المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : براهين المعاد في القرآن


adnan
10-21-2013, 09:41 PM
الأخت / المـلكــة نــور



الفوائد لابن القيم - [3]

براهين المعاد في القرآن مبنيّة على أصول ثلاث

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=141daf605a58fd48&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)



للإمام الجليل شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب

الزرعي المعروف بابن القيّم .



تحقيق ماهر منصور عبد الرزاق كمال علي الجمل

مدرّس الحديث وعلومه ومدرّس الحديث المساعد جامعة الأزهر .

براهين المعاد في القرآن مبنيّة على أصول ثلاث [3] :



( أحدها ) : تقرير كمال علم الرب سبحانه



كما قال في جواب من قال :



{ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78}

قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }

[ يس : 78 – 79 ]



وقال :



{ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ{85}

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ }

[ الحجر : 85 – 86 ]



وقال :



{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ }

[ ق : 4 ]



( والثاني ) : تقرير كمال قدرته



كقوله :



{ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم }

[ يس : 81 ]



وقوله :



{ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ }

[ القيامة : 4 ]



وقوله :



{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ

وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

[ الحج : 6 ]



ويجمع سبحانه بين الأمرين



كما في قوله :



{ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ

بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ }

[ يس : 81 ]



( والثالث ) : كمال حكمته



كقوله :



{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ }

[ الانبياء : 16 ]



وقوله :



{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا }

[ ص : 27 ]



وقوله:



{ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى }

[ القيامة : 36 ]



وقوله :



{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا

وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {115} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ }

[ المؤمنون : 115 – 116 ]



وقوله :



{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ

أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }

[ الجاثية : 21 ]



ولهذا كان الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع ,

وأن كمال الرب تعالى وكمال أسمائه وصفاته تقتضيه وتوجبه ,

وأنه منزّه عمّا يقوله منكروه كما ينزه كماله عن سائر العيوب والنواقص .

ثم أخبر سبحانه أن المنكرين لذلك لمّا كذبوا بالحق اختلط عليهم أمرهم



{ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ }

[ ق : 5 ]



مختلط لا يحصلون منه على شيء .

ثم دعاهم إلى النظر في العالم العلوي وبنائه وارتفاعه واستوائه

وحسنه والتئامه , ثم إلى العالم السفلي وهو الأرض ,

وكيف بسطها وهيّأها بالبسط لما يراد منها وثبّتها بالجبال

وأودع فيها المنافع وأنبت فيها من كل صنف حسن

من أصناف النبات على اختلاف أشكاله وألوانه مقاديره ومنافعه وصفاته ,

وأن ذلك تبصرة إذا تأمّلها العبد المنيب وتبصّر بها تذكر ما دلت عليه

مما أخبرت به الرسل من التوحيد والمعاد , فالناظر فيها يتبصّر أولا ,

ثم يتذكر ثانياً , وأن هذا لا يحصل إلا لعبد منيب إلى الله بقلبه وجوارحه .

ثم دعاهم إلى التفكّر في مادة أرزاقهم وأقواتهم وملابسهم ومركبهم وجناتهم

وهو الماء الذي أنزله من السماء وبارك فيه,

حتى أنبتت به جنّات مختلفة الثمار والفواكه,

ما بين أبيض وأسود وأحمر وأصفر وحلو وحامض ,

وبين ذلك مع اختلاف منافعها وتنوّع أجناسها ,

وأنبتت به الحبوب كلها على تنوعها واختلاف منافعها وصفاتها وأشكالها

ومقاديرها . ثم أفرد النخل لما فيه من موضع العبرة

adnan
10-21-2013, 09:43 PM
والدلالة التي لا تخفى على المتأمل :



{ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }

[ البقرة : 164 ]



ثم قال :



{ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ }

[ ق :11 ]



أي مثل هذا الإخراج من الأرض الفواكه والثمار والأقوات والحبوب ,

خروجكم من الأرض بعد ما غيّبتم فيها .

وقد ذكرنا هذا القياس وأمثاله من المقاييس الواقعة في القرآن

في كتابنا " المعالم " أنظر أعلام الموقعين عن رب العالمين .

بيّنا ما فيها من الأسرار و العبر .

ثم انتقل سبحانه إلى تقرير النبوّة بأحسن تقرير, وأوجز لفظ ,

وأبعده عن كل شبهة وشك , فأخبر أنه أرسل إلى قوم نوح وعاد وثمود

وقوم لوط وقوم فرعون رسلا فكذّبوهم , فأهلكهم بأنواع الهلاك ,

وصدق فيهم وعيده الذي أوعدتهم به رسله أن لم يؤمنوا ,

وذا تقرير لنبوّة من أخبر بذلك عنهم ,

من غير أن يتعلّم من معلّم ولا قرأه في كتاب ,

بل أخبر به إخبارا مفصّلا مطابقا لما عند أهل الكتاب .

ولا يرد على هذا إلا سؤال البهت والمكابرة على جحد الضروريات ,

بأنه لم يكن شيء من ذلك ,

أو أن حوادث الدهر ونكباته أصابتهم كما أصابت غيرهم ,

وصاحب هذا السؤال يعلمن نفسه أنه باهت مباهت جاحد لما شهد به العيان,

وتناقلته القرون قرنا بعد قرن ,

فإنكاره بمنزلة إنكار وجود المشهورين من الملوك والعلماء والبلاد النائية .



ثم عاد سبحانه إلى إقرار المعاد بقوله :



{ أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ }

[ ق : 15 ]



يقال لكل من عجز عن شيء : عيي به فلان بهذا الأمر .



قال الشاعر :



عيوا بأمرهم *** كما عيت ببيضتها الحمامة



ومنه قوله تعالى :



{ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ }

[ الأحقاف : 33 ]



قال ابن عبّاس :



[ يريد أفعجزنا , وكذلك قال مقاتل ]



قلت : هذا تفسير بلازم اللفظة , وحقيقتها أعم من ذلك ,

فان العرب تقول : أعياني أن أعرف كذا , وعييت به إذا لم تهتد لوجهه ,

ولم تقدر على معرفته وتحصيله .
فتقول : أعياني دواؤك إذا لم تهتد له, ولم تقف عليه .
ولازم هذا المعنى العجز عنه . والبيت الذي استشهدوا به شاهد لهذا المعنى ,

فان الحمامة لم تعجز عن بيضتها ,
ولكن أعياها إذا أرادت أن تبيض أين ترمي بالبيضة ,
فهي تدور و تجول حتى ترمي بها ,
فإذا باضت أعياها أين تحفظها وتودعها حتى لا تنال ,
فهي تنقلها من مكان الى مكان وتحار أين تجعل مقرّها ,
كما هو حال من وعى بأمره فلم يدر من أين يقصد له و من أين يأتيه ,
وليس المراد بالإعياء في هذه الآية التعب ,
كما يظنّه من لم يعرف تفسير القرآن ,
بل هذا المعنى : هو الذي نفاه سبحانه عن نفسه في آخر السورة

بقوله :

{ مَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب }
[ ق : 38 ]

ثم أخبر سبحانه أنّهم :

{ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ }
[ ق : 15 ]

أي أنهم التبس عليهم إعادة الخلق خلقا جديدا ,
ثم نبههم على ما هو أعظم آيات قدرته وشواهد ربوبيّته
وأدلة المعاد : وهو خلق الإنسان , فانه من أعظم الأدلة على التوحيد والمعاد
وأي دليل أوضح من تركيب الصورة الآدميّة بأعضائها وقواها وصفاتها ,
وما فيها من اللحم والعظم والعروق والأعصاب والرباطات والمنافذ والآلات
والعلوم والإرادات والصناعات, كل ذلك من نطفة ماء .
فلو أنصف العبد لاكتفى بفكره في نفسه ,
و استدل بوجوده على جميع ما أخبرت به الرسل عن الله وأسمائه و صفاته .
ثم أخبر سبحانه عن إحاطة علمه به , حتى علم ما توسوس به نفسه ,
ثم أخبر عن قربه إليه بالعلم والإحاطة
وأن ذلك أدنى إليه من العرق الذي داخل بدنه ,
فهو أقرب إليه بالقدرة عليه و العلم به من ذلك العرق .

وقال شيخنا وهو شيخ الإسلام بن تيمية :
المراد بقول " نحن " : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ,أي ملائكتنا,

كما قال :

{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }
[ القيامة : 18 ]

أي إذا قرأه عليك رسولنا جبريل .

قال : ويدل عليه قوله :

{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ }
[ ق : 17 ]

فقيد القرب المذكور بتلقّي الملكين , فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطّل .
ثم أخبر سبحانه أن على شماله ويمينه ملكين يكتبان أعماله وأقواله ,
ونبه بإحصاء الأقوال وكتابتها على كتابة الأعمال , التي هي أقل وقوعا ,
وأعظم أثرا من الأقوال, وهي غايات الأقوال ونهايتها