المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنفيذ جيش أسامة بن زيد


adnan
08-20-2014, 07:54 PM
الأخ / مصطفى آل حمد



فصل في تنفيذ جيش أسامة بن زيد
من كتاب البداية و النهاية لأبن كثير يرحمه الله

الذين كانوا قد أمرهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالمسير إلى تخوم
البلقاء من الشَّام حيث قتل زيد بن حارثة، وجعفر وابن رواحة، فيغتزوا
على تلك الأراضي، فخرجوا إلى الجُّرف فخيَّموا به، وكان بينهم عمر بن الخطَّاب
ويقال‏:‏ وأبو بكر الصِّديق فاستثناه رسول الله منهم للصَّلاة، فلمَّا ثقل
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أقاموا هنالك فلمَّا مات عظم الخطب
واشتدَّ الحال، ونجم النِّفاق بالمدينة، وارتدَّ من ارتدَّ من أحياء العرب حول
المدينة، وامتنع آخرون من أداء الزَّكاة إلى الصِّديق، ولم يبق للجمعة مقام
في بلد سوى مكة والمدينة، وكانت جواثا من البحرين أوَّل قرية أقامت
الجمعة بعد رجوع النَّاس إلى الحقِّ كما في صحيح البخاري عن
ابن عبَّاس كما سيأتي، وقد كانت ثقيف بالطَّائف ثبتوا
على الإسلام لم يفرُّوا ولا ارتدُّوا‏.‏

والمقصود أنَّه
لمَّا وقعت هذه الأمور أشار كثير من النَّاس على الصِّديق أن لا ينفذ جيش
أسامة لاحتياجه إليه، فيما هو أهمّ لأنَّ ما جهِّز بسببه في حال السَّلامة،
وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطَّاب، فامتنع الصِّديق من ذلك،
وأبى أشدَّ الإباء إلا أن ينفذ جيش أسامة‏.‏وقال‏:‏ والله لا أحلّ عقدة عقدها
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولو أنَّ الطَّير تخطَّفنا والسَّباع من حول
المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش
أسامة، وآمر الحرس يكونون حول المدينة، فكان خروجه في ذلك الوقت
من أكبر المصالح والحالة تلك، فساروا لا يمرُّون بحيٍّ من أحياء العرب
إلا أرعبوا منهم، وقالوا‏:‏ ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة،
فقاموا أربعين يوماً، ويقال‏:‏ سبعين يوماً، ثمَّ أتوا سالمين غانمين، ثمَّ
رجعوا فجهَّزهم حينئذ مع الأحياء الذين أخرجهم لقتال المرتدَّة وما نعي
الزَّكاة على ما سيأتي تفصيله‏.‏

قال سيف بن عمر‏:‏ عن هشام بن عروة، عن أبيه قال‏:‏ لمَّا بويع أبو بكر
وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه، قال‏:‏ ليتم بعث أسامة وقد
ارتدَّت العرب إمَّا عامَّة وإمَّا خاصَّة في كل قبيلة، ونجم النِّفاق واشرأبَّت
اليهودية والنَّصرانية، والمسلمون كالغنم المطيرة في اللَّيلة الشَّاتية لفقد
نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم وقلَّتهم وكثرة عدوِّهم‏.‏فقال له النَّاس‏:
‏ إنَّ هؤلاء جلَّ المسلمين والعرب على ما ترى قد انتقصت بك، وليس
ينبغي لك أن تفرِّق عنك جماعة المسلمين‏.‏

فقال‏:‏ والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أنَّ السِّباع تخطَّفني لأنفذت بعث
أسامة كما أمر به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولو لم يبق في القرى
غيري لأنفذته

وقد روي هذا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة‏.‏

ومن حديث القاسم وعمرة عن عائشة قالت‏:‏
لمَّا قبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ارتدَّت العرب قاطبة وأشرأبَّت
النِّفاق، والله لقد نزل بي ما لو نزل بالجِّبال الرَّاسيات لهاضها، وصار
أصحاب محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم كأنَّهم معزى مطيَّرة في وحش في
ليلة مطيرة بأرض مسبعة، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بخطلها
وعنانها وفصلها، ثمَّ ذكرت عمر فقالت‏:‏ من رأى عمر علم أنَّه خلق غنى
للإسلام، كان والله أحوذيا نسيج وحده قد أعدَّ للأمور أقرانها‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البيهقيّ‏:‏
أنَّا أبو عبد الله الحافظ، أنَّا أبو العبَّاس محمَّد بن يعقوب، ثنا محمَّد بن علي
الميمونيّ، ثنا الفريابيّ، ثنا عبَّاد بن كثير عن أبي الأعرج، عن أبي هريرة
قال‏:‏ والله الذي لا إله إلا هو لولا أنَّ أبا بكر استخلف ما عبد الله، ثمَّ قال
الثَّانية، ثمَّ قال الثَّالثة‏.‏فقيل له‏:‏ مه يا أبا هريرة‏.‏فقال‏:‏ إنَّ رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم وجَّه أسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشَّام فلمَّا نزل
بذي خشب قُبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وارتدَّت العرب حول
المدينة فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا‏:‏ يا أبا بكر ردَّ هؤلاء توجَّه
هؤلاء إلى الروم وقد ارتدَّت العرب حول المدينة‏.‏

فقال‏:‏ والذي لا إله غيره لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم ما رددت جيشاً وجَّهه رسول الله، ولا حللت لواء
عقده رسول الله، فوجَّه أسامة فجعل لا يمرُّ بقبيل يريدون الإرتداد إلا
قالوا‏:‏ لولا أنَّ لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم
حتى يلقوا الرُّوم، فلقوا الرُّوم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين، فثبتوا
على الإسلام - عبَّاد بن كثير هذا أظنه البرمكي - لرواية الفريابي عنه،
وهو متقارب الحديث، فأمَّا البصريّ الثَّقفيّ فمتروك الحديث والله أعلم‏.‏

وروى سيف بن عمر عن أبي ضمرة وأبي عمرو وغيرهما، عن الحسن
البصريّ أنَّ أبا بكر لمَّا صمَّم على تجهيز جيش أسامة، قال بعض الأنصار
لعمر‏:‏ قل له فليؤمِّر علينا غير أسامة، فذكر له عمر ذلك، فيقال‏:‏ أنَّه أخذ
بلحيته وقال‏:‏ ثكلتك أمَّك يا ابن الخطَّاب أؤمِّر غير أمير رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم ثمَّ نهض بنفسه إلى الجُّرف فاستعرض جيش أسامة
وأمرهم بالمسير وسار معهم ماشياً وأسامة راكباً وعبد الرحمن بن عوف
يقود براحلة الصِّديق‏.‏فقال أسامة‏:‏ يا خليفة رسول الله إمّا أن تركب،
وإمَّا أن أنزل‏.‏فقال‏:‏ والله لست بنازل ولست براكب، ثمَّ استطلق الصِّديق
من أسامة عمر بن الخطَّاب وكان مكتتبا في جيشه فأطلقه له، فلهذا كان
عمر لا يلقاه بعد ذلك إلا قال‏:‏ السَّلام عليك أيُّها الأمير‏.‏