المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد 139 & 140 / من الفوائد لابن القيم


adnan
05-06-2014, 08:59 PM
الأخت / الملكة نـــور


من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
الفوائد 139 & 140


[139] (فائدة جليلة) محبة الله تعالى والاتصال به
لا يزال منقطعا عن الله حتى تتصل إرادته ومحبته بوجه الأعلى والمراد
بهذا الاتصال أن تفضي المحبة إليه وتتعلق به وحده فلا يحجبها شيء
دونه وأن تتصل المعرفة بأسمائه وصفاته وأفعاله فلا يطمس نورها ظلمة
التعطيل كما لا يطمس نور المحبة ظلمة الشرك وأن يتصل ذكره به
سبحانه فيزول بين الذاكر والمذكور حجاب الغفلة والتفاته في حال الذكر
إلى غير مذكوره فحينئذ يتصل الذكر به ويتصل العمل بأوامره ونواهيه
فيفعل الطاعة لا أنه أمر بها وأحبها ويترك المناهي لكونه نهى عنها
وابغضها فهذا معنى اتصال العمل بأمره ونهيه وحقيقة زوال العلل الباعثة
على الفعل والترك من الأغراض والحظوظ العاجلة ويتصل التوكل والحب
به بحيث يصير واثقا به سبحانه مطمئنا إليه راضيا بحسن تدبيره له غير
متهم له في حال من الأحوال.ويتصل فقره وفاقته به سبحانه دون سواه
ويتصل خوفه ورجاؤه وفرحه وسروره وابتهاجه به وحده فلا يخاف
غيره ولا يرجوه ولا يفرح به كل الفرح ولا يسر به غاية السرور وإن ناله
بالمخلوق بعض الفرح والسرور فليس الفرح التام والسرور الكامل
والابتهاج والنعيم وقرة العين وسكون القلب إلا به سبحانه وما سواه
إن أعان على هذا المطلوب فرح به وسر به وإن حجب عنه فهو بالحزن
به والوحشة منه واضطراب القلب بحصوله أحق منه بأن يفرح به
فلا فرحة ولا سرور إلا به أو بما أوصل إليه وأعان على مرضاته.
وقد أخبر سبحانه أنه لا يحب الفرحين بالدنيا وزينتها وأمر بالفرح بفضله
ورحمته وهو الإسلام والإيمان والقرآن كما فسره الصحابة والتابعون.
والمقصود أن من اتصلت له هذه الأمور بالله سبحانه فقد وصل وإلا فهو
مقطوع عن ربه متصل بحظه ونفسه ملبس عليه في معرفته وإرادته وسلوكه.
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=145c763427e59aa1&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
[140](قاعدة جليلة) نعم الطاعات واللذات كلها من عند الله تعالى
قد فكرت في هذا الأمر فإذا أصله أن تعلم أن النعم كلها من الله وحده نعم
الطاعات ونعم اللذات فترغب إليه أن يلهمك ويوزعك شكرها
قال تعالى:

{ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }
النحل 53,

وقال:

{ فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
الأعراف 69,

وقال:

{ وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّه إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }
النحل 114,

وكما أن تلك النعم منه ومن ومجرد فضله فذكرها وشكرها لا ينال إلا
بتوفيقه والذنوب من خذلانه وتخليه عن عبده وتخليته بينه وبين نفسه
وإن لم يكشف ذلك عن عبده فلا سبيل له الى كشفه عن نفسه فإذا هو
مضطر إلى التضرع والابتهال إليه أن تدفع عنه أسبابها حتى لا تصدر
منه وإذا وقعت بحكم المقادير ومقتضى البشرية فهو مضطر إلى التضرع
والدعاء أن يدفع عنه موجباتها وعقوباتها فلا ينفك عن العبد عن
ضرورته إلى هذه الأصول الثلاثة ولا فلاح له إلا بها الشكر
وطلب العافية والتوبة النصوح.

ثم فكرت فإذا مدار ذلك على الرغبة والرهبة وليسا بيد العبد بل بيد مقلب
القلوب ومصرفها كيف يشاء فإن وفق عبده اقبل بقلبه إليه وملأه رغبة
ورهبة وأن خذله له تركه ونفسه ولم يأخذ بقلبه إليه ولم يسأله ذلك
وما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن ثم فكرت هل للتوفيق والخذلان سبب
أم هما بمجرد المشية لا سبب لهما فإذا سببهما أهلية المحل وعدمها فهو
سبحانه خالق المحال متفاوتة في الاستعداد والقبول أعظم تفاوت
فالجمادات لا تقبل ما يقبله الحيوان وكذلك النوعان كل منهما متفاوت
في القبول فالحيوان الناطق يقبل ما لا يقبله البهيم وهو متفاوت في
القبول أعظم تفاوت وكذلك الحيوان البهيم متفاوت في القبول لكن ليس
بين النوع الواحد م ن التفاوت كما بين النوع الإنساني فإذا كان المحل
قابلا للنعمة بحيث يعرفها ويعرف قدرها وخطرها ويشكر المنعم بها
ويثني عليه بها ويعظمه عليها ويعلم أنها من محض الجود وعين المنة
من غير أن يكون هو مستحقا لها ولا هي له ولا به وإنما هي لله وحده
وبه وحده فوحده بنعمته إخلاصا وصرفها في محبته شكرا وشهدها من
محض جوده منه وعرف قصوره وتقصيره في شكرها عجز أو ضعفا
وتفريطا وعلم أنه أن أدامها عليه فذلك محض صدقته وفضله وإحسانه
وإن سلبه إياها فهو أهل لذلك مستحق له.

وكلما زاده من نعمه ازداد زلالة وانكسارا وخضوعا بين يديه وقياما
بشكره وخشيته له سبحانه أن يسلبه إياها لعدم توفيته شكرها كما سلب
نعمته عمن لم يعرفها ولم يرعها حق رعايتها فإن لم يشكر نعمته وقابلها
بضد ما يلق أن يقابل به سلبه إياها ولا بد
قال تعالى:

{ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْننَا
أَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ }
الأنعام 53,

وهم الذين عرفوا قدر النعمة وقبلوها وأحبوها وأثنوا على المنعم بها
وأحبوه وقاموا بشكره
وقال تعالى:

{ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ
ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }
الأنعام 124.