المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد من 116 إلى 119 / من الفوائد لابن القيم


adnan
04-29-2014, 09:44 PM
الأخت / الملكة نـــور

من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
الفوائد من 116 إلى 119
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145a8b1e0eff21af&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[116] في القدر
رب ذو إرادة أمر عبدا ذا إرادة , فان وفّقه وأراد من نفسه أن يعينه
ويلهمه فعل ما أمر به. وان خذله وخلاه و إرادته ونفسه, وهو من هذه
الحيثية لا يختار إلا ما تهواه نفسه وطبعه, فهو من حيث هو إنسان لا
يريد إلا ذلك. ولذلك ذمّه الله في كتابه من هذه الحيثية ولم يمدحه إلا بأمر
زائد على تلك الحيثية ,
و هو كونه مسلما ومؤمنا وصابرا ومحسنا وشكورا و تقيا وبرا , و نحو ذلك .
وهذا أمر زائد على مجرّد كونه
إنسانا و إرادته صالحة, ولكن لا يكفي مجرّد صلاحيتها إن لم تؤيد بقدر
زائد على ذلك و هو النوفيق , كما أنه لا يكفي في الرؤية مجرّد صلاحية
العين للإدراك إن لم يحصل سبب آخر من النور المنفصل عنها ..
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145a8b1e0eff21af&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
[117] أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم لنفسك
وقلبك خال من تعظّم الله تعالى
من أعظم الظلم والجهل أن تطلب التعظيم و التوقير لك من الناس وقلبك
خال من تعظيم الله و توقيره , فانك توقّر المخلوق و تجلّه أن يراك في
حال لا توقّر الله أن يراك عليها ,
قال تعالى :

{ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا }
نوح13,

أي لا تعاملونه معاملة من توقّرونه , و التوقير: العظمة .
و منه قوله تعالى :

{ وتوقّروه }
الفتح من الآية 9

قال الحسن :
ما لكم لا تعرفون الله حقا ولا تشكرونه ؟

و قال مجاهد :
لا تبالون فظمة ربكم .

و قال ابن زيد:
لا ترون لله طاعة .

و قال ابن عباس :
لا تعرفون حق عظمته
الجامع لأحكام القرآن 18\196.

وهذه الأقوال ترجع الى معنى واحد, وهو أنهم لو عظّموا الله وعرفوا حق
عظمته و حّدوه وأطاعوه وشكروه, فطاعته سبحانه , و اجتناب معاصيه
, و الحياء منه, بحسب وقاره في القلب .

و لهذا قال بعض السلف :
ليعظم وقار الله في قلب أحدكم أ، يذكره حين يستحي من ذكره , فيقرن
اسمه به كما تقول : قبّح الله الكلب والخنزير والنتن و نحوذلك ,
فهذا من وقار الله .

و من وقاره أن لا تعدل به شيئا من خلقه , لا في اللفظ , بحيث تقول :
والله و حياتك , مالي إلا الله وأنت , و ما شاء الله وشئت , و لا في الحب
و التعظيم و الإجلال , ولا في الطاعة , فتطيع المخلوق في أمره ونهيه
كما تطيع الله , بل أعظم , كما عليه أكثر الظامة و الفجرة , و لا في
الخوف و الرجاء . و يجعله أهون الناظرين إليه , و لا يستهين بحقه
و يقول : هو مبني على المسامحة , و لا يجعله على الفضلة , و يقدّم حق
المخلوق عليه , و لا يكون الله ورسوله في حد وناحية, و الناس في
ناحية وحد , و يكون في الحد والشق الذي فيه الناس دون الحد والشق
الذي فيه الله و رسوله , و لا يعطي المخلوق في مخاطبته قلبه ولبه
و يعطي الله في خدمته بدنه ولسانه دون قلبه و روحه , و لا يجعل مراد
نفسه مقدما على مراد ربه .فهذا كله من عدم وقار الله في القلب, ومن
كان كذلك فان الله لا يلقي في قلوب الناس وقارا ولا هيبة, بل يسقط وقاره
وهيبته من قلوبهم, وان وقّروه مخافة شرّه فذاك وقار بغض لا وقار حب
وتعظيم, ومن وقار الله أن يستحي من اطلاعه على سره و ضميره فيرى
فيه ما يكره . و من وقاره أن يستحي منه في الخلوة أعظم مما يستحي
من أكابر الناس .

و المقصود أن
من لا يوقّر الله و كلامه , و ما آتاه من العلم والحكمة كيف يطلب من
الناس توقيره .القرآن و تعالم وكلام الرسول صلى الله عليه و سلّم صلات
من الحق, وتنبيهات و روادع و زواجر واردة إليك , والشيب رادع
وموقظ قائم بك, فلا ما ورد إليك وعظك! ولا ما قام بك نصحك! ومع هذا
تطلب التوقير والتعظيم من غيرك ! فأنت مصاب لم تؤثّر فيه مصيبته
وعظا و انزجارا , وهو يطلب من غيره أن يتّعظ و ينزجر بالنظر إلى
مصابه . فالضرب لم يؤثر فيه جزرا, وهو يريد الانزجار ممن نظر إلى ضربه .

من سمع بالمثلات والعقوبات والآيات في حق غيره ليس كمن رآها عيانا
في غيره, فكيف بمن وجدها في نفسه؟:

{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ }
فصلت 53,

فآياته في الآفاق مسموعة معلومة, وآياته في النفس مشهودة مرئيّة,
فعياذا بالله من الخذلان .
قال تعالى :

{ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ *
وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }
يونس 96,97,

وقال:

{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْء قُبُلًا
مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاء اللَّه }
الأنعام 111.

والعاقل المؤيد بالتوفيق يعتبر بدون هذا, و يتمم نقائص خلقته بفضائل
أخلاقه و أعماله , فكلما امتحى من جثمانه أثر, زاد إيمانه أثر, وكلما
نقص من قوى بدنه, زاد في قوة إيمانه ويقينه ورغبته في الله والدار
الآخرة, وان لم يكن هكذا فالموت خير له؛ لأنه لا يقف به على حد معين
من الألم والفساد, بخلاف العيوب والنقائص مع طول العمر, فإنها زيادة
في ألمه وهمّه وغمّه وحسرته , و إنما حسن طول العمر ونفع ليحصل
التذكّر والاستدراك واغتنام الغرض والتوبة النصوح
كما قال تعالى :

{ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ }
فاطر 37,

فمن لم يورثه التعمير و طول البقاء إصلاح معائبه , و تدارك فارطه ,
واغتنام بقيّة أنفاسه, فيعمل على حياة قلبه , و حصول النعيم المقيم ,
و إلا فلا خير له في حياته .

فان العبد على جناح سفر إما إلى الجنة و إما إلى النار. فإذا طال عمره ,
وحسن عمله , كان طول سفره زيادة له في حصول النعيم و اللذة , فانه
كلما طال السفر إليها كانت الصبابة أجلّ و أفضل , و إذا طال عمره ,
و ساء عمله كان طول سفره زيادة في ألمه وعذابه, ونزولا له إلى أسفل
: فالمسافر إما صاعد و إما نازل ,
و في الحديث المرفوع :

( خيركم من طال عمره وحسن عمله,
وشرّكم من طال عمره و قبح عمله )
الترمذي في السنن 4\566 رقم 2330.

فالطالب الصادق في طلبه كلما خرب شيء من ذاته , جعله عمارة لقلبه
و روحه , و كلما نقص شيء من دنياه , جعله زيادة في آخرته , و كلما
منع شيئا من لذّات دنياه , جعله زيادة في لذّات آخرته . فنقصان بدنه
و دنياه و لذته وجاهه و رئاسته إن زاد في حصول ذلك و توفيره عليه
في معاده , كان رحمة به و خيرا له , و إلا كان حرمانا وعقوبة على
ذنوب ظاهرة أو باطنة, أو ترك واجب أو باطن , فن حرمان خير الدنيا
و الآخرة مرتّب على هذه الأربعة , و بالله التوفيق .
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145a8b1e0eff21af&attid=0.6&disp=emb&zw&atsh=1
(فائدة) [118] مثل المرء في الحياة الدنيا كمثل مسافر
الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين , و ليس لهم حط رحالهم إلا في
الجنة أو في النار . و العاقل يعلم أن السفر مبني على المشقّة و ركوب
الأخطار . و من المحال عادة أن يطلب فيه نعيم و لذّة وراحة , إنما ذلك
بعد انتهاء السفر . و من المعلوم أن كل وطأة قدم, أ, كل آ، من آنات
السفر غير واقفة , و لا المكلف واقف , و قد ثبت أنه مسافر على الحال
التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل , و إذا نزل
أو نام أو استراح فعلى قدم الاستعداد للسير ..
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145a8b1e0eff21af&attid=0.7&disp=emb&zw&atsh=1
[119] (فائدة) الاشتغال بالمشاهدة
عند العارفين أن الاشتغال بالمشاهدة عن الجد في السير في السر وقوفه ,
لأنه في زمن المشاهدة لو كان صاحب عمل ظاهر أو باطن أو ازدياد من
معرفة و إيمان مفصّل كان أولى به , فان اللطيفة الإنسانية تحشر على
صورة عملها و معرفتها وهمّتها و إرادتها , والبدن يحشر على صورة
عمله الحسن أو القبيح . و إذا انتقلت من هذه الدار شاهدت حقيقة ذلك .
وعلى قدر قرب قلبك من الله تبعد من الأنس بالناس و مساكنتهم , وعلى
قدر صيانتك لسرّك و إرادتك يكون حفظه . و ملا ذلك صحة التوحيد , ثم
صحّة العلم بالطريق , ثم صحة الإرادة , ثم صحة العمل . و الحذر كل
الحذر من قصد الناس لك و إقبالهم عليك وأن يعثروا على موضع
غرضك ؛ فإنها الآفة العظمى .