adnan
04-20-2014, 11:03 PM
الأخت / الملكة نـــور
من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
الفوائد من 92 إلى 95
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14575bd5aa426be6&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[92] من العلائق
و أما العلائق فهي كل ما تعلق به القلب دون الله و رسوله من ملاذ الدنيا
و شهواتها و رئاستها وصحبة الناس والتعلق بهم , و لا سبيل له إلى
قطع هذه الأمور الثلاثة و رفضها إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى , و إلا
فقطعها عليه بدون تعلّقه بمطلوبه ممتنع . فان النفس لا تترك مألوفها
و محبوبها إلا لمحبوب هو أحب إليها منه آثر عندها منه . و كلما قوي
تعلقه بمطلوبه ضعف تعلقه بغيره . و كذا بالعكس و التعلق بالمطلوب
هو شدة الرغبة فيه . و ذلك على قدر معرفته به و شرفه وفضله
على ما سواه ..
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14575bd5aa426be6&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
[93] حاجة الناس الى الرسول صلى الله عليه وسلم
لما كمل للرسول صلى الله عليه وسلم مقام الافتقار إلى الله سبحانه أحوج
الخلائق كلهم إليه في الدنيا و الآخرة . أما حاجتهم إليه في الدنيا فأشد من
حاجتهم إلى الطعام و الشراب و النفس الذي به حياة أبدانهم . و أما
حاجتهم إليه في الآخرة فإنهم يستشفعون بالرسل الى الله حتى يريحوهم
من ضيق مقامهم . فكلهم يتأخر عن الشفاعة فيشفع لهم , و هو الذي
يستفتح لهم باب الجنة . في صحيح مسلم كتاب الإيمان حديث
عن أنس بن مالك عن رسول الله أنه قال :
( آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن :
من أنت , فأقول محمد . فيقول : لك أمرت لا أفتح لأحد قبلك )
1\188رقم(333) .
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14575bd5aa426be6&attid=0.6&disp=emb&zw&atsh=1
[94] من علامات السعادة والفلاح
من علامات السعادة و الفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه
و رحمته . و كلما زيد في عمله زيد في خوفه وحذره . و كلما زيد في
عمره نقص من حرصه . و كلما زيد في ماله زيد في سخائه و بذله .
و كلما زيد في قدره و جاهه زيد في قربه من الناس و قضاء حوائجهم
و التواضع لهم .وعلامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره و
تيهه , و كلما زيد في عمل زيد في فخره و احتقاره للناس و حسن ظنه
بنفسه , و كلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه . و هذه الأمور
ابتلاء من الله و امتحان يبتلي بها عباده فيسعد بها أقوام ويشقى بها أقوام
و كذلك الكرامات امتحان و ابتلاء , كالملك و السلطان و المال ..
قال تعالى عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس :
{ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ }
النمل40.
فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور.
كما أن المحن بلوى منه سبحانه, فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب,
قال تعالى :
{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ...}
الفجر 15-17,
أي ليس كل ما وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مني له ,
و لا كل من ضيّقت عليه رزقه و ابتليته يكون ذلك إهانة مني له .
( أي ليس الأمر كما زعم لا في هذا و لا في هذا فان الله تعالى يعطي المال
من يحب ومن لا يحب و يضيق على من يحب ومن لا يحب , و إنما المدار
في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين إذا كان غنيّا بأن يشكر الله
على ذلك وان كان فقيرا بأن يصبر أنظر تفسير ابن كثير 4\509) ..
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14575bd5aa426be6&attid=0.7&disp=emb&zw&atsh=1
[95] الأعمال درجات وأساسها الإيمان
من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه و إحكامه وشدة الاعتناء به. فان
علو البنيان على قدر توثيق الأساس و إحكامه . فالأعمال و الدرجات
بنيان وأساسها الأيمان , و متى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى
عليه . و إذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه, و إذا كان الأساس غير
وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت , و إذا تهدم شيء من الأساس سقط
البنيان أو كاد . فالعارف همّته تصحيح الأساس و إحكامه , و الجاهل
يرفع في البناء من غير أساس فلا يلبث بنيانه أن يسقط .
قال تعالى :
{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ
أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ }
التوبة 109.
فالأساس لبناء الأعمال كالقوة لبدن الإنسان , فإذا كانت القوة قوية حملت
البدن و دفعت عنه كثيرا من الآفات , و إذا كانت القوة ضعيفة ضعف
حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء, فاحمل بنيانك على قوة
أساس الإيمان , فإذا تشعث شيء من أعالي البناء و سطحه كان
تداركه أسهل عليك من خراب الأساس .
و هذا الأساس أمران :
صحة المعرفة بالله و أمره و أسمائه و صفاته . و الثاني : تجريد الانقياد
له و لرسوله دون ما سواه , فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه ,
و بحسبه يعتلي البنيان ما شاء . فاحكم الأساس , و احفظ القوة , و دم
على الحمية , و استفرغ إذا زاد بك الخلط , و القصد القصد و قد بلغت
المراد , و إلا فما دامت القوة ضعيفة والمادة الفاسدة موجودة
و الاستفراغ معدوما :
فاقر السلام على الحياة فإنها قد آذنتك بسرعة التوديع
فإذا كمل البناء فبيضه بحسن الخلق و الإحسان إلى الناس , ثم حطه
بسور من الحذر, لا يقتحمه عدو, و لا تبدو منه العورة , ثم أرخ الستور
على أبوابه , ثم أقفل الباب الأعظم بالسكوت عما تخشى عاقبته , ثم ركب
له مفتاحا من ذكر الله به تفتحه و تغلقه , فان فتحت فتحت بالمفتاح وان
أغلقت الباب أغلقته به , فتكون حينئذ قد بنيت حصنا تحصنت فيه من
أعدائك إذا طاف به العدو لم يجد منه مدخلا فييأس منك. ثم تعاهد بناء
الحصن كل وقت , فان العدو إذا لم يطمع في الدخول من الباب نقّب عليك
النقوب من بعيد بمعاول الذنوب, فان أهملت أمره وصل إليك النقب , فإذا
العدو معك في داخل الحصن فيصعب عليك اخراجه ,
و تكون معه على ثلاث خلال :
إما أم يغلبك على الحصن , و يستولي عليه , و إما أن يساكنك فيه ,
و أما أن يشغلك بمقابلته عن تمام مصلحتك , و تعود إلى سد النقب
ولم شعث الحصن .
و إذا دخل نقبه إليك نالك منه ثلاث آفات :
إفساد الحصن , و الإغارة على حواصله و ذخائره , و دلالة السراق من
بني جنسه على عورته . فلا تزال تبتلي منه بغارة بعد غارة حتى يضعفوا
قواك و يوهنوا عزمك فتتخلى عن الحصن و تخلي بينهم و بينه .و هذه
حال أكثر النفوس مع هذا العدو, و لهذا تراهم يسخطون ربهم برضا
أنفسهم , بل برضا مخلوق مثلهم لا يملك لهم ضرا و لا نفعا , و يضيعون
كسب الدين بكسب الأموال, و يهلكون أنفسهم بما لا يبقى لهم ,
و يحرصون على الدنيا وقد أدبرت عنهم , و يزهدون في الآخرة
وقد هجمت عليهم , و يخالفون ربهم بإتباع أهوائهم , و يتكلون
على الحياة و لا يذكرون الموت , و يذكرون شهواتهم و حظوظهم
و ينسون ما عهد الله إليهم , و يهتمون بما ضمنه الله لهم و لا يهتمون
بما أمرهم به , و يفرحون بالدنيا و يحزنون على فوات حظهم منها
و لا يحزنون على فوات الجنة و ما فيها و لا يفرحون بالإيمان فرحهم
بالدرهم و الدينار , و يفسدون حقهم بباطلهم و هداهم بضلالهم
و معروفهم بمنكرهم , و يلبسون إيمانهم بظنونهم , و يخلطون حلالهم
بحرامهم, ويترددون في حيرة آبائهم وأفكارهم , و يتركون هدى الله
الذي أهداه إليهم . و من العجب أن هذا العدو يستعمل صاحب
الحصن في هدم حصنه بيديه .
من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
الفوائد من 92 إلى 95
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14575bd5aa426be6&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[92] من العلائق
و أما العلائق فهي كل ما تعلق به القلب دون الله و رسوله من ملاذ الدنيا
و شهواتها و رئاستها وصحبة الناس والتعلق بهم , و لا سبيل له إلى
قطع هذه الأمور الثلاثة و رفضها إلا بقوة التعلق بالمطلب الأعلى , و إلا
فقطعها عليه بدون تعلّقه بمطلوبه ممتنع . فان النفس لا تترك مألوفها
و محبوبها إلا لمحبوب هو أحب إليها منه آثر عندها منه . و كلما قوي
تعلقه بمطلوبه ضعف تعلقه بغيره . و كذا بالعكس و التعلق بالمطلوب
هو شدة الرغبة فيه . و ذلك على قدر معرفته به و شرفه وفضله
على ما سواه ..
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14575bd5aa426be6&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
[93] حاجة الناس الى الرسول صلى الله عليه وسلم
لما كمل للرسول صلى الله عليه وسلم مقام الافتقار إلى الله سبحانه أحوج
الخلائق كلهم إليه في الدنيا و الآخرة . أما حاجتهم إليه في الدنيا فأشد من
حاجتهم إلى الطعام و الشراب و النفس الذي به حياة أبدانهم . و أما
حاجتهم إليه في الآخرة فإنهم يستشفعون بالرسل الى الله حتى يريحوهم
من ضيق مقامهم . فكلهم يتأخر عن الشفاعة فيشفع لهم , و هو الذي
يستفتح لهم باب الجنة . في صحيح مسلم كتاب الإيمان حديث
عن أنس بن مالك عن رسول الله أنه قال :
( آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن :
من أنت , فأقول محمد . فيقول : لك أمرت لا أفتح لأحد قبلك )
1\188رقم(333) .
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14575bd5aa426be6&attid=0.6&disp=emb&zw&atsh=1
[94] من علامات السعادة والفلاح
من علامات السعادة و الفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه
و رحمته . و كلما زيد في عمله زيد في خوفه وحذره . و كلما زيد في
عمره نقص من حرصه . و كلما زيد في ماله زيد في سخائه و بذله .
و كلما زيد في قدره و جاهه زيد في قربه من الناس و قضاء حوائجهم
و التواضع لهم .وعلامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره و
تيهه , و كلما زيد في عمل زيد في فخره و احتقاره للناس و حسن ظنه
بنفسه , و كلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه . و هذه الأمور
ابتلاء من الله و امتحان يبتلي بها عباده فيسعد بها أقوام ويشقى بها أقوام
و كذلك الكرامات امتحان و ابتلاء , كالملك و السلطان و المال ..
قال تعالى عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس :
{ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ }
النمل40.
فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور.
كما أن المحن بلوى منه سبحانه, فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب,
قال تعالى :
{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ...}
الفجر 15-17,
أي ليس كل ما وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون ذلك إكراما مني له ,
و لا كل من ضيّقت عليه رزقه و ابتليته يكون ذلك إهانة مني له .
( أي ليس الأمر كما زعم لا في هذا و لا في هذا فان الله تعالى يعطي المال
من يحب ومن لا يحب و يضيق على من يحب ومن لا يحب , و إنما المدار
في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين إذا كان غنيّا بأن يشكر الله
على ذلك وان كان فقيرا بأن يصبر أنظر تفسير ابن كثير 4\509) ..
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14575bd5aa426be6&attid=0.7&disp=emb&zw&atsh=1
[95] الأعمال درجات وأساسها الإيمان
من أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه و إحكامه وشدة الاعتناء به. فان
علو البنيان على قدر توثيق الأساس و إحكامه . فالأعمال و الدرجات
بنيان وأساسها الأيمان , و متى كان الأساس وثيقا حمل البنيان واعتلى
عليه . و إذا تهدم شيء من البنيان سهل تداركه, و إذا كان الأساس غير
وثيق لم يرتفع البنيان ولم يثبت , و إذا تهدم شيء من الأساس سقط
البنيان أو كاد . فالعارف همّته تصحيح الأساس و إحكامه , و الجاهل
يرفع في البناء من غير أساس فلا يلبث بنيانه أن يسقط .
قال تعالى :
{ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ
أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ }
التوبة 109.
فالأساس لبناء الأعمال كالقوة لبدن الإنسان , فإذا كانت القوة قوية حملت
البدن و دفعت عنه كثيرا من الآفات , و إذا كانت القوة ضعيفة ضعف
حملها للبدن وكانت الآفات إليه أسرع شيء, فاحمل بنيانك على قوة
أساس الإيمان , فإذا تشعث شيء من أعالي البناء و سطحه كان
تداركه أسهل عليك من خراب الأساس .
و هذا الأساس أمران :
صحة المعرفة بالله و أمره و أسمائه و صفاته . و الثاني : تجريد الانقياد
له و لرسوله دون ما سواه , فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه بنيانه ,
و بحسبه يعتلي البنيان ما شاء . فاحكم الأساس , و احفظ القوة , و دم
على الحمية , و استفرغ إذا زاد بك الخلط , و القصد القصد و قد بلغت
المراد , و إلا فما دامت القوة ضعيفة والمادة الفاسدة موجودة
و الاستفراغ معدوما :
فاقر السلام على الحياة فإنها قد آذنتك بسرعة التوديع
فإذا كمل البناء فبيضه بحسن الخلق و الإحسان إلى الناس , ثم حطه
بسور من الحذر, لا يقتحمه عدو, و لا تبدو منه العورة , ثم أرخ الستور
على أبوابه , ثم أقفل الباب الأعظم بالسكوت عما تخشى عاقبته , ثم ركب
له مفتاحا من ذكر الله به تفتحه و تغلقه , فان فتحت فتحت بالمفتاح وان
أغلقت الباب أغلقته به , فتكون حينئذ قد بنيت حصنا تحصنت فيه من
أعدائك إذا طاف به العدو لم يجد منه مدخلا فييأس منك. ثم تعاهد بناء
الحصن كل وقت , فان العدو إذا لم يطمع في الدخول من الباب نقّب عليك
النقوب من بعيد بمعاول الذنوب, فان أهملت أمره وصل إليك النقب , فإذا
العدو معك في داخل الحصن فيصعب عليك اخراجه ,
و تكون معه على ثلاث خلال :
إما أم يغلبك على الحصن , و يستولي عليه , و إما أن يساكنك فيه ,
و أما أن يشغلك بمقابلته عن تمام مصلحتك , و تعود إلى سد النقب
ولم شعث الحصن .
و إذا دخل نقبه إليك نالك منه ثلاث آفات :
إفساد الحصن , و الإغارة على حواصله و ذخائره , و دلالة السراق من
بني جنسه على عورته . فلا تزال تبتلي منه بغارة بعد غارة حتى يضعفوا
قواك و يوهنوا عزمك فتتخلى عن الحصن و تخلي بينهم و بينه .و هذه
حال أكثر النفوس مع هذا العدو, و لهذا تراهم يسخطون ربهم برضا
أنفسهم , بل برضا مخلوق مثلهم لا يملك لهم ضرا و لا نفعا , و يضيعون
كسب الدين بكسب الأموال, و يهلكون أنفسهم بما لا يبقى لهم ,
و يحرصون على الدنيا وقد أدبرت عنهم , و يزهدون في الآخرة
وقد هجمت عليهم , و يخالفون ربهم بإتباع أهوائهم , و يتكلون
على الحياة و لا يذكرون الموت , و يذكرون شهواتهم و حظوظهم
و ينسون ما عهد الله إليهم , و يهتمون بما ضمنه الله لهم و لا يهتمون
بما أمرهم به , و يفرحون بالدنيا و يحزنون على فوات حظهم منها
و لا يحزنون على فوات الجنة و ما فيها و لا يفرحون بالإيمان فرحهم
بالدرهم و الدينار , و يفسدون حقهم بباطلهم و هداهم بضلالهم
و معروفهم بمنكرهم , و يلبسون إيمانهم بظنونهم , و يخلطون حلالهم
بحرامهم, ويترددون في حيرة آبائهم وأفكارهم , و يتركون هدى الله
الذي أهداه إليهم . و من العجب أن هذا العدو يستعمل صاحب
الحصن في هدم حصنه بيديه .