المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـفوائد 82 & 83 / من الفوائد لابن القيم


adnan
04-15-2014, 05:29 PM
الأخت / الملكة نـــور



من كتاب الفوائد لأبن القيم

الفائدتان 82 & 83

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=1455a983f473c4d8&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1

[82] حدود الأخلاق

للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانا, ومتى قصّرت عنه كان نقصا

ومهانة, فللغضب حد وهو الشجاعة المحمودة, والأنفة من الرذائل

والنقائص, وهذا كماله. فاذا جاوز حده, تعدى صاحبه وجار, وان

نقص عنه, جبن ولم يأنف من الرذائل.وللحرص حد, وهو الكفاية في

أمور الدنيا, وحصول البلاغ منها, فمتى نقص من ذلك كان مهانة

واضاعة, ومتى زاذ عليه, كان شرها ورغبة فيما لا تحمد الرغبة فيه.

وللحسد حد وهو المنافسة في طلب الكمال, والأنفة أن يتقدم عايه نظيره,

فمتى تعدى ذلك صار بغيا وظلما يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود,

ويحرص على ايذائه, ومتى نقص عن ذلك, كان دناءة وضعف همة

وصغر نفس.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:



( لا حسد الا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته

في الحق, ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس )

البخاري في العلم 1\165 (73) , وفي الزكاة 3\276 (1409) ومسلم,



فهذا حسد منافسة يطالب الحاسد به نفسه أن يكون مثل المحسود,

لا حسد مهانة يتمنى به زوال النعمة عن المحسود.



وللشهوة حد, وهو

راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والاستعانة بقضائها

على ذلك, فمتى زادت على ذلك صارت نهمة وشبقا والتحق صاحبها

بدرجة الحيوانات, ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغا في طلب الكمال

والفضل كانت ضعفا وعجزا ومهانة.



وللراحة حد وهو

اجمام النفس والقوى المدركة والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب

الفضائل وتوفرها على ذلك بحيث لا يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها,

فمتى زاد على ذلك صار توانيا وكسلا واضاعة, وفات به أكثر مصالح

العبد, ومى نقص عنه صار مضرا بالقوى موهنا لها وربما انقطع به

كالمنبت الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.



والجود له حد بين طرفين,

فمتى جاوز حده صار اسرافا وتبذيرا, ومتى نقص عنه كان بخلا وتقتيرا.

وللشجاعة حد متى جاوزته صار تهوّرا, ومتى نقصت عنه صار جبنا

وخورا, وحدها الاقدام في مواضع الاقدام, والاحجام في مواضع الاحجام,

كما قال معاوية لعمرو بن العاص: أعياني أن أعرف أشجاعا أنت أم جبانا

تقدم حتى أقول من أشجع الناس, وتجبن حتى أقول من أجبن الناس ,

فقال :



شجاع اذا أمكنتني فرصة فان لم تكن لي فرصة فجبان



والغيرة لها حد اذا جاوزته صارت تهمة وظنا سيئا بالبرئ, واذا قصّرت

عنه كانت تغاقلا ومبادئ دياثة .



وللواضع حد

اذا جاوزه كان ذلا ومهانة, ومن قصر عنه انحرف الى الكبر والفخر.



و للعز حد اذا

جاوزه كان كبرا و خلقاً مذموماً , وان قصر عنه انحرف الى

الذل و المهانة .



وضابط هذا كله العدل,

وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الافراط والتفريط, وعليه بناء

مصالح الدنيا والآخرة, بل لا تقوم مصلحة البدن الا به. فانه متى خرج

بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته

بحسب ذلك. وكذلك الأفعال الطبيعية كالنوم والسهر والأكل والشرب

والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك, اذا كانت

وسطا بين الطرفين المذمومين كانت عدلا وان انحرفت الى أحدهما

كانت نقصا وأثمرت نقصا.فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود, ولا

سيما حدود الشرع المأمور والمنهي. فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود,

حتى لا يدخل فيها ما ليس منها ولا يخرج منها ما هو داخل فيها.

قال تعالى:



{ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ }

التوبة 97.



فأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلا,

وبالله التوفيق .

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=1455a983f473c4d8&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1

[83] (فصل)



قال أبو الدرداء رضي الله عنه:

" يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون به قيام الحمقى وصومهم,

والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترّين".



وهذا من جواهر الكلام, وأدله على كمال فقه الصحابة, وتقدمهم على

من بعدهم في كل خير, رضي الله عنهم.فاعلم أن العبد انما قطع منازل

السير الى الله بقلبه وهمته لا ببدنه. والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب

لا تقوى الجوارح.

قال تعالى:



{ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ }

الحج32,



وقال:



{ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ }

الحج37



وقال النبي صلى الله عليه وسلم:



( التقوى هاهنا )

وأشار الى صدره, مسلم في كتاب البر والصلة والآداب 4\1986 رقم32.



فالكيّس يقطع من المسافة بصحة العزيمة, وعلو الهمة, وتجريد القصد,

وصحة النية مع العمل القليل, أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك

مع التعب الكثير والسفر الشاق. فان العزيمة والمحبة تذهب المشقة,

وتطيب السير, والتقدم والسبق الى الله سبحانه انما هو بالهمم, وصدق

الرغبة والعزيمة, فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير

بمراحل, فان ساواه في همته تقدم عليه بعمله, وهذا موضع يحتاج

الى تفصيل يوافق فيه الاسلام الاحسان.فأكمل الهدي هدي رسول الله,

وكان موفيا كل واحد منهما حقه, فكان مع كماله وارادته وأحواله مع الله

يقوم حتى ترم قدماه, ويصوم حتى يقال لا يفطر, ويجاهد في سبيل الله,

ويخالط أصحابه ولا يحتجب عنهم, ولا يترك شيئا من النوافل والأوراد

لتلك الواردات التي تعجز عن حملها قوى البشر.والله تعالى أمر عباده أن

يقوموا بشرائع الاسلام على ظواهرهم وحقائق الايمان على بواطنهم,

ولا يقبل واحدا منهما الا بصاحبه وقرينه.

وفي المسند مرفوعا:



( الاسلام علانية والايمان في القلب )

3\134.



فكل اسلام ظاهر لا ينفذ صاحبه منه الى حقيقة الايمان الباطنة فليس

بنافع حتى يكون معه شيء من الايمان الباطن, وكل حقيقة باطنة لا يقوم

صاحبها بشرائع الاسلام الظاهرة لا تنفع ولو كانت ما كانت. فلو تمزق

القلب بالمحبة والخوف ولم يتعبّد الأمر وظاهر الشرع لم ينجّه ذلك من

النار. كما أنه لو قام بظواهر الاسلام ولي في باطنه حقيقة الايمان

ولم ينجّه من النار.واذا عرف هذا,



الصادقون السائرون الى الله

والدار الآخرة قسمان:

قسم صرفوا ما فضل من أوقاتهم بعد الفرائض الى النوافل البدنية

وجعلوها دأبهم من غير حرص منهم على تحقيق أعمال القلوب ومنازل

أحكامها, وان لم يكونوا خالين من أصلها ولكن هممهم مصروفة الى

الاستكثار من الأعمال.



وقسم صرفوا ما فضل من الفرائض والسنن الى الاهتمام بصلاح قلوبهم

وعكوفها على الله وحده والجمعية عليه وحفظ الخواطر والارادات معه.

وجعلوا قوة تعبّدهم بأعمال القلوب من تصحيح المحبة, والخوف والرجاء

والتوكل والانابة ورأوا أن أيسر نصيب من الواردات التي ترد على قلوبهم

من الله أحب اليهم من كثير من التطوعات البدنية, فاذا حصل لأحدهم

جمعية ووارد أنس أو حب أو اشتياق أو انكسار وذل, لم يستبدل به شيئا

سواه البتة, الا أن يجيء الأمر فيبادر اليه بذلك الوارد ان أمكنه, والا بادر

الى الأمر ولو ذهب الوارد.



فاذا جاءت النوافل فهاهنا معترك التردد, فان أمكن القيام اليها به فذاك,

والا نظر في الأرجح والأحي الى الله, هل هو القيام الى تلك النافلة ولو

ذهب وارده كاغاثة الملهوف وارشاد ضال وجبر مكسور واستفادة وايمان

ونحو ذلك, فهاهنا ينبغي تقديم النافلة الراجحة, ومتى قدمها لله رغبة فيه

وتقرّبا اليه فانه يرد عليه ما فات من وارده أقوى مما كان في وقت آخر,

وان كان الوارد أرجح من النافلة فالحزم له الاستمرار في وارده حتى

يتوارى عنه فانه يفوت والنافلة لا تفوت.وهذا موضع يحتاج الى فضل فقه

في الطريق ومراتب الأعمال وتقديم الأهم منها فالأهم, والله الموفق
لذلك لا اله غيره ولا رب سواه .