المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكر ردَّة أهل البحرين و عودتهم إلى الإسلام‏


adnan
08-21-2014, 10:38 PM
الأخ / مصطفى آل حمد



ذكر ردَّة أهل البحرين وعودهم إلى الإسلام‏
البداية والنهاية لابن كثير

قال‏:‏ نعم، الثلث‏.‏قال‏:‏ ماذا أصنع به ‏؟‏قال‏:‏ إن شئت تصدَّقت به على
أقربائك، وإن شئت على المحاويج، وإن شئت جعلته صدقة من بعدك
حبساً محرماً‏.‏فقال‏:‏ إنِّي أكره إن أجعله كالبحيرة، والسَّائبة، والوصيلة،
والحام، ولكنِّي أتصدَّق به ففعل ومات، فكان عمرو بن العاص يتعجَّب منه‏.‏
فلمَّا مات المنذر ارتدَّ أهل البحرين وملَّكوا عليهم الغرور - وهو المنذر
ابن النُّعمان بن المنذر -‏.‏وقال قائلهم‏:‏ لو كان محمَّد نبياً ما مات، ولم يبق
بها بلدة على الثَّبات سوى قرية يقال لها‏:‏ جواثا، كانت أوَّل قرية أقامت
الجمعة من أهل الرِّدَّة كما ثبت ذلك في البخاري عن ابن عبَّاس، وقد
حاصرهم المرتدُّون، وضيَّقوا عليهم حتى منعوا من الأقوات وجاعوا
جوعاً شديداً حتَّى فرَّج الله‏.‏

وقد قال رجل منهم يقال له‏:‏ عبد الله بن حذف أحد بني بكر بن كلاب
وقد اشتدَّ عليه الجوع‏:‏
ألا أَبْلِغْ أبَا بَكْرٍ رَسُولا * وَفتيانِ المدينَةِ أجمعينَا
فَهَلْ لَكُمْ إلى قِومٍ كرامٍ * قعودٌ في جَواثا محصرينَا
كأنَّ دِماءهُمْ في كلِّ فجِّ * شعاعَ الشَّمسِ يغشَى النَّاظرينَا
توكَّلنَا على الرَّحمن إنَّا * قَدْ وَجَدْنَا الصَّبر للمتَوَكِّلينَا

وقد قام فيهم رجل من أشرافهم وهو الجارود بن المعلى وكان ممَّن
هاجروا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطيباً وقد جمعهم قال‏:
‏ يا معشر عبد القيس إنِّي سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتوه ولا
تجيبوني إن لم تعلموه‏.‏فقالوا‏:‏ سل‏.‏قال‏:‏ أتعلمون أنَّه كان لله أنبياء
قبل محمَّد ‏؟‏قالوا‏:‏ نعم‏.‏قال‏:‏ تعلمونه أم ترونه ‏؟‏قالوا‏:‏ نعلمه‏.‏قال‏:‏ فما فعلوا ‏؟‏
قالوا‏:‏ ماتوا‏.‏قال‏:‏ فإنَّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم مات كما ماتوا، وإنِّي
أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله‏.‏فقالوا‏:‏ ونحن أيضاً نشهد
أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا، وثبتوا
على إسلامهم، وتركوا بقية النَّاس فيما هم فيه‏.‏

وبعث الصِّديق رضي الله عنه كما قدَّمنا إليهم العلاء بن الحضرميّ فلمَّا دنا
من البحرين جاء إليه ثمامة بن أثال في محفل كبير وجاء كلُّ أمراء تلك
النَّواحي فانضافوا إلى جيش العلاء بن الحضرميّ، فأكرمهم العلاء وترحَّب
بهم، وأحسن إليهم، وقد كان العلاء من سادات الصَّحابة العلماء العبَّاد
مجابي الدَّعوة، اتَّفق له في هذه الغزوة أنَّه نزل منزلاً فلم يستقر النَّاس
على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش، وخيامهم
وشرابهم، وبقوا على الأرض ليس معهم شيء سوى ثيابهم وذلك ليلاً،
ولم يقدروا منها على بعير واحد، فركب النَّاس من الهمِّ والغمِّ ما لا يحدُّ
ولا يوصف، وجعل بعضهم يوصي إلى بعض فنادى منادي العلاء فاجتمع
النَّاس إليه فقال‏:‏ أيُّها النَّاس ألستم المسلمين‏؟‏ ألستم في سبيل الله‏؟‏
ألستم أنصار الله ‏؟‏قالوا‏:‏ بلى‏.‏قال‏:‏ فأبشروا فوالله لا يخذل الله من كان في
مثل حالكم، ونودي بصلاة الصُّبح حين طلع الفجر، فصلَّى بالنَّاس فلمَّا
قضى الصَّلاة جثا على ركبتيه، وجثا النَّاس ونصب في الدُّعاء ورفع يديه،
وفعل النَّاس مثله حتى طلعت الشَّمس، وجعل النَّاس ينظرون إلى سراب
الشَّمس يلمع مرَّة بعد أخرى، وهو يجتهد في الدُّعاء فلمَّا بلغ الثَّالثة إذا
قد خلق الله إلى جانبهم غديراً عظيماً من الماء القراح، فمشى ومشى
النَّاس إليه فشربوا واغتسلوا، فما تعالى النَّهار حتى أقبلت الإبل من كل
فج بما عليها لم يفقد النَّاس من أمتعتهم سلكاً، فسقوا الإبل عللاً بعد نهل،
فكان هذا ممَّا عاين النَّاس من آيات الله بهذه السَّرية‏.‏ثمَّ لمَّا اقترب من
جيوش المرتدَّة وقد حشدوا وجمعوا خلقاً عظيماً نزل ونزلوا وباتوا
متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في اللَّيل إذ سمع العلاء أصواتاً
عالية في جيش المرتدِّين، فقال‏:‏ من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء ‏؟‏فقام
عبد الله ابن حذف فدخل فيهم فوجدهم سكارى لا يعقلون من الشَّراب،
فرجع إليه فأخبره، فركب العلاء من فوره والجيش معه فكبسوا أولئك
فقتلوهم قتلاً عظيماً وقلَّ من هرب منهم واستولى على جميع أموالهم،
وحواصلهم، وأثقالهم، فكانت غنيمةً عظيمةً جسيمةً، وكان الحطم
بن ضبيعة أخو بني قيس بن ثعلبة من سادات القوم نائماً، فقام دهشاً
حين اقتحم المسلمون عليهم فركب جواده فانقطع ركابه فجعل يقول‏:‏
من يصلح لي ركابي ‏؟‏فجاء رجل من المسلمين في اللَّيل فقال‏:‏ أنا أصلحها
لك، إرفع رجلك فلمَّا رفعها ضربه بالسَّيف فقطعها مع قدمه، فقال له‏:‏
أجهز عليَّ‏.‏فقال‏:‏ لا أفعل، فوقع صريعاً كلَّما مرَّ به أحد يسأله أن يقتله
فيأبى، حتى مرَّ به قيس بن عاصم فقال له‏:‏ أنا الحطم فاقتلني فقتله فلمَّا
وجد رجله مقطوعة ندم على قتله وقال‏:‏ واسوأتاه لو أعلم ما به لم
أحرِّكه‏.‏ثمَّ ركب المسلمون في آثار المنهزمين يقتلونهم بكلِّ مرصدٍ
وطريق، وذهب من فرَّ منهم أو أكثرهم في البحر إلى دارين ركبوا
إليها السُّفن

ثمَّ شرع العلاء بن الحضرميّ في قسم الغنيمة ونقل الأثقال وفرغ من ذلك،
وقال للمسلمين‏:‏ إذهبوا بنا إلى دارين لنغزو من بها من الأعداء، فأجابوا
إلى ذلك سريعاً فسار بهم حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السُّفن، فرأى
أنَّ الشَّقة بعيدة لا يصلون إليهم في السُّفن حتى يذهب أعداء الله، فاقتحم
البحر بفرسه وهو يقول‏:‏ يا أرحم الرَّاحمين، يا حكيم، يا كريم، يا أحد،
يا صمد، يا حي، يامحيي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت
يا ربنا، وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا، ففعلوا ذلك فأجاز بهم
الخليج بإذن الله يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء لا يغمر أخفاف
الإبل، ولا يصل إلى ركب الخيل، ومسيرته للسُّفن يوم وليلة، فقطعه إلى
السَّاحل الآخر، فقاتل عدوَّه وقهرهم واحتاز غنائمهم، ثمَّ رجع فقطعه إلى
الجانب الآخر، فعاد إلى موضعه الأوَّل وذلك كلَّه في يوم، ولم يترك من
العدوِّ مخبراً، واستاق الذَّراري، والأنعام، والأموال، ولم يفقد المسلمون
في البحر شيئاً سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين، ومع هذا رجع
العلاء فجاءه بها‏.‏

ثمَّ قسَّم غنائم المسلمين فيهم فأصاب الفارس ألفين، والرَّاجل ألفاً مع كثرة
الجيش، وكتب إلى الصِّديق فأعلمه بذلك، فبعث الصِّديق يشكره على ما
صنع‏.‏وقد قال رجل من المسلمين في مرورهم في البحر
وهو عفيف بن المنذر‏:‏

ألمْ تَرَ أنَّ اللهَ ذَلَّلَ بحرهُ * وأَنْزَلَ بالكفَّارِ إحدى الجَلائِلِ
دَعَونَا إلى شَقِّ البِحارِ فَجاءنَا * بأَعجبِ من فلقِ البِحارِ الأوائلِ

وقد ذكر سيف بن عمر التَّميميّ أنَّه كان مع المسلمين في هذه المواقف
والمشاهد التي رأوها من أمر العلاء وما أجرى الله على يديه من
الكرامات رجل من أهل هجر راهب فأسلم حينئذ‏.‏فقيل له‏:‏ ما دعاك إلى
الإسلام ‏؟‏فقال‏:‏ خشيت إن لم أفعل أن يمسخني الله لما شاهدت من الآيات
قال‏:‏ وقد سمعت في الهواء وقت السَّحر دعاء‏.‏قالوا‏:‏ وما هو ‏؟‏
قال‏:‏ اللَّهم أنت الرَّحمن الرَّحيم لا إله غيرك، والبديع ليس قبلك شيء،
والدَّائم غير الغافل، والذي لا يموت، وخالق ما يُرى وما لا يُرى، وكل يوم
أنت في شأن، وعلمت اللَّهم كلَّ شيء علماً‏.‏قال‏:‏ فعلمت أنَّ القوم لم يعانوا
بالملائكة إلا وهم على أمر الله، قال‏:‏ فحسن إسلامه وكان الصَّحابة
يسمعون منه‏.‏