المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد من 124 إلى 126 / من الفوائد لأبن القيم


adnan
05-02-2014, 04:11 PM
الأخت / الملكة نـــور


من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
الفوائد من 124 إلى 126
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145b2d856d86fb4e&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[124] اللذة المحرّمة ممزوجة بالقبح
اللذة المحرّمة ممزوجة بالقبح حال تناولها, مثمرة للألم بعد انقضائها,
فإذا اشتدّت الداعية منك إليها , ففكر في انقطاعها, وبقاء قبحها و ألمها ,
ثم وازن بين الأمرين , و انظر ما بينهما من التفاوت , والتعب بالطاعة
ممزوج بالحسن, مثمر للذة و الراحة , فإذا ثقلت على النفس , ففكر في
انقطاع تعبها , و بقاء حسنها و لذتها و سرورها , و وازن بين الأمرين ,
و آثر الراجح على المرجوح , فان تألّمت بالسبب, فانظر إلى ما في
السبب من الفرحة و السرور و اللذة , يهن عليك مقاساته , و إن تألمت
بترك اللذة المحرمة , فانظر إلى الألم الذي يعقبه , ووازن بين الألمين ,
و خاصيّة العقل تحصيل أعظم المنفعتين بتفويت أدناهما و احتمال
أصغر الألمين لدفع أعلاهما .وهذا يحتاج إلى علم بالأسباب ومقتضياتها ,
و إلى عقل يختار به الأولى و الأنفع له منها , فمن وفّر قسمه من العقل
العلم اختار الأفضل و آثره , و من نقص حظه منهما أو من أحدهما اختار
خلافه , و من فكّر في الدنيا و الآخرة علم أنه لا ينال واحدا منهما
إلا بمشّقة , فليتحمّل المشقّة لخيرهما و أبقاهما .
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145b2d856d86fb4e&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
[125] لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر
لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمر, و له عليه فيه نهي , و له
فيه نعمة , و له به منفعة و لذة . فان قام لله في ذلك العضو بأمره ,
و اجتنب فيه نهيه , فقد أدّى شكر نعمته عليه فيه , و سعى في تكميل
انتفاعه و لذته به , وان عطّل أمر الله و نهيه فيه , عطّله الله من انتفاعه
بذلك العضو , و جعله من أكبر أسباب ألمه و مضرّته .وله عليه في كل
وقت من أوقاته عبوديّة تقدمه إليه , وتقرّبه منه , فان شغل وقته بعبودية
الوقت , تقدم تلى ربه , و إن شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخّر, فالعبد
لا يزال في تقدّم أو تأخّر , و لا وقوف على الطريق البتّة
. قال تعالى :

{ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّم أَوْ يَتَأَخَّر }
المدثر 37.
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145b2d856d86fb4e&attid=0.6&disp=emb&zw&atsh=1
[126]

{ فَرِيْقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيْقٌ فِي السَّعِيْرِ }

أقام الله سبحانه هذا الخلق بين الأمر و النهي , والعطاء و المنع .
فافترقوا فرقتين :فرقة قابلت أمره بالترك, ونهيه بالارتكاب, وعطاءه
بالغفلة عن الشكر و منعه بالسخط, وهؤلاء أعداؤه , و فيهم من العداوة
بحسب ما فيهم من ذلك .و قسم قالوا : إنما نحن عبيدك , فان أمرتنا
سارعنا إلى الإجابة , وان نهيتنا أمسكنا نفسنا , و كففناها عمّا نهيتنا عنه
, و إن أعطيتنا حمدناك و شكرناك, وان منعتنا تضرّعنا إليك وذكرناك .
فليس بين هؤلاء و بين الجنة إلا ستر الحياة الدنيا , فإذا مزّقه عليه
الموت , صاروا إلى الحسرة و الألم .فإذا تصادمت جيوش الدنيا والآخرة
في قلبك, وأردت أن تعلم من أي الفريقين أنت, فانظر مع من تميل منهما,
ومع من تقاتل, اذ لا يمكنك الوقوف بين الجيشين, فأنت مع أحدهما لا
محالة. فالفريق الأول استغشوا الهوى فخالفوه , و استنصحوا بالعقل
فشاوروه , وفرّغوا قلوبهم للفكر فيما خلقوا له , وجوارحهم للعمل بما
أمروا به , وأوقاتهم لعمارتها بما يعمر منازلهم في الآخرة , و استظهروا
على سرعة الأجل بالمبادرة إلى الأعمال , وسكنوا الدنيا وقلوبهم مسافرة
عنها , و استوطنوا الآخرة قبل انتقالهم إليها , واهتموا بالله على قدر
حاجتهم إليه , وتزودوا للآخرة على قدر مقامهم فيها , فجعل لهم سبحانه
من نعيم الجنة وروحها أن آنسهم بنفسه , و أقبل بقلوبهم إليه , وجمعها
على محبته , و شوقهم إلى لقائه , و نعمهم بقربه , و فرغ قلوبهم مما
ملأ قلوب غيرهم من محبة الدنيا و الهم والحزن على فوقها, والغم من
خوف ذهابها, فاستلانوا ما استرعوه المترفون , و أنسوا بما استوحش
منه الجاهلون , صحبوا الدنيا بأبدانهم , و الملأ الأعلى بأرواحهم .