المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 27.06.1435


adnan
04-28-2014, 08:27 PM
إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم

[ التشبه بالكفار ]

لا شك أن الدين الإسلامي ليس حريصاَ على تميز المسلمين في المضمون
فحسب وإنما حتى في المظهر العام للمسلم في نفسه وللمجتمع الإسلامي
في عمومه. ولذلك كان النهي عن التشبه بالكفار أحد التكاليف الربانية
لهذه العقيدة. وقد حفل الكتاب والسنة بأدلة كثيرة حول هذه القضية.
لأن التشبه بالكفار في الظاهر يورث التشبه بهم في العقيدة أو مودتهم،
ومسايرتهم وموافقتهم على هواهم مما يحدث التميع في حياة المسلم
ويجعله إمعة يتبع كل ناعق، والله يريد له العزة والكرامة.

وإذا تمعنا في طريقة التربية القرآنية:
وجدنا أن الإسلام ربى المسلمين على العقيدة الصحيحة فترة طويلة قبل
نزول التكاليف، فلما رست جذور هذه الشجرة المباركة في النفوس جاءت
التكاليف واحداً إثر الآخر مما جعل المسلمين يترقون في هذا السلم
التربوي الإيماني إلى الذروة.

من هنا جاء النهي عن التشبه بالكفار في العهد المدني. وذلك بعد الجهاد
من أجل صيانة وحماية المجتمع الإسلامي من كل دخيل، وحرصاً على
بناء الشخصية الإسلامية الفريدة. فكما أن هذه العقيدة فريدة في مضمونها
وجوهرها فهي أيضاً فريدة في شكلها ومظهرها. لذا وجب على صاحبها
أن يكون متميزاً بعد أن أخرجه الله من الظلمات إلى النور.وتجتاح العالم
الإسلامي اليوم موجة من التبعية الجارفة في كل شيء، ومن ذلك التشبه
بالغرب الكافر من قبل ضعاف الإيمان الذين يرون أن ذلك الفعل هو سبيل
التقدم والرقي!

وفي هذا يقول الأستاذ محمد أسد
(… وإن السطحيين من الناس فقط ليستطيعوا أن يعتقدوا أنه من الممكن
تقليد مدنية ما في مظاهرها الخارجية من غير أن يتأثروا في الوقت نفسه
بروحها."إن المدنية ليست شكلاً أجوف فقط، ولكنها نشاط حي. وفي
اللحظة التي نبدأ فيها. بتقبل شكلها تأخذ مجاريها الأساسية ومؤثراتها
الفعالة تعمل فينا، ثم تخلع على اتجاهنا العقلي كله شكلاً ولكن ببطء ومن
غير أن نلحظ ذلك.ولقد قدر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الاختيار
حق قدره حينـما قال:

( من تشـبه بقـوم فهـو منهم )

. وهذا الحديث المشهور ليس إيماءة أدبية فحسب، بل تعبير إيجابي
يدل على أن لا مفر من أن يصطبغ المسلمون بالمدنية التي يقلدونها؟
"ومن هذه الناحية قد يستحيل أن نرى الفرق الأساسي بين "المهم"
وبين غير المهم في نواحي الحياة الاجتماعية وليس ثمة خطأ أكبر من
أن نفترض أن اللباس – مثلاً – شيء خارجي بحت وأن لا خوف منه
على "حياة الإنسان" العقلية والروحية. إنه على وجه العموم نتيجة تطور
طويل الأمد لذوق شعب ما في ناحية معينة وزي هذا اللباس يتفق مع
الإدراك البديعي لذلك الشعب ومع ميوله. لقد تشكل هذا الزي ثم ما فتئ
يبدل أشكاله باستمرار حسب التبدل الذي طرأ على خصائص ذلك الشعب
وميوله. وبلبس الثياب الأوربية يوافق المسلم من غير شعور ظاهر بين
ذوقه والذوق الأوربي ثم يشوه "حياته" العقلية بشكل يتفق نهائياً مع
اللباس الجديد وبعمله هذا يكون (المسلم) قد تخلى عن الإمكانيات الثقافية
لقومه، وتخلى عن ذوقهم التقليدي، وتقبل لباس العبودية العقلية الذي
خلعته عليه المدنية الأجنبية.

" إذا حاكى المسلم أوروبة في لباسها، وعاداتها وأسلوب حياتها فإنه
يتكشف عن أنه يؤثر المدنية الأوربية، مهما كانت دعواه التي يعلنها،
وإنه لمن المستحيل عملياً أن تقلد مدنية أجنبية في مقاصدها العقلية
والبديعية من غير إعجاب بروحها، وإنه لمن المستحيل أن تعجب بروح
مدنية مناهضة للتوجيه الديني، وتبقى مع ذلك مسلماً صحيحاً.
(إن الميل إلى تقليد التمدن الأجنبي نتيجة الشعور بالنقص هذا ولا شيء
سواه، ما يصاب به المسلمون الذين يقلدون المدنية الغربية)

وأصل المشابهة:
أن الله جبل بني آدم – بل سائر المخلوقات – على التفاعل بين الشيئين
المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر: كان التفاعل في الأخلاق
والصفات أتم. والمشاركة بين بني الإنسان أشد تفاعلاً فلأجل هذا
الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم فاكتسب بعضهم، أخلاق
بعض بالمشاركة والمعاشرة.

والمشابهة في الأمور الظاهرة:
توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي،
وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين أقل كفراً من
غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى
هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام

ثم إن المشاركة في الهدي الظاهر:
توجب مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان وهذا أمر محسوس،
بل إنها تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة
في الباطن تورث المشابهة في الظاهر.وإذا كانت المشابهة في الأمور
الدنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ نعم.
إنها تقتضي إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد. والمحبة لهم تنافي الإيمان
كما قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
[ المائدة: 51].

وثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان، لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم
وهنا لابد أن نورد بعض النصوص الكثيرة والمستفيضة من الكتاب
والسنة التي نهت عن مشابهة الكفار واتباع أهوائهم.
منها قوله تعالى:

{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }
[ الجاثية: 18-19].

قال الله سبحانه:

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ
فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ
فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا
وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }
[الجاثية: 16-19]

أخبر سبحانه، أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا
بعد مجيء العلم بغياً من بعضهم على بعض.ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم
على شريعة شرعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين
لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته.
وأهواؤهم: هو ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر،
الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم
فيه، اتباع لما يهوونه، ولهذا: يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في
بعض أمورهم، ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا عظيماً ليحصل ذلك،
ولو فرض أن ليس الفعل من اتباع أهوائهم فلا ريب أن مخالفتهم في
ذلك أحسم لمادة متابعتهم وأعون على حصول مرضاة الله في تركها،
وأن موافقتهم في ذلك قد تكون ذريعة إلى موافقتهم في غيره، فإن "
من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه " وأي الأمرين كان، حصل
المقصود في الجملة، وإن كان الأول أظهر.
وفي هذا الباب قوله سبحانه:

{ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ
إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا
وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ }
[الرعد: 36-37].

فالضمير في أهوائهم، يعود - والله أعلم - إلى ما تقدم ذكره، وهم
الأحزاب الذين ينكرون بعضه، فدخل في ذلك كل من أنكر شيئاً من القرآن:
من يهودي، ونصراني، وغيرهما. وقد قال:

{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }
[ البقرة: 120]

ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم، إتباع لأهوائهم،
بل يحصل إتباع أهوائهم بما هو دون ذلك.
ومن هذا - أيضاً - قوله تعالى:

{ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ
قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ
مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }
[البقرة: 120].

فانظر كيف قال في الخبر:
مِلَّتَهُمْ وقال في النهي: أَهْوَاءهُم، لأن القوم لا يرضون إلا بإتباع الملة
مطلقاً، والزجر وقع عن إتباع أهوائهم في قليل أو كثير، ومن المعلوم
أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين، نوع متابعة لهم في بعض
ما يهوونه، أو مظنة لمتابعتهم فيما يهوونه، كما تقدم.
ومن هذا الباب قوله سبحانه:

{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ
وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ
إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ
وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ
فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ
أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ
لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ }
[البقرة: 145- 150].

قال غير واحد من السلف:
معناه، لئلا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة، فيقولون: قد وافقونا
في قبلتنا، فيوشك أن يوافقونا في ديننا، فقطع الله بمخالفتهم في القبلة
هذه الحجة، إذ الحجة: اسم لكل ما يحتج به من حق وباطل