المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سر فرض شهر رمضان


هيفولا
06-18-2014, 09:10 AM
سر فرض شهر رمضان:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

لمَّا كانت النفوس البشرية تميل إلى الدَّعة والراحة, وحبِّ التنصُّل من الأوامر والتكاليف,
فقد كان فرضُ صيام هذا الشهر الكريم أمراً ضرورياً ليتوجَّه العباد إلى عبادة الصيام,
ويحصِّلوا ما فيها من الأجر والثواب, ويجاهدوا أنفسهم على طاعة الله,
فالمفروض هو شهرٌ من اثني عشر شهراً, أو ثلاثون يوماً من ثلاثمائةٍ وستين يوماً,
والنوافل والتطوع من الصيام طوال العام مما صحت فيه الأحاديث أكثر منه لو تأملنا,
فهناك ثلاثة أيام من كل شهر, والاثنين والخميس من كل أسبوع,
والعشر من ذي الحجة, وعاشوراء ويوم قبله, والستة من شوال,
وشهر شعبان, وصيام شهر المحرم, وإن شئت صيام يوم وإفطار يوم,
فكما نرى هنا أن التطوعَ أكثرُ من الفريضة.

ومع قلة المأمور به فرضاً قياساً بالمأمور به ندباً
نرى هذا التقصير عند كثير من المسلمين,
والتقاعس عن أداء الواجبات المتحتمات, وتحصيل أجرها؟
إلا من رحم الله, والله المستعان.

***سر صيام المسلمين معاً وفطرهم معاً:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«الصوم يوم تصومون, والفطر يوم تفطرون, والأضحى يوم تضحون».
(الصحيحة/224)

وهذا فيه من إظهار وحدة الصف, وجمع الكلمة,
والاجتماع على أداء هذه الشعيرة ما الله به عليم,
وهو أمر مطلوب من وراء عبادة الصيام, فهو عبادة جماعية عظيمة,
لذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته».
مخاطباً جماعة المسلمين لا أفرادهم, سواء كان هذا الخطاب لكافة المسلمين,
أم لمن كانوا في قطر واحد, وبلد واحد.


***سر الامتناع عن المفطِّرات (الطعام والشراب والنكاح) في نهار رمضان:

قال تعالى: ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾.
فمع أن هذه الملذّاتِ كلَّها من المباحات, إلا أنها تصبح حراماً في نهار رمضان
لأمرين اثنين:
- الامتثال لأوامر الله وانقياد النفوس البشرية لطاعته من جهة,
- ولتهذيب النفوس وتخليصها من علائق الدنيا الفانية,
وتوجه العبد بكليته على طاعة ربه لطلب الملذات الباقية من جهة أخرى,
دون انشغال هذه النفس بهذه الملذات الفانية,
ولأن النفسَ البشرية مجبولةٌ على التذلل لمن كانت في حاجته,
فإذا جاعت هذه النفس أو عطشت كانت أقرب إلى خالقها ومولاها
منها في حال الشِّبع والامتلاء.

***سر الصيام الحقيقي:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»
. رواه البخاري
يعرِّف العلماء الصيام بأنه الإمساك عن المفطرات
من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس,
نعم هذا هو تعريفه الاصطلاحي, ولكن حقيقة هذه العبادة
تكمن في الإمساك عن المحرمات,
وهو أولى وأولى من الإمساك عن المباحات,
فهذه المباحات من المفطرات من طعام وشراب ونكاح هي حلال في غير نهار رمضان,
وقبل وبعد وقت الصيام, فإذا أفطر العبد عادت حلالاً,
ولكن الصيام الحقيقي المطلوب هو عما حرم اللهُ أصالةً من الكلام المحرم؛
من غيبة ونميمة وكذب وبهتان وشهادة زور ولغو وغير ذلك,
ومن السماع المحرم؛ كسماع الأغاني وغير ذلك مما حرم الله,
ومن النظر إلى المحرمات من العورات وما شابه,
ومن استخدام باقي الجوارح في معصية الله, كما قال -صلى الله عليه وسلم-:
« ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد
أو جهل عليك فقل إني صائم إني صائم».
(صحيح الجامع/5376)‌
فهذا هو الصيام الحقيقي أن يكون عما حرم الله أولاً,
ثم عن المفطرات من المباحات, وإلا فقد ضيع العبد نفسه وصومه,
وكما قال -صلى الله عليه وسلم-:
«رُبَّ صائم حظُّه من صيامه الجوع والعطش, ورُبَّ قائمٍ حظُّه من قيامه السَّهر »
.(صحيح الترغيب والترهيب/1084)‌


***سر تصفيد الشياطين في رمضان:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«إذا كان أولُ ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدتِ الشياطينُ ومَرَدة الجن،
وغُلِّقتْ أبوابُ النَّارِ فلم يفتح منها بابٌ، وفُتِّحتْ أبواب الجنة فلم يغلق منها بابٌ،
ومنادٍ ينادي: يا باغيَ الخيرِ أقبِل، ويا باغي الشر أقْصِرْ ولله عتقاءمن النَّار،
وذلك كلَّ ليلة».
«صحيح الترغيب والترهيب»(998)

لا شك أن هذا نعمةٌ من الله على عباده المؤمنين,
ليتمكن الصائمون من الإقبال على طاعة الله, وإتاحة الفرصة لهم للتوبة والإنابة,
لذا جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيمن ضيَّع هذه الفرصة أنه قال:
«أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله,
قل آمين, فقلت: آمين.
قال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله,
قل آمين, فقلت: آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار
فأبعده الله, قل آمين, فقلت: آمين».
وذلك لأن الفرصة كانت متاحةً له بكفِّ الشياطين عنه
وتصفيدها فضيَّعها في تحصيل هذه الخير العظيم.

***سر عبادة إطعام الطعام وتفطير الصائمين:
عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال: «من فطَّر صائماً؛ كان له مثل أجره, غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء».
«صحيح الترغيب والترهيب»(1078)
وذلك لتأليف القلوب وتقوية الأواصر, وشدِّ الوشائج, وفتح باب تحصيل الأجور,
فتقوى الرابطة بين المسلم وأخيه, وفيه إظهار شعيرة الصيام,
وخلق الرحمة والمودة بين الناس.

***سر كون الصيام مفتوح الأجر:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«قال الله -عزَّ وجلَّ-: كل عمل بن آدمله إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به»
. متفق عليه
وفي رواية لمسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف؛ الحسنة بعشر أمثالها,
إلى سبعمئة ضعف, قال الله تعالى: إلا الصوم؛ فإنه لي, وأنا أجزي به».
لأنه عبادة كلها صبر؛ صبر على طاعة الله, وصبر عن معصية الله,
وقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
فاستحق هذا الصائم الصابر أن يكون أجره مفتوحاً لأن صبره كان مفتوحاً.

***سر العمرة في رمضان أنها تعدل حجة:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي».
متفق عليه
جاء الحثُّ على الإكثار من التعبد لله في هذا الشهر,
ولا شك أن في الحث على أداء العمرة حث على التفرغ للعبادة في رمضان؛
فمن انشغل بأداء العمرة تفرغ تلقائياً من شؤون الدنيا وتوجه للعبادة, وفي أي مكان؟
في أطهر بقعة قد أعدت لذلك.

وختاماً:
فسر كل ما ذكرنا من العبادات والطاعات والقربات هو تحصيل تقوى الله,
كما قال تعالى: ﴿...لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
فمن لم يحصل هذه الثمرة أثناء العبادة أو بعدها,
فليراجع نفسه وليحاسبهاً فإن فيها خللاً, لأن العبادات مطلوبة لغيرها لا لذاتها,
ولذا لم تكن الجنة جزاء لها وإنما هي سبب لدخولها
كما في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«لن ينجي أحداً منكم عملُه».
قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله منه برحمته».

هيفولا:o