تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التطير و التشاؤم في شهر صفر ( 01 - 02 )


adnan
11-24-2014, 10:02 PM
الأخت / غـــرام الغـــرام




التطير والتشاؤم في شهر صفر

بقلم / هشام عبدالمنعم

الجزء الأول - 02







خلق الله تعالى السنة وعدة شهورها اثنا عشر شهراً،

وقد جعل منها أربعةً حرم، حيث حرَّم فيها القتال تعظيمًا لشأنها،

وهذه الأشهر هي: ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، ورجب؛

ومصداق ذلك في كتاب الله قوله تعالى:



{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ

يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ

ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ }

[ التوبة: 36 ].

وصفر هو الشهر الذي يلي شهر الله المحرم مباشرة،

وقيل في سبب تسميته عدة أقوال؛ منها: سمِّي "صفر" بذلك لإصفار مكَّة

من أهلها -أي خلّوها من أهلها- إذا سافروا فيه.

وقيل: لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صِفْرًا من المتاع

( أي: يسلبونه متاعه فيصبح لا متاع له )



شهر صفر بين الجاهلية والإسلام :

كان للعرب في شهر صفر منكران عظيمان؛

الأول: التلاعب فيه تقديماً وتأخيراً،

والثاني: التشاؤم منه.

أما التلاعب فيه فمعروف، حيث كانوا يُبدلون الأشهر لأمورٍ يريدونها.

وأما التشاؤم منه فقد كان مشهورًا عندهم، وما زالت بقاياه

في بعض من ينتسب للإسلام،

وجاءت الشريعة الغراء بنفيه والنهي عنه، وذلك في كتاب الله تعالى

وفيما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى:



{ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ

وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ

قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا }

[ النساء: 78].

وقال:



{ فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ

وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ

وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

[ الأعراف: 131 ]

وقال:



{ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ }

[ النمل: 47 ]

وقال:



{ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ

قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ }

[ يس: 18، 19 ].

فقد وصف الله تعالى في هذه الآيات أعداء الرسل بالتطير والتشاؤم

على وجه الذم والتقبيح لفعلهم والتجهيل والتسفيه لعقولهم،

فهم لا يفقهون ولا يعلمون، بل هم مفتونون مسرفون.

وفي ذلك أعظم زاجر عن هذه الخصلة الذميمة،

قال صديق حسن خان رحمه الله:

[ وبالجملة، التطير من عمل أهل الجاهلية المشركين،

وقد ذمهم الله تعالى به، ونهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه،

وأخبر أنه شرك ]



وأما النهي عنه في السنة المباركة فقد صحت في ذلك أحاديث كثيرة،

قال النووي رحمه الله:

وقد تظاهرت الأحاديث في النهي عن الطيرة فمن ذلك:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه ،

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:



( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر )

قال النووي رحمه الله:

[ والتطير التشاؤم، وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي،

وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح، فينفِّرون الظباء والطيور،

فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم،

وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها،

فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك وأبطله

ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر ]



وقال ابن القيم رحمه الله:

[ وهذا يحتمل أن يكون نفيًا، وأن يكون نهياً، أي: لا تطَيَّروا،

ولكن قوله في الحديث:



( لا عدوى ولا صفر ولا هامة )

يدل على أن المراد النفي، وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها،

والنفي في هذا أبلغ من النهي؛ لأن النفي يدل على بطلان ذلك وعدم تأثيره،

والنهي إنما يدل على المنع منه ]

قوله: ( ولا هامَة ) المحفوظ من روايتها تخفيف الميم،



قال ابن حجر رحمه الله:

قال القزاز: الهامة طائر

قوله: ( ولا صفر ) قال البغوي رحمه الله: معناه أن العرب كانت تقول:

الصفر حية تكون في البطن تصيب الإنسان والماشية، تؤذيه إذا جاع،

وهي أعدى من الجرب عند العرب، فأبطل الشرع أنها تعدي،

وقيل في الصفر: إنه تأخيرهم تحريم المحرم إلى صفر،

وقيل: إن أهل الجاهلية كانوا يستشئِمون بصفر،

فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .



وقال ابن عثيمين رحمه الله:

والأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله عز وجل،

فهو كغيره من الأزمنة -أي شهر صفر- يُقدَّر فيه الخير والشر،

وبعض الناس إذا انتهى من شيء في صفر أرَّخ ذلك

وقال: انتهى في صفر الخير، وهذا من باب مداواة البدعة ببدعة،

والجهل بالجهل، فهو لا شهر خير ولا شهر شر

2- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :



( الطيرة شرك وما منا إلاَّ، ولكن الله يذهبه بالتوكل )

قال البيهقي رحمه الله:

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:

يريد والله تعالى أعلم الطيرة شرك على ما كان أهل الجاهلية يعتقدون فيها،

ثم قال: وما منا إلا يقال: هذا من قول عبد الله بن مسعود

وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم .

وقوله: وما منا إلا وقع في قلبه شيء عند ذلك على ما جرت به العادة،

وقضت به التجارب، لكنه لا يقر فيه، بل يحسن اعتقاده

أن لا مدبر سوى الله تعالى، فيسأل الله الخير،

ويستعيذ به من الشر، ويمضي على وجهه متوكلاً على الله عزوجل .



انتظرونا فى الجزء الثانى إن شاء الله تعالى