المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل للجن رسُل منهم ؟


vip_vip
08-27-2010, 02:31 PM
السلام عليكم أسرة عطاء الخير الكرام

عمّر الله قلوبكم بالإيمان



هل للجن رسُل منهم ؟
الدكتور عثمان قدري مكانسي

قال تعالى في الآية 130 من سورة الأنعام
" يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي


وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا ۖ وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ "
استوقفتني كلمة " منكم " وساءلت نفسي : هل من الجن رسل ؟


وما أسماؤهم ؟ ولو لم يكن منهم رسل ما أقروا بذلك ولم يشهدوا
على أنفسهم حين قالوا " شهدنا على أنفسنا" .
اطلعت على عدد من كتب التفسير ، فوجدت ابن كثير رحمه الله تعالى


يستفيض في كتابه المشهور ( تفسير القرآن العظيم ) في توضيح
هذه الآية بما يشبع نهم السائل ، ويروي ظمأه في بسط هذه المسألة .
وأنقل عن ابن كثير بعض ما أورد مع التعليق والاستنتاج الذين بدوَا لي

يوضحان الفكرة ويجليانها :

وَهَذَا مِمَّا يَقرّع اللَّه بِهِ كَافِرِي الْجِنّ وَالإنس يَوْم الْقِيَامَة حَيْثُ يَسْأَلهُمْ وَهُوَ أَعْلَم :


هَلْ بَلَّغَتهُم الرُّسُل رسالاته ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَام تَقرِير " يَا مَعْشَر الجِنّ والإنس

أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ " أَي مِن جملتكم ،وَالرُّسُل مِن الإنس فَقَطْ ، وَلَيْسَ

مِنْ الْجِنّ رُسُل كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مُجَاهِد وَابْن جُرَيْج وَغَيْر وَاحِد
مِنْ الأئمّة مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف ،
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : (الرُّسُلُ مِنْ بَنِي آدَم ، وَمِن الجِنّ نُذُر).
وَحَكَى اِبْن جَرِير عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ فِي الْجِنّ رسلاً ،


وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الآية الْكَرِيمَة ، وَفِيهِ نَظَر لأنها مُحْتَمَلَة وَلَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ

وَهِيَ - وَاَللَّه أَعْلَم - كقوله " مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلتَقِيَانِ ، بَيْنهمَا بَرْزَخ لا يَبْغِيَانِ

فبأيّ آلاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " إِلَى أَنْ قَالَ " يَخْرُج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ وَالْمَرْجَان

" والمقصود بالبحرين ماء الأنهار والبحيرات العذبة وماء البحار والمحيطات

المالحة . وَمَعْلُوم أَنَّ اللُّؤلُؤ وَالْمَرْجَان إِنَّمَا يُسْتَخْرَجَانِ من الماء المالح

لا مِنْ الْحُلْو ، فغلّب الماء المالح على الماء العذب ، كما تُغلّب الذكران

على الإناث ، فتقول مخبراً عنهم جميعاً بصيغة المذكر : " الرجال

والنساء قادمون " وَهَذَا وَاضِح تمام الوضوح - وَلِلَّهِ الْحَمْد - .
وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْجَوَاب بِعَينِهِ اِبْن جَرِير .
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ الرُّسُل إِنَّمَا هُمْ مِن الإنس قَوله تَعَالَى " إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا


أَوْحَينَا إِلَى نُوح وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْده - إِلَى قَوْله – رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذَرِينَ

لئلاّ يَكُون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّة بَعْد الرُّسُل " وَقال تعالى عَن إِبرَاهِيم "

وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّته النُّبُوَّة وَالْكِتَاب" فَحَصَرَ النُّبُوَّة وَالْكِتَاب بَعد إِبرَاهِيم فِي

ذرّيّته ، سيّما أن الخطاب كان للناس " لئلا يكون للناس .."

فكان الرسل منهم . وَلَمْ يَقل أَحَد مِن النَّاس إِنَّ النُّبُوَّة كَانَت فِي الجنّ قَبل

إِبرَاهِيم عليه السلام ، ثُمَّ اِنقطَعَتْ عَنهُم ببعثته . وَقَالَ تَعَالَى

" وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ الْمُرْسَلِينَ إلاّ أَنَّهُمْ ليأكلون الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق " .
ومن الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق غير البشر
وقال مخاطباً نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك


إلا رجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْل الْقُرَى " وَمَعْلُوم أَنَّ الجِنّ تبَعٌ للإنس

فِي هَذَا الْبَاب ، وصحيح أن كلمة رجال تُطلق على الذكران من الإنس

والجن بدليل قوله تعالى في سورة الجن " وأنه كان رجال من الإنس

يعوذون برجال من الجن ، فزادوهم رَهَقاً " إلا أن كلمة " أهل القرى
" تخص الإنس ليس غير. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى إِخبَارًا عَنهُم :
" وَإِذ صَرَفنَا إِلَيْك نَفرًا مِن الجِنّ يَسْتَمِعُونَ القُرآن ،فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا


أَنصِتوا ، فلَمَّا قُضِيَ وَلَّوا إِلَى قَومهم مُنذِرِينَ ،قَالُوا : يَا قَومنَا إِنَّا سَمِعنَا

كِتَابًا أُنزِلَ مِنْ بَعد مُوسَى مصدّقاً لِمَا بَيْن يَدَيهِ ، يَهدِي إِلَى الْحَقّ

وَإِلَى طَرِيق مُسْتَقِيم ، يَا قَوْمنَا أَجِيبوا دَاعِيَ اللَّه ، وَآمِنُوا بِهِ يَغفِر

لَكم مِنْ ذُنُوبكُم ، وَيُجِرْكُم مِنْ عَذَاب أَلِيمٍ ، وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّه

فليس بِمُعْجِزٍ فِي الأرض ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونه أَوْلِيَاء ،
أُولَئِكَ فِي ضلال مُبِين " وهنا لا بد أن نقول :
- صرف الله تعالى الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أرسل

إليهم كما أُرسل للبشر . ولو كان لكل جنس رسول لما صرفهم إليه .
- وأنهم لما سمعوا منه صلى الله عليه وسلم القرآن كانوا واسطة الدعوة

إلى بني جنسهم ، ( منذرين(
- وأن الجن اعتادوا ذلك حين ذكروا أنهم سمعوا كتاباً أنزل من


بعد موسى عليه السلام ، وعلى هذا فقد سمعوا من موسى ،
ولو كان لهم أنبياء منهم لما سمعوا من موسى وآمنوا به.
- وقول الجن الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم


" يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به .." أن هذه الطريقة هي التي تتكرر

في إنذار الجن ، وأنهم يُصرفون إلى الأنبياء فيسمعون منهم ويؤمنون
بهم ، وينطلقون منذرين .
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيره أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى


اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلا عَلَيْهِم سُورَة الرَّحمَن ، وَفِيهَا قَوْله تَعَالَى

" سَنَفرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثقَلان ، فبأي آلاء رَبّكُمَا تُكَذِّبَانِ " .

فكان تكليفهم من قبل رسل البشر دليل على أنه لا أنبياء من الجن
بل هم من البشر حصراً والله أعلم