتفاع منزلته وتهافت الناس عليه
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( المتشبِّع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور )

قال ابن حجر :
" المتشبِّع أي المتشبِّه بالشبعان وليس به شبع ، واستعير للتحلي بفضيلة
لم يرزقها ، وشُبِّه بلابس ثوبي زور ؛ أي ذي زور ، وهو الذي يتزيا بزي
أهل الصلاح رياء ، وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين ، وأراد
بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما
واتزر بالآخر كما قيل : إذا هو بالمجد ارتدى وتأزَّرا ، فالاشارة بالإزار
والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه ، ويحتمل أن تكون
التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان :
فقدان ما يتشبع به ، وإظهار الباطل " .

عدم المشاركة بفاعلية عندما يكون مرؤوسا ، بل والتهرب من التكاليف
حين لا يكون هناك فرصة للبروز ، واشتعال قلبه حماسة ونشاطا
عندما يكون رأس الأمر وقائده.

كثرة نقده لغيره بسبب وبغير سبب ، ومحاولة التقليل من أهمية مقترحات
الغير ومبادراتهم مع عدم تقديم البديل ، والعمل على إخفاق ما لم يشارك فيه.

الإصرار على رأيه وصعوبة التنازل عنه ، وإن ظهرت أدلة
بطلانه ورجحان غيره.

سبب هذا المرض
السبب الرئيس :
عدم تقدير عواقب التقصير في الآخرة ،
وقد قال صلى الله عليه وسلم :

( ما من رجلٍ يلي أمر عشرةٍ فما فوق ذلك، إلا أتى الله مغلولاً
يده إلى عنقه ، فكه بره أو أوثقه إثمه ، أولها ملامة
، وأوسطها ندامة ، وآخرها خزي يوم القيامة )

ألا فانتبه يا طالب العلم وأنت تعلِّم الناشئة ، وانتبه أيها المربي حين تربِّي
من حولك ، وتعلَّم من سعد بن أبي وقاص صلى الله عليه وسلم ،
وكيف حثَّنا على الزهد في الرئاسة بلسان حاله مما أغنانا عن آلاف
الخطب والصفحات ،

فعن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال :
كان سعد في إبلٍ له وغنم فأتاه ابنه عمر بن سعد ، فلما رآه قال :
أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فلما أتاه قال : يا أبت! أرضيتَ أن تكون
أعرابيا في غنمك والناس يتنازعون في الملك بالمدينة ؟! فضرب
سعدٌ صدر عمر وقال :
اسكت فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

( إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14159e696d33cd3f&attid=0.6&disp=emb&zw&atsh=1

وتأمَّل أيضا كيف كان هروب العلماء من مسئولية القضاء ، والقضاء
منصب وسلطة ومكانة وأبهة ، وقد كان القاضي من أعظم الناس مكانة
في زمانه ، وكلمته مسموعة لا ترد ؛ ومع ذلك كان الصالحون يهربون
من القضاء ويُضربون عنه ولا يتولونه ، بل ويسجنون ولا يرضونه ،
مع أنهم أهل له ، وذلك لخوفهم من تبعات الأمر ، وكيف لا وقد سمعوا
قول النبي صلى الله عليه وسلم ينذر :

( قاضيان في النار ، وقاض في الجنة )

وكيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يحذِّر :

( من أتى أبواب السلطان افتُتِن )

وكثرة من قضاة اليوم والعلماء على باب السلطان وقوف ، وعلى رضاه
حريصون ، ولا يحسون بالكارثة!!

التوازن المفقود
التوازن المنشود بين كراهية الشهرة ووجوب قيادة جموع الأمة ،
فإننا نريد لجموع الصالحين أن تبرز في الوقت الذي توارت فيه الكفايات
وبرزت فيه الرويبضات ، وأن تفخر بعملها الصالح قائلة :
هلم إلينا أيها الناس ، وذلك في الوقت الذي تبارت رموز الشر في الدعوة
إلى باطلها ، وتنافست في طمس فطرة الناس ببث سمومها وشرورها ،
لذا كان لابد للطيِّب أن يدافع الخبيث ويزاحمه حتى يبث الخير إلى محيط
الناس الملوَّث ، وعلى كل واحد أن يتفرَّس في نفسه اليوم ، ويرى هل فيه
من علامات حب الرئاسة شيء ، ويعيد تقييم نفسه باستمرار وعلى مرور
الأشهر والأعوام ، فإن البداية قد تكون صحيحة ويتسلل الخطأ بعد ذلك ،
والنية قد تبدأ خالصة حتى تتسرَّب إليها جرثومة رياء ،
لذا وجب التنبه والمراقبة.

منقول