المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد 60 & 61


adnan
04-04-2014, 09:37 PM
الأخت / الملكة نـــور


الفوائد 60 & 61
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145222148427f21e&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[60] احذروا فتنة العالم الفاجر وفتنة العابد الجاهل
فهذا حال العالم المؤثر الدنيا على الآخرة , و أما العبد الجاهل فآفته من
اعراضه عن العلم و أحكامه وغلبة خياله و ذوقه ووجده وما تهواه نفسه.
ولهذا قال سفيان بن عيينة وغيره : احذروا قتنة العالم الفاجر , و فتنة
العابد الجاهل , فان فتنتهما فتنة لكل مفتون , فهذا بجهله يصد عن
العلم و موجبه , و ذاك بغيّه يدعو الى الفجور .
وقد ضرب الله سبحانه مثل النوع الآخر بقوله:

{ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ }
الحشر 16-17,

وقصته معروفة, فانه بنى أساس أمره على عبادة الله بجهل, فأوقعه
الشيطان بجهله, وكفّره بجهله. فهذا امام كل عابد جاهل يكفر ولا يدري,
وذاك امام كل عالم فاجر, يختار الدنيا على الآخرة ..وقد جعل سبحانه
رضى العبد بالدنيا, وطمأنينته وغفلته عن معرفة آياته, وتدبرها والعمل
بها, سبب شقائه وهلاكه, ولا يجتمع هذان, أعني الرضا بالدنيا والغفلة
عن آيات الرب الا في قلب من لا يؤمن بالمعاد, ولا يرجو لقاء رب العباد,
والا فلو رسخ قدمه في الايمان بالمعاد, لما رضي الدنيا, ولا اطمأن اليها,
ولا أعرض عن آيات الله .

وأنت اذا تأملت أحوال الناس وجدت
هذا الضرب هو الغالب على الناس وهم عمّار الدنيا. وأقل الناس عددا من
هو على خلاف ذلك, وهو من أشد الناس غربة بينهم, لهم شأن وله شأن,
علمه غير علومهم, وارادته غير ارادتهم, وطريقه غير طريقهم, فهو في
واد وهم في واد,
قال تعالى:

{ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا
وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ *
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
يونس 8,7 .

ثم ذكر وصف ضد هؤلاء ومآلهم وعاقبتهم بقوله :

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ }
يونس 9.

فهؤلاء ايمانهم بلقاء الله أورثهم عدم الرضا بالدنيا والطمأنينة اليها,
ودوام ذكر آياته, فهذه مواريث الايمان بالمعاد, وتلك مواريث عدم الايمان
به والغفلة عنه ..

[61] (فائدة عظيمة) العلم الإيمان أفضل ما تكسبه النفس ويحصّله القلب
أفضل ما اكتسبته النفوس, وحصلته القلوب, ونال به العبد الرفعة في
الدنيا والآخرة, هو العلم والايمان, ولهذا قرن الله سبحانه بينهما
في قوله:

{ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ
إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ }
الروم 56.

وقوله:

{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }
المجادلة 11,

وهؤلاء هم خلاصة الوجود ولبه, والمؤهلون للمراتب العالية, ولكن أكثر
الناس غالطون في حقيقة مسمى العلم والايمان اللذين بهما السعادة
والرفعة, وفي حقيقتهما. حتى أن كل طائفة تظن أن ما معها من العلم
والايمان هو هذا الذي به تنال السعادة, وليس كذلك بل أكثرهم ايس معهم
ايمان ينجي ولا علم يرفع, بل قد سدوا على نفوسهم طرق العلم والايمان
اللذين جاء بهما الرسول صلى الله عليه وسلم ودعا اليهما الأمة, وكان
عليهما هو وأصحابه من بعده وتابعوهم على منهاجهم وآثارهم .
فكل طائفة اعتقدت أن العلم معها وفرحت به

{ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }
المؤمنون53,

وأكثر ما عندهم كلام وآراء وخرص, والعلم وراء الكلام

كما قال حمّاد بن زيد:
قلت لأيوب : العلم اليوم أكثر أو فيما تقدّم ؟ فقال :
الكلام اليوم أكثر والعلم فيما تقدم أكثر !

ففرق هذا الراسخ بين العلم والكلام. فالكتب كثيرة جدا والكلام والجدال
والمقدرات الذهنية كثيرة, والعلم بمعزل عن أكثرها,
وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه:

{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ..}
آل عمران 61,

وقال:

{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ..}
البقرة 120,

وقال في القرآن:

{ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ }
النساء166,
أي وفيه علمه .

ولما بعد العهد بهذا العلم آل الأمر بكثير من الناس الى أن يتخذوا هواجس
الأفكار وسوانح الخواطر والآراء علما, ووضعوا فيها الكتب, وأنفقوا فيها
الأنفاس, فضيعوا فيها الزمان, وملأوا بها الصحف مدادا, والقلوب سوادا,
حتى صرح كثير من الناس منهم أنه ليس في القرآن والسنة علم, وأن
أدلتهما لفظية لا تفيد يقينا ولا علما. وصرخ الشيطان بهذه الكلمة فيهم,
وأذن بها بين أظهرهم, حتى أسمعها دانيهم لقاصيهم, فانسلخت بها
القلوب من العلم والايمان كانسلاخ الحية من قشرها, والثوب عن لابسه ..

قال الامام العلامة شمس الدين ابن القيم:
ولقد أخبرني بعض أصحابنا عن بعض أتباع أتباع تلاميذ هؤلاء أنه
رآه يشتغل في بعض كتبهم ولم يحفظ القرآن, فقال له: لو حفظت القرآن
أولا كان أولى, فقال: وهل في القرآن علم .

قال ابن القيم:
وقال لي بعض أئمة هؤلاء: اننا نسمع الحديث لأجل البركة لا لنستفيد منه
العلم لأن غيرنا قد كفانا هذه المؤونة فعمدتنا على ما فهموه وقرروه,
ولا شك أن من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائل :

نزلوا بمكة في قبائل هاشم ونزلت بالبطحاء أبعد منزل

قال:
وقال لي شيخنا مرة في وصف هؤلاء :
انهم طافوا على أرباب المذاهب ففازوا بأخس الطلب, ويكفيك دليلا على
أن هذا الذي عندهم ليس من عند الله, ما ترى فيه من التناقض والاختلاف
ومصادمة بعضه لبعض,
قال تعالى:

{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا }
النساء82,

هذا يدل على أن ما كان من عنده سبحانه لا يختلف, وأن ما اختلف و
تناقض فليس من عنده , و كيف تكون الآراء و الخيالات و سوانح الأفكار
دينا يدان به و يحكم به على الله و رسوله, سبحانك هذا بهتان عظيم ..
وقد كان علم الصحابة الذي يتذاكرون فيه غير علوم هؤلاء المختلفين الخرّاصين

كما حكى الحاكم في ترجمة أبي عبد الله البخاري , قال :
كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم اذا اجتمعوا انما يتذاكرون
كتاب ربهم و سنة نبيهم , ليس بينهم رأي ولا قياس . و لقد أحسن القائل :

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة, ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا, ولا جحد الصفات ونفيها حذرا من التمثيل والتشبيه