المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوكل على الله نوعان


adnan
03-22-2014, 09:06 PM
الأخت / الملكة نـــور




التوكل على الله نوعان
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=144e48d6122c53cb&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
(قاعدة) التوكل على الله نوعان -

أحدهما:
توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية, أو دفع مكروهاته
ومصائبه الدنيوية.

والثاني:
التوكل على الله في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الإيمان
واليقين والجهاد والدعوة إليه .

وبين النوعين من الفضل مالا يحصيه إلا الله . فمتى توكل عليه العبد في
النوع الثاني حق توكله كفاه النوع الأول تمام الكفاية. ومتى توكل عليه في
النوع الأول دون الثاني كفاه أيضا , لكن لا يكون له عاقبة المتوكل فيما يحبه ويرضاه .
فأعظم التوكل عليه التوكل في الهداية , وتجريد التوحيد , و متابعة الرسول
صلى الله عليه وسلم و جهاد أهل الباطل , فهذا توكل الرسل وخاصّة أتباعهم
و التوكل تارة يكون توكل اضطرار و إلجاء , بحيث لا يجد العبد ملجأ
ولا أزرا إلا التوكل , كما إذا ضاقت عليه الأسباب وضاقت عليه نفسه وظن
أن لا ملجأ من الله إلا إليه , وهذا لا يتخلف عنه الفرج والتيسير البتة . وتارة
يكون توكل اختيار, و ذلك التوكل مع وجود السبب المفضى إلى المراد ,
فان كان السبب مأمور به ذم على تركه. وان قام بالسبب , و ترك التوكل
ذم على تركه أيضا , فانه واجب باتفاق الأمة ونص القرآن , و الواجب
القيام بهما , و الجمع بينهما . و ان كان السبب محرما , حرم عليه مباشرته
, و توحد السبب في حقه في التوكل , فلم يبق سبب سواه , فان التوكل من
أقوى الأسباب في حصول المراد , و دفع المكروه , بل هو أقوى الأسباب
على الإطلاق .

و إن كان السبب مباحا نظرت هل يضعف قيامك به التوكل أو لا يضعفه ؟
فان أضعفه و فرق عليك قلبك و شتت همك فتركه أولى , وان لم يضعفه
فمباشرته أولى ؛ لأن حكمة أحكم الحاكمين اقتضت ربط المسبب فلا تعطل
حكمته مهما أمكنك القيام بها, ولا سيما إذا فعلته عبودية, فتكون قد أتيت
بعبودية القلب بالتوكل, وعبودية الجوارح بالسبب المنوي به القربة . و الذي
يحقق التوكل القيام بالأسباب المأمور بها , فمن عطلها لم يصح توكله كما أن
القيام بالأسباب المفضية إلى حصول الخير يحقق رجاءه , فمن لم يقم بها
كان رجاؤه تمنيّا, كما أن من عطّلها يكون توكله عجزا وعجزه توكلا .

و سر التوكل وحقيقته هو
اعتماد القلب على الله وحده , فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من
الاعتماد والركون إليها , كما لا ينفعه قوله : توكلت على الله, مع اعتماده
على غيره وركونه إليه و ثقته به , فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء
آخر, كما أن توبة اللسان مع إصرار القلب شيء , وتوبة القلب و ان لم ينطق
اللسان شيء آخر. فقول العبد : توكلت على الله , مع اعتماد قلبه على غيره
مثل قوله: تبت إلى الله , و هو مصر على معصيته مرتكب لها .
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=144e48d6122c53cb&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
(فائدة) شكوى الجاهل من الله
الجاهل يشكو الله إلى الناس , وهذا غاية الجهل بالمشكو و المشكو إليه
فانه لو عرف ربه لما شكاه , و لو عرف الناس لما شكا إليهم . و رأى
بعض السلف رجلا يشكو إلى رجل فاقته وضرورته, فقال : يا هذا , و الله
ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك, وفي ذلك قيل :

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

والعارف إنما يشكو إلى الله وحده . و أعرف العارفين من جعل شكواه
إلى الله من نفسه لا من الناس , فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه ,
فهو ناظر الى قوله تعالى :

{ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ }
الشورى 30

وقوله :

{ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }
النساء 79

وقوله :

{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ }
آل عمران 165.

فالمراتب ثلاثة :
أخسها أن تشكو الله إلى خلقه , وأعلاها أن تشكو نفسك إلى الله
و أوسطها أن تشكو خلقه إليه .