تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الله يتجلى لعباده بصفاته


adnan
02-14-2014, 09:08 PM
الأخت / الملكة نـــور


الله يتجلى لعباده بصفاته في كلامه
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=144114133a72d253&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
القرآن كلام الله,
وقد تجلى الله فيه لعباده بصفاته, فتارة يتجلى في جلباب (ليس على
ظاهره, وإنما المراد بالجلباب الهيئة والصورة والصفة) الهيبة والعظمة
والجلال, فتخضع الأعناق, وتنكسر النفوس , وتخشع الأصوات, ويذوب
الكبر, كما يذوب الملح في الماء , وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال
وهو كمال الأسماء, وجمال الصفات, وجمال الأفعال الدال على كمال الذات
, فيستنفد حبه من قلب العبد قوة الحب كلها , بحسب ما عرفه من صفات
جماله , و نعوت كماله , فيصبح فؤاد عبده فارغا إلا محبته , فإذا أراد
منه الغير أن يعلق تلك المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كل الآباء ,
كما قيل:

يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل

فتبقى المحبة له طبعا لا تكلفا . وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف
والإحسان انبعثت قوة الرجاء من العبد, وانبسط أمله , وقوى طمعه,
وسار إلى ربه , وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره . وكلما قوي الرجاء
جد في العمل , كما أن الباذر كلما قوي طمعه في المغل غلق أرضه
بالبذر, و إذا ضعف رجاؤه قصر في البذر .

وإذا تجلى بصفات العدل والانتقام والغضب والسخط والعقوبة ,
انقمعت النفس الأمارة وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب
واللهو واللعب والحرص على المحرمات, انقبضت أعنة رعوناتها ,
فأحضرت المطية حظها من الخوف والخشية والحذر.

وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي والعهد
والوصية وإرسال الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع, انبعثت منها قوة
الامتثال, والتنفيذ لأوامره , والتبليغ لها , والتواصي بها , و ذكرها وتذكرها,
و التصديق بالخير , و الامتثال للطلب , و الاجتناب للنهي .

و إذا تجلى بصفات السمع والبصر والعلم,
انبعثت من العبد قوة الحياء , فيستحي من ربه أن يراه على ما يكره ,
أو يسمع منه ما يكره , أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه , فتبقى
حركاته وأقواله و خواطره موزونة بميزان الشرع , غير مهملة
ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة و الهوى .

وإذا تجلى بصفات الكفاية و الحسب
والقيام بمصالح العباد , وسوق أرزاقهم إليهم , ودفع المصائب عنهم ,
ونصره لأوليائه , وحمايته لهم , ومعيته الخاصة أهم , انبعثت من العبد
قوة التوكل عليه , والتفويض إليه , والرضا به في كل ما يجريه على
عبده, و يقيمه فيه مما يرضى به هو سبحانه . والتوكل معنى يلتئم من
علم العبد بكفاية الله , وحسن اختياره لعبده , و ثقته به , ورضاه بما
يفعله ويختاره له .

وإذا تجلى بصفات العز والكبرياء
أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من الذل لعظمته , و الانكسار لعزته
, والخضوع لكبريائه , وخشوع القلب والجوارح له , فتعلوه السكينة
و الوقار في قلبه و لسانه و جوارحه وسمته , و يذهب طيشه
وقوته وحدته .

وجماع ذلك :
أنه سبحانه يتعرف إلى العبد بصفات ألهيته تارّة , وبصفات ربوبيته تارة
, فيوجب له شهود صفات الإلهية المحبة الخاصة , و الشوق إلى لقائه ,
والأنس والفرح به, والسرور بخدمته , والمنافسة في قربه , والتودد إليه
بطاعته, واللهج بذكره , والفرار من الخلق إليه , و يصير هو وحده همه
دون ما سواه . ويوجب له شهود صفات الربوبية والتوكل عليه, والافتقار
إليه, والاستعانة به , والذل والخضوع والانكسار له .و كمال ذلك أن
يشهد ربوبيته في ألهيته, وألهيته في ربوبيته , و حمده في ملكه , وعزه
في عفوه , وحكمته في قضائه و قدره , و نعمته في بلائه, وعطاءه في
منعه , و بره ولطفه و إحسانه و رحمته في قيوميّته , وعدل في انتقامه,
وجوده وكرمه في مغفرته وستره و تجاوزه . ويشهد حكمته ونعمته في
أمره ونهيه, وعزه في رضاه وغضبه , و حلمه في إمهاله , و كرمه في
إقباله , وغناه في إعراضه .

و أنت إذا تدبرت القرآن وأجرته من التحريف , و أن تقضي عليه بآراء
المتكلمين و أفكار المتكلفين , أشهدك ملكا قيوما فوق سماواته على
عرشه , يدبر أمر عباده , يأمر و ينهي , و يرسل الرسل , و ينزل الكتاب
, و يرضى و يغضب , و يثيب و يعاقب , و يعطي و يمنع , و يعز ويذل ,
و يخفض ويرفع , و يرى من فوق سبع ويسمع , و يعلم السر والعلانية ,
فعّال لما يريد , موصوف بكل كمال , منزه عن كل عيب , لا تتحرك ذرّة
فما فوقها إلا بإذنه , و لا تسقط ورقة إلا بعلمه , و لا يشفع أحد عنده
إلا بإذنه , ليس لعباده من دونه ولي ولا شفيع .