المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوار لماذا أصبح أزمة ؟


adnan
08-13-2014, 10:26 PM
الأخ / عبد العزيز محمد - الفقير إلي الله



الحوار .. لماذا أصبح أزمة ؟

الاختلاف بين الناس فطرة انسانية
وحقيقة طبيعية اقرها الاسلام بقوله تعالى في كتابه العزيز

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.}
(الحجرات13).

فقد خلق الله الناس مختلفين اجتماعياً وثقافياً ولغويا على الرغم
من انهم في الأساس امة واحدة قال تعالى:

{ كان الناس امة واحدة فاختلفوا }
(يونس 19)

وهذا يعني ان الاختلاف بين الناس لا يلغي الوحدة الانسانية
. وهذا مفهوم غاية في الأهمية لابد ان يكون راسخاً في اذهان الجميع
خصوصاً عند الدخول في القضايا الجدلية او فتح ابواب الحوار حول
قضية من القضايا المختلفة عليها لان القاعدة الاسلامية
كما حددها الرسول صلى الله عليه وسلم انه:

( لا فضل لعربي على عجمي ولا اسود على ابيض الا بالتقوى )

ومن ثم فان احترام الآخر كما هو (لوناً ولساناً) يشكل قاعدة من قواعد
السلوك الديني في الاسلام.

وفي ثقافتنا الاسلامية
«ان رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» وعليه
فان الحوار الجاد يتطلب احترام الآخر واحترام حقه في الدفاع عن رأيه
او موقفه وتحمل مسؤوليته فيما هو مقتنع به

لقد ارسى الاسلام قواعد للحوار
وجعله الأسلوب الامثل في الدعوة الى الله قال تعالى:

{ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
(النحل 125،)

وقال تعالى:

{ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
(العنكبوت:46).

وقال تعالى:

{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ }
(طه 44)

والامثلة في القرآن الكريم على ذلك كثيرة وتفوق الحصر والعد وفي
السيرة النبوية العطرة تطبيق رائع لقواعد الحوار وكيف كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يحاور المشركين لاقناعهم برسالته ونبوته وكذا فعل
مع الوفود التي كانت تفد اليه وكيف كان يحاور اصحابه معلماً
ومرشداً وهادياً.

وكما اسس الاسلام قواعد للحوار يرتكز عليها فقد حدد له اداباً
وقيما ومنهجاً اخلاقياً يحترم الانسان وحريته في الاختيار كما يحترم
حقه في الاختلاف والمجادلة.يتضح من ذلك ان الحوار نعمة عظيمة انعم
الله بها على الناس يستطيعون من خلالها التفاهم والتقارب والوصول الى
حدود مشتركة من وجهات النظر التي تكون دافعاً للبناء لا الهدم كما ان
الحوار من الوسائل المهمة لتحصيل المعارف واكتساب الثقافات والعلوم.
كما انه من الأهمية يمكننا من الوصول الى حلول للمشكلات التي قد تمثل
عوائق في الحياة اذ ان الناس تستطيع ان تزيل بالحوار الحواجز بينهم،
وتحقق الالفة والود وتقرب وجهات النظر وللحوار غاية عظيمة تتمثل في
اقامة الحجة ودفع الشبهة والفاسد من القول والرأي والوصول الى الحق.
هذا اذا ما سلك المتحاورون الطرق العلمية في الحوار وسلم كلام كل منهم
وادلته من التناقض وتجردوا من الاهواء الشخصية وقصدوا الحق
وابتعدوا عن التعصب، والتزموا بآداب الحوار ورضوا جميعاً وقبلوا
بنتائج الحوار والتزموا القول الحسن وتجنبوا منهج التحدي والتزم
كل طرف بموقف محدد في الكلام وخلصت نواياهم.

لكن اذا ما اعجب المرء بنفسه، وتمسك برأيه
وظن ان ما يأتي به جديد على الناس واستهان بآراء الآخرين واصر على
موقفه فهو بذلك ليس اهلاً للحوار وقد يترتب على ذلك آثار سلبية كثيرة
وكبيرة تصل أحياناً الى قطع العلاقات والخصام والشقاق واحداث نوع
من الفتن بين الناس.وكل هذه الامور قد تحدث نتيجة اختلاف في الآراء
وحوار دار بين اطراف غير مؤهلين لذلك وعلى غير دراية بقواعد
واصول وآداب الحوار.وهذا ما نهى الاسلام عنه وحذر منه لانه مدعاة
للفرقة والتشرذم وانتشار البغضاء والاحقاد بين الناس وتوسيع هوة
الخلاف بين الناس في الوقت الذي امرنا فيه الاسلام بالابتعاد عن كل
اسباب الخلاف وتنمية اسباب الألفة والمحبة والوحدة وتوطيد
اواصرها وتوثيق عراها.

لقد اصبح الحوار في الآونة الاخيرة
يشكل ازمة كبيرة نظراً لعدم قبول البعض بالآخر.
ما ادى الى كثير من الاختلافات التي اخذت اشكالاً كثيرة كلها سلبية منها
رفع الصوت بشكل غير لائق كثرة السباب والشتائم توجيه الاتهامات
بالعمالة والانحياز والتبعية تقسيم الناس الى فرق متناحرة.فما الذي جعلنا
نصل الى هذا الحد من العصبية وعدم القبول للآخر والى متى ستستمر
هذه الحالة ومتى نفق من غفلتنا ونعود الى رشدنا والى منهجنا الرباني
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.؟الحوار ظاهرة انسانية
عالمية وهي سنة إلهية نظراً لتفاوت البشر في عقولهم وأفهامهم
وأمزجتهم قال تعالى:

{ وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين *
اِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ }
سورة هود: الآيات (118- 119).

ونتيجة لهذا الاختلاف في الرأي
جاء الحوار وسيلة للوصول الى الحق والصواب وقد ضرب الله لنا المثل
برجلين تحاورا حيث كان لأحدهما جنتان مثمرتان وفيهما نهر واغتر بذلك
فحاور صاحبه المتواضع فأخبرنا الله عن حوارهما فقال تعالى:

{ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً }
سورة الكهف: من الآية (24)

فكان جواب صاحبه:

{ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ
ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً }
سورة الكهف: الآية (37).

وقد جاءت خولة بنت ثعلبة تشتكي زوجها الى رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) وهي تقول:

( يا رسول الله أكل مالي وأفنى شبابي ونثرت له بطني حتى
اذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم اني أشكو اليك
فما برحت حتى نزل جبريل بقوله تعالى:

{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي اِلَى اللَّهِ
وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا اِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }
سورة المجادلة: الآية (1).

فالحوار اذاً له أصل ثابت في منهاج الله قرآناً وسنة
وهو ينطلق من تأثيرات وأحاسيس تجيش في النفس لاظهار مبدأ
أو تصحيح خطأ أو نصرة حق أو غير ذلك ما جبلت عليه النفوس البشرية
والمحاورة والمناظرة والجدل ألفاظ قريبة من بعضها.والحوار من أهم
وسائل التفاهم بين الناس وهو من أهم وسائل المعرفة والاقناع مهما
كانت الثقافات والتوجهات وكذلك من أهم وسائل الدعوة الى الله
قال تعالى

{ ادْعُ اِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
سورة النحل: من الآية (125).