المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنظار المُعسر


adnan
12-20-2013, 09:24 PM
الأخت / فــاتــوووو

إنظار المُعسر
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=1431008dc12678a3&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
قال الله تبارك وتعالى:

{ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ
وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
(البقرة: 280).

النظرة إلى الإسلام ينبغي أن تكون نظرة شاملة تقتضي معاينة أهدافه
ووسائله ومقاصده، وبالتالي فإن معرفة المقاصد الشرعية تقودنا إلى
تحقيق فهم أعمق للدين، ولعل من أبرز مقاصد الشريعة الإسلامية تحقيق
النفع العام للمجتمع المسلم، ذلك النفع القائم على التسامح والتعاضد
والتكافل، بما يضمن مساواة في الحقوق والواجبات لكل فرد وفئة من
المجتمع الإسلامي، والحديث عن المساواة هنا لا يلغي حقيقة التمايز
والاختلاف الموجودة أصلا وفطرة وغريزة بين الجنسين أولا، وبين فئات
من الجنس الواحد طبقا للطاقات والقدرات الذهنية والجسدية
والنفسية والاقتصادية.

وفي الآية الكريمة نص قطعي الدلالة والثبوت على تحفيز المسلم على
العطاء والكرم والتسامح في العلاقات فيما بين الناس، وربما تكون
التعاملات المالية من أكثر الوجوه التي تتجلى من خلالها القدرة
على العطاء والتسامح.ففي الآية الكريمة دعوة ربانية لصاحب الدين
بإنظار أخيه المدين، والصبر عليه عندما يكون معسرا. وفي ذلك تربية
ربانية على مكارم الأخلاق، وعلى البذل من النفس. هذه الدعوة عندما
تتحقق في نفوس الأفراد، فإن ذلك يعني صلاحا في المجتمع، يُنتج بسطة
في الراحة والأمان.وبعد هذه الدعوة، يرغِّب الله عز وجل عباده بالذهاب
إلى الحد الأقصى من العطاء، من خلال التصدق على المدين بمديونيته،
والوعد الرباني لمن يفعل ذلك بأن في ذلك خيرا ينتظره، وقد أطلق الله
تعالى معنى الخير في العبارة، فجعل طبيعة الخير التي تنتظر المتصدق
في دينه على المدين مبهمة، وفي ذلك حكمة ربانية توصل المتصدق إلى
انتظار كرم الله عز وجل، وترقب خيراته وعطاءاته على عباده
الملتزمين بما أمرهم به.

وبالنتيجة،
فإن هذه المنحة الربانية هي توجيه حكيم ببناء مجتمع إنساني ينزع نحو
السمو الأخلاقي، ويرسخ مبادئ الأمن والأمان في التعاملات المالية فيما
بين أفراد المجتمع الإسلامي، وقد تحققت هذه الغاية لمئات السنين عندما
سادت شرائع الإسلام في نفوس المسلمين، وبالتالي فهي خصيصة
انفرد المجتمع الإسلامي بها دونا عن أي مجتمع أرضي آخر.

ظلُّ الله للميسِّر
يتناول الإمام ابن كثير رحمه الله الآية بالكثير من التفصيل،
وهذا بعض ما جاء في تفسيره:
( يأمر تعالى بالصبر على المعسر الذي لا يجد وفاء فقال

{ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }

لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لِمَدِينه إذا حل عليه الدين إما
أن تقضي وإما أن تُرْبي ثم يندب إلى الوضع عنه ويعد على ذلك الخير
والثواب الجزيل، فقال

{ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

أي وإن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن الْمَدِين. وقد وردت
الأحاديث من طرق متعددة عن النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - بذلك
"فالحديث الأول" عن أَبِي أُمَامَة أَسْعَد بْن زُرَارَة قَالَ الطَّبَرَانِيّ
عن أَبِي أُمَامَة أَسْعَد بْن زُرَارَة قال:
قال رسول اللَّه - صلّى اللَّه عليه وسلم –

( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُظِلّهُ اللَّه يَوْم لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلّه
فَلْيُيَسِّرْ عَلَى مُعْسِر أَوْ لِيَضَع عَنْهُ )

"حديث آخر" عن بُرَيْدَة قال الإمام أحمد...
عن سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَة عن أبيه
قال سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم - يقول

( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْم مِثْله صَدَقَة )

قال ثم سمعته يقول

( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْم مِثْلَاهُ صَدَقَة" قلت: سمعتك
يا رسول اللَّه تقول "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْم مِثْله صَدَقَة"
ثم سمعتك تقول "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلِّ يَوْم مِثْلَاهُ صَدَقَة"،
قال: "له بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين
فإذا حل الدَّيْن فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة")

فضل الصدقة
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=1431008dc12678a3&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1

مما قاله الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسير الآية:

{ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَة فَنَظِرَة إلَى مَيْسَرَة }

يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَقْبِضُونَ مِنْهُ مِنْ غُرَمَائِكُمْ رُؤوس
أَمْوَالكُمْ ذُو عُسْرَة، يَعْنِي مُعْسِرًا بِرُؤوسِ أَمْوَالكُمْ الَّتِي كَانَتْ لَكُمْ عَلَيْهِمْ
قَبْل الْإِرْبَاء، فَأَنْظِرُوهُمْ إلَى مَيْسَرَتهمْ...إلخ.
وَأَمَّا قَوْله:

{ فَنَظِرَة إلَى مَيْسَرَة }

فَإِنَّهُ يَعْنِي: فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُنْظِرُوهُ إلَى مَيْسَرَة، كَمَا قَالَ:

{ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذَى مِنْ رَأْسه فَفِدْيَة مِنْ صِيَام }
(البقرة: 196)

ألخ. وَالْمَيْسَرَة: الْمَفْعَلَة مِنْ الْيُسْر، مِثْل الْمَرْحَمَة وَالْمَشْأَمَة. وَمَعْنَى
الْكَلَام: وَإِنْ كَانَ مِنْ غُرَمَائِكُمْ ذُو عُسْرَة، فَعَلَيْكُمْ أَنْ تُنْظِرُوهُ حَتَّى يُوسِرَ
بِمَا لَيْسَ لَكُمْ، فَيَصِير مِنْ أَهْل الْيُسْر بِهِ... إلخ.

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى:

{ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }.

يَعْنِي جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ: وَأَنْ تَتَصَدَّقُوا بِرُؤوسِ أَمْوَالكُمْ عَلَى هَذَا الْمُعْسِر،
خَيْر لَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم مِنْ أَنْ تُنْظِرُوهُ إلَى مَيْسَرَته لِتَقْبِضُوا رُؤوس أَمْوَالكُمْ
مِنْهُ إذَا أَيْسَرَ،

{ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

مَوْضِع الْفَضْل فِي الصَّدَقَة، وَمَا أَوْجَبَ اللَّه مِنْ الثَّوَاب
لِمَنْ وَضَعَ عَنْ غَرِيمه الْمُعْسِر دَيْنه.