المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد 87 & 88 / من الفوائد لابن القيم


adnan
04-18-2014, 11:44 AM
الأخت / الملكة نـــور



من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
الفائدتان 87 & 88
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=1456ae727d0b7e1e&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[87] الإخلاص ومحبة المدح لا يجتمعان في قلب
لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند
الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والنصب والحوت. فإذا حدثتك نفسك
بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس, وأقبل على
المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشّاق الدنيا في الآخرة , فإذا استقام لك
ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص .فان قلت: وما
الذي يسهّل علي ذبح الطمع والزهد في المدح والثناء؟ قلت: أما ذبح
الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله
وحده خزائنه لا يملكها غيره, ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه. وأما الزهد
في المدح والثناء فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه و يزين ,
و يضر ذمه ويشين إلا الله وحده,
كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم :

( إن مدحي زين وشتمي شين , فقال : " ذاك الله عز وجل" )
الترمذي في السنن رقم 3263, وأحمد في المسند 3\488, 6\393 394.

فازهد في مدح من لا يزينك مدحه, وفي ذم من لا يشينك ذمه , وارغب
في مدح من كل الزين في مدحه, وكل الشين في ذمه , ولن يقدر على ذلك
إلا بالصبر واليقين, فمتى فقدت البصر واليقين كنت كمن أراد السفر
في البحر في غير مركب,
قال الله تعالى :

{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ وَلَا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ }
الروم60,

وقال تعالى :

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }
السجدة 24 ..
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=1456ae727d0b7e1e&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
[88] أشرف الناس من كانت لذته في معرفة الله تعالى ومحبته
لذة كل أحد على حسب قدره وهمّته وشرف نفسه, فأشرف الناس نفسا
وأعلاهم همّا وأرفعهم قدرا من لذّته في معرفة الله ومحبته والشوق إلى
لقائه والتودد إليه بما يحبه ويرضاه. فلذته في إقباله عليه وعكوف همته
عليه ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله, حتى تنتهي إلى من لذته في
أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال
والأشغال. فلو عرض عليه ما يلتذ به الأول لم تسمح نفسه بقبوله ولا
التفت إليه وربما تألمت من ذلك, كما أن الأول إذا عرض عليه ما يلتذ به
هذا لم تسمح نفسه به ولم تلتفت إليه ونفرت نفسه منه .وأكمل الناس لذة
من جمع له بين لذة القلب والروح و لذة البدن . فهو يتناول لذاته المباحة
على وجه لا ينقص حظه من الدار الآخرة ولا يقطع عليه لذة المعرفة
و المحبة والأنس بربه.
فهذا ممن قال تعالى فيه :

{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }
الأعراف32 ,

و أبخسهم حظا من اللذة من تناولها على وجه يحول بينه وبين لذات
الآخرة, فيكون ممن يقال لهم يوم استيفاء اللذات :

{ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا }
الأحقاف20.

فهؤلاء تمتعوا بالطيبات, وأولئك تمتعوا بالطيبات, وافترقوا في وجه
التمتع, فأولئك تمتعوا بها على الوجه الذي أذن لهم فيه, فجمع لهم بين
لذة الدنيا والآخرة, وهؤلاء تمتعوا بها على الوجه الذي دعاهم إليه الهوى
والشهوة, وسواء أذن لهم فيه أم لا, فانقطعت عنهم لذة الدنيا و فاتتهم
لذة الآخرة , فلا لذة الدنيا دامت لهم , و لا لذة الآخرة حصلت لهم. فمن
أحب اللذة ودوامها و العيش الطيّب فليجعل لذة الدنيا موصلا له إلى لذة
الآخرة , بأن يستعين بها على فراغ قلبه لله في إرادته وعبادته , فيتناولها
بحكم الاستعانة و القوة على طلبه لا بحكم مجرد الشهوة و الهوى
وان كان ممن زويت عنه لذات الدنيا وطيباتها فليجعل ما نقص منها زيادة
في لذة الآخرة, و يجم نفسه هاهنا بالترك ليستوفيها كاملة هناك. فطيبات
الدنيا ولذاتها نعم العون لمن صح طلبه لله و الدار الآخرة وكانت همته
لما هناك, و بئس القاطع لمن كانت هي مقصوده وهمته, وحولها يدندن,
وفواتها في الدنيا نعم العون لطالب الله والدار الآخرة , و بئس القاطع
النازع من الله والدار الآخرة. فمن أخذ منافع الدنيا على وجه لا ينقص
حظه من الآخرة ظفر بهما جميعا و إلا خسرهما جميعا .سبحان الله
رب العالمين. لو لم يكن في ترك الذنوب والمعاصي ولا إقامة المروءة
وصون العرض وحفظ الجاه وصيانة المال الذي جعله الله قواما لمصالح
الدنيا و الآخرة , و محبة الخلق وجواز القول بينهم و صلاح المعاش
و راحة البدن و قوة القلب و طيب النفس و نعيم القلب وانشراح الصدر,
و الأمن من مخاوف الفساق و الفجار, و قلة الهم و الغم و الحزن , و عز
النفس عن احتمال الذل, وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية,
وحصول المخرج له مما ضاق على الفساق والفجار, وتيسير عليه الرزق
من حيث لا يحتسب , و تيسير ما عسر على أرباب الفسوق والمعاصي ,
و تسهيل الطاعات عليه , و تيسير العلم و الثناء الحسن في الناس ,
وكثرة الدعاء له, والحلاوة التي يكتسبها وجهه , و المهابة إلي تلقى له
في قلوب الناس, وانتصارهم وحميتهم له إذا أوذي وظلم, وذبهم عن
عرضه إذا اغتابه مغتاب, وسرعة إجابة دعائه, وزوال الوحشة التي بينه
وبين الله, وقرب الملائكة منه, وبعد شياطين الأنس والجن منه, وتنافس
الناس على خدمته وقضاء حوائجه, وخطبتهم لمودته وصحبته, وعدم
خوفه من الموت, بل يفرح به لقدومه على ربه ولقائه له ومصيره إليه ,
وصغر الدنيا في قلبه, وكبر الآخرة عنده وحرصه على الملك الكبير
والفوز العظيم فيها, وذوق حلاوة الطاعة, ووجد حلاوة الإيمان , ودعاء
حملة العرش ومن حوله من الملائكة له, وفرح الكاتبين به ودعاؤهم له
كل وقت, والزيادة في عقله وفهمه و إيمانه ومعرفته, وحصول محبة الله
له و إقباله عليه, وفرحه بتوبته, وهكذا يجازيه بفرح وسرور لا نسبة له
إلى فرحه وسروره بالمعصية بوجه من الوجوه .

فهذه بعض آثار ترك المعاصي في الدنيا . فإذا مات تلتقه الملائكة
بالبشرى من ربه بالجنة, وبأنه لا خوف عليه ولا حزن, وينتقل من سجن
الدنيا وضيقها إلى روضة من رياض الجنة ينعم فيها إلى يوم القيامة ..
فإذا كان يوم القيامة كان الناس في الحر والعرق, وهو في ظل العرش
. فإذا انصرفوا بين يدي الله أخذ به ذات اليمين مع أوليائه المتقين
و حزبه المفلحين :

{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }
الحديد 21