المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رفع الغموم عن أهل الهموم


adnan
09-09-2014, 08:49 PM
الأخ / محمد الخواص


رفع الغموم عن أهل الهموم

رسالة رفع الغموم عن أهل الهموم
د. بدر عبد الحميد هميسه
الله تعالى قد قسم بين الناس معايشهم وآجالهم،
قال تعالى:

{ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا }
الزخرف: 32.

فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، والأجل مقسوم
وكل شيء في هذه الحياة مقسوم. فارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى
الناس، ولا تجزع للمرض، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق
والثواني والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيُمرِض من
يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء

{ أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ }.
الأعراف: 54.

وما دام الأمر كذلك فسلِّم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن
ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على
حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه.
وهيهات هيهات.،
قال تعالى:

{ كُل نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَنَبلُوكُم بِالشر وَالخَيرِ فِتنَةً
وَإِلَينَا تُرجَعُونَ }
الأنبياء: 35.

وقال جل وعلا :

{ أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2)
وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَاذِبِينَ }
العنكبوت: 2-3.

فالكل لا بد أن يبتلى ولست أكرم على الله تعالى من أنبيائه ورسله , الذين
ابتلاهم الله تعالى بأنواع الابتلاءات فمنهم من ابتلى بالمرض ومنهم من
ابتلي بالفقر ومنهم من ابتلي بفقع عزيز ومنهم من ابتلي بالتكذيب والطرد

فهذا أيوب عليه السلام
ابتلي في نفسه وولده وماله وتسأله زوجه أن يسأل الله كشف الضر
وهو النبي المستجابة دعوته فيقول لها:

كم مضى علينا في عافية فتقول: ستين سنة، فيقول لها: فإني أستحي
أن أسأل ربي العافية وما بلغنا في البلاء ما بلغناه في عافية

ومن البلاء الابتلاء بالهم والغم , ولقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
يستعيذ بالله من الهم والحزن ,
عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ؛أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

( كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ
وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ. )

وفي رواية :سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَعَنِ الدَّجَّالِ ؟ فَقَالَ :

( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
مِنَ الْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ ، وَالْبُخْلِ ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ )
أخرجه أحمد 3/179(12864) والتِّرْمِذِيّ\" 3485
و\"النَّسائي\" 8/257 .

والمؤمنون في الجنة يحمدون الله تعالى على نعمة إذهاب الهم والحزن عنهم ,
قال تعالى :

{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا
وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ
إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ
لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) }
سورة فاطر

يقول ابن القيم رحمه الله :
\" والقلوب تتفاوت في الهم والغمّ كثرة واستمراراً بحسب ما فيها من
الإيمان أو الفسوق والعصيان فهي على قلبين : قلب هو عرش الرحمن ،
ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو
عرش الشيطان فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم \" .

وقد رأينا كيف أن بكاء يعقوب على ابنه أفقده بصره ، وكيف أن ال غم
بلغ مداه بالسيدة عائشة عندما تطاول عليها الأفاكون - فظلت تبكي

حتى قالت :
\" ظننت أن الحزن فالق كبدي \" .

قال الإمام علي رضي الله عنه :
أشد جنود الله عشرة: الجبال الرواسي والحديد يقطع الجبال، والنار تذيب
الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل
الماء، والريح يقطع السحاب، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب
أو الشيء ويمضي لحاجته؛ والسُّكْر يغلب ابن آدم، والنوم يغلب السكر،
والهم يغلب النوم، فأشد جنود الله الهم.

فترى المهموم حزينا ومغموما ومكتئبا ولا يستقر على حال من القلق ,
لا يرى إلا الشوك والحسك ,

قال الشاعر :
أيهذا الشاكي وما بك داء * * * كيف تغدو إذا غدوت َ عليلاً
إنَّ شرَّ الجناة ِ في الأرض ِنفسٌ * * * تتوقى قبل َالرحيل ِ الرحيلا
وترى الشوكَ في الورودِ وتعمى * * * أن ترى فوقها الندى إكليلا
هو عبءٌ على الحياةِ ثقيلٌ * * * من يظن الحياةَ عبئاً ثقيلا
والذي نفسُهُ بغير جمال ٍ * * * لا يرى في الوجود ِ شيئاً جميلا

والعرب تقول:
همك ما أهمك، أي أذابك ما أحزنك

قال أحمد بن يوسف :
كثير هموم القلب حتى كأنما**** عليه سرور العالمين حرام
إذا قيل : ما أضناك ؟ أسبل دمعه**** فأخبر ما يلقى وليس كلام

والناس يتفاوتون في الهموم بتفاوت بواعثهم وأحوالهم وما يحمله كل
واحد منهم من المسئوليات.والهموم أنواع وأسباب , فمن الهموم ما يكون
ناشئاً عن المعاصي ، كالهموم التي تصيب المذنب بعد ذنبه كما يحدث في
هم من أصاب دماً حراماً، أو هم الزانية بحملها.

ومن الهموم ما يكون بسبب ظلم الآخرين كظلم الأقرباء وكذلك الغموم
الحاصلة بسبب مصائب الدنيا ، كالأمراض المزمنة والخطيرة ، وعقوق
الأبناء وتسلط الزوجة، واعوجاج الزوج.

ومن الهموم ما يكون بسبب الخوف من المستقبل وما يخبئه الزمان
كهموم الأب بذريته من بعده وخاصة إذا كانوا ضعفاء وليس لديه
ما يخلفه لهم .

وهذه الهموم كلها تنشأ من ضعف الإيمان والثقة بالله تعالى , ومن سوء
الظن به وعدم الاعتماد والتوكل عليه , وعدم الرضا بما قضى وقدر ,
وضعفاء الإيمان يُصابون بالانهيار أو يُقدمون على الانتحار للتخلص من
الكآبة والحبوط واليأس إذا ما وقعوا في ورطة أو أصابتهم مصيبة وكم
ملئت المستشفيات من مرضى الانهيارات العصبية والصدمات النفسية
وكم أثرت هذه الأمور على كثير من الأقوياء ، فضلاً عن الضعفاء ،
وكم أدت إلى العجز التام أو فقدان العقل والجنون.

عن عون بن عبد الله ، قال :
بينا رجل في بستان بمصر في فتنة آل الزبير جالس مكتئب ينكت بشيء
معه في الأرض ، إذ رفع رأسه مسحاة قد مثل له فقال له : « ما لي أراك
مهموما حزينا بالدنيا فإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ، أما
بالآخرة فإن الآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر ، يفصل بين الحق والباطل
الإبانة الكبرى لابن بطة 2/284.

وليحيى بن خالد بن برمك، من أبيات:
ألا يا بائعاً ديناً بدنيا * * * غرورٍ لا يدوم لها نعيم
سينقطع التلذّذ عن أناس * * * أداموه وتنقطع الهموم

قال الشاعر:
يا صاحبي ما لي أراك مقطباً مهموما * وعلى ملامحك البكاء
مصوراً مرسوما
اصبر على سحب الحياة إذا تجمع غيمها فالشمس لن تبق
على وجه السماء غيوما

وروى الحسين بن إدريس الحلواني قال:
سمعت الإمام محمد بن إدريس الشافعي يقول: ما أفلح سمين قط إلا أن
يكون محمد بن الحسن، قيل له: ولمَ قال: لأنه لا يعدو العاقل إحدى
خصلتين: إما أن يهتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه في معاشه، والشحم مع
الهم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم فانعقد الشحم؛
ثم قال: كان ملك في الزمان الأول وكان مثقلاً كثير الشحم لا ينتفع بنفسه،
فجمع المتطببين وقال: احتالوا لي بحيلة تخف عني لحمي هذا قليلاً؛ قال:
فما قدروا له على شيء؛ قال: فذكر له رجل عاقل أديب متطبب فاره،
فبعث إليه وأشخصه فقال له: عالجني ولك الغنى، قال: أصلح الله الملك،
أنا طبيب منجم، دعني حتى أنظر الليلة في طالعك أي دواء يوافقه
فأسقيك؛ قال: فغدا عليه فقال: أيها الملك الأمان، قال: رأيت طالعك يدل
على أن عمرك شهر، فإن اخترت عالجتك، وإن أردت بيان ذلك فاحبسني
عندك، فإن كان لقولي حقيقة فخل عني، وإلا فاستقص مني؛ قال: فحبسه؛
قال: ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس وخلا وحده مغتماً كلما
انسلخ يوم ازداد غماً حتى هزل، خف لحمه، ومضى لذلك ثمانية
وعشرون يوماً، فبعث إليه وأخرجه، فقال: ما ترى قال: أعز الل ه الملك،
أنا أهون على الله من أن أعلم الغيب، والله لا أعرف عمري فكيف أعرف
عمرك إنه لم يكن عندي دواء إلا الغم، فلم أقدر أجلب إليك الغم إلا بهذه
العلة، فأذاب شحم الكلى؛ فأجازه وأحسن إليه.
وفيات الأعيان 1/479 , ثمرات الأوراق , لابن حجة 1/25 .

قال أبو الطيب :
وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيمَ نَحَافَةً **** وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الصَّبِيِّ وَيُهْرِمُ

وهناك من الهموم ما يكون محموداً ومطلوبا , وهو الهم لأجل الآخرة