المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد من 127 إلى 129 / من الفوائد لابن القيم


adnan
05-03-2014, 09:40 PM
الأخت / الملكة نـــور


من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
الفوائد من 127 إلى 129
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145b7fb424c2a16b&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[127] صفات التوحيد
التوحيد ألطف شيء وأنزهه وأنظفه وأصفاه, فأدنى شيء يخدشه ويدنّسه
ويؤثّر فيه, فهو كأبيض ثوب يكون, يؤثّر فيه أدنى أثر, وكالمرآة الصافية
جدا, أدنى شيء يؤثر فيها. ولهذا تشوشه الحظة واللفظة والشهوة
الخفية, فان بادر صاحبه وقلع ذلك الأثر بضده, والا اساحكم وصار
طبعا يتعسّر عليه قلعه.

وهذه الآثار والطبوع التي تحصل فيه:
منها ما يكون سريع الحصول بطيء الزوال, ومنها ما يكون بطيء
الحصول سريع الزوال, ومنا ما يكون بطيء الحصول بطيء الزوال.
ولكن من الناس ما يكون توحيده كبيرا عظيما, ينغمر فيه كثير من تلك
الآثار, ويستحيل فيه بمنزلة الماء الكثير الذي يخالطه أدنى نجاسة
أو وسخ, فيغتر به صاحب التوحيد الضعيف بما خلط به صاحب التوحيد
العظيم الكثير توحيده, فيظهر من تأثيره فيه ما لم يظهر في التوحيد
الكثير. وأيضا فان المحل الصافي جدا يظهر لصاحبه مما يدنّسه ما
لا يظهر في المحل الذي لم يبلغ في الصفاء مبلغه, فيتداركه بالزالة دون
هذا فانه لا يشعر به أيضا فان قوة الايمان والتوحيد اذا كانت قوية جدا
أحالت المواد الرديئة وقهرتها, بخلاف القوة الضعيفة, وأيضا فان صاحب
المحاسن الكثيرة والغامرة للسيئات ليسامح بما لا يسامح به من أتى مثل
تلك السيئات وليست له مثل المحاسن, كما قيل:

واذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع

وأيضا فان صدق الطلب, وقوة الارادة, وكمال الانقياد يحيل تلك العوارض
والغواشي الغريبة الى مقتضاه وموجبه, كما أن الكذب, وفساد القصد,
وضعف الانقياد يحيل الأقوال والأفعال الممدوحة الى مقتضاه وموجبه,
كما يشاهد ذلك في الأخلاط الغالبة, واحالتها لصالج الأغذية الى طبعها.
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145b7fb424c2a16b&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
[128] (فائدة) ترك الشهوات لله
ترك الشهوات لله وان أنجى من عذاب الله وأوجب الفوز برحمته, فذخائر
الله, وكنوز البر, ولذة الأنس, والشوق اليه, والفرح والابتهاج به,
لا تحصل في قلب فيه غيره, وان كان من أهل العبادة والزهد والعلم,
فان الله سبحانه أبى أ، يجعل ذخائره في قلب فيه سواه, وهمّته متعلّقة
بغيره, وانما يودع ذخائره في قلب يرى الفقر غنى مع الله, والغنى فقرا
دون الله والعز ذلا دونه, والذل عزا معه, وبالجملة, فلا يرى الحياة الا به
ومعه, والموت والألم والهم والغم والحزن, اذا لم يكن معه, فهذا له جنتان
جنة في الدنيا معجلة, وجنة يوم القيامة مؤجلة.
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145b7fb424c2a16b&attid=0.6&disp=emb&zw&atsh=1
[129] (فائدة) الإنابة إليه تعالى
الانابة هي عكوف القلب على الله عز وجل كاعتكاف البدن في المسجد
لا يفارقه. وحقيقة ذلك عكوف القلب على محبّته, وذكره بالاجلال
والتعظيم, وعكوف الجوارح على طاعته, بالاخلاص له, والمتابعة
لرسوله صلى الله عليه وسلم, ومن لم يعكف قلبه على الله وحده, عكف
على التمائيل المتنوعة, كما قال امام الحنفاء لقومه:

{ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ }
آل عمران 67

. فاقتسم هو وقومه حقيقة العكوف, فكان حظ قومه العكوف على التماثيل,
وكان حظه العكوف على الرب الجليل. والتماثيل جمع تمثال, وهي الصور
الممثلة. فتعلق القلب بغير الله, واشتغاله به, والركون اليه, عكوف منه
على التمائيل التي قامت بقلبه, وهو نظير العكوف على تماثيل الأصنام,
ولهذا كان شرك عبادة الأصنام بالعكوف بقلوبهم وهممهم وارادتهم على
تماثيلهم, فاذا كان في القلب تماثيل قد ملكته واستعبدته بحيث يكون عاكفا
عليها, فهو نظير عكوف الأصنام عليها,
ولهذا سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم عبدا لها
ودعا عليه بالتعس والنكس فقال:

( تعس عبد الدينار, تعس عبد الدرهم,
تعس وانتكس واذا شيك فلا انتقش )
البخاري في كتاب الجهاد 6\81 رقم (2887).

والناس في هذه الدار على جناح سفر كلهم, وكل مسافر فهو ظاعن
مقصده ونازل على من يسرّ بالنزول عليه, وطالب الله والدار الآخرة
انما هو ظاعن الى الله في حال سفره ونازل عليه عند القدوم عليه,
فهذه همته في سفره وفي انقضائه:

{ يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي الى ربك راضية مرضية *
فادخلي في عبادي * وادخلي جنّتي }
الفجر 27 -30.

وقالت امرأة فرعون:

{ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ }
التحريم 11,

فطلبت كون البيت عنده قبل طلبها أن يكون في الجنة, فان الجار قبل الدار .