المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دخلت سنة إحدى و ستين


adnan
12-12-2014, 09:51 PM
الأخ / مصطفى آل حمد



دخلت سنة إحدى و ستين من الهجرة النبوية الشريفة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

استهلت هذه السنة والحسين بن علي سائر إلى الكوفة فيما بين مكة
والعراق ومعه أصحابه وقراباته، فقتل في يوم عاشوراء من شهر المحرم
من هذه السنة على المشهور الذي صححه الواقدي وغير واحد،
وزعم بعضهم أنه قتل في صفر منها والأول أصح‏.‏

وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن
لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب‏.‏

قال أبو مخنف‏:‏
عن أبي جناب، عن عدي بن حرملة، عن عبد الله بن حرملة، عن عبد الله
بن سليم، والمذرى بن المشمعل الأسديين قالا‏:‏ أقبل الحسين فلما نزل
شرف قال لغلمانه وقت السحر‏:‏ استقوا من الماء فأكثروا، ثم ساروا
إلى صدر النهار فسمع الحسين رجلاً يكبر فقال له‏:‏ مم كبرت‏؟‏
فقال‏:‏ رأيت النخيلة، فقال له الأسديان‏:‏ إن هذا المكان لم ير أحد
منه نخيلة‏.‏فقال الحسين‏:‏ فماذا تريانه رأى‏؟‏فقالا‏:‏ هذه الخيل قد أقبلت‏.‏
فقال الحسين‏:‏ أما لنا ملجأ نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه
واحد‏؟‏فقالا‏:‏ بلى‏:‏ ذو حسم‏.‏فأخذ ذات اليسار إليها فنزل، وأمر بأبنيته
فضربت، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي، وهم
مقدمة الجيش الذين بعثهم ابن زياد، حتى وقفوا في مقابلته في نحو
الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون سيوفهم، فأمر الحسين
أصحابه أن يرتووا من الماء ويسقوا خيولهم، وأن يسقوا خيول
أعدائهم أيضاً‏.‏

وروى هو وغيره قالوا‏:‏
لما دخل وقت الظهر أمر الحسين الحجاج بن مسروق الجعفي فأذن
ثم خرج الحسين في إزار ورداء ونعلين فخطب الناس من أصحابه
وأعدائه واعتذر إليهم في مجيئه هذا إلى ههنا، بأنه قد كتب إليه أهل
الكوفة أنهم ليس لهم إمام، وإن أنت قدمت علينا بايعناك وقاتلنا معك،
ثم أقيمت الصلاة فقال الحسين للحر‏:‏ تريد أن تصلي بأصحابك‏؟‏
قال‏:‏ لا ‏!‏ ولكن صلّ أنت ونحن نصلي وراءك‏.‏فصلى بهم الحسين، ثم دخل
إلى خيمته واجتمع به أصحابه، وانصرف الحر إلى جيشه وكلُّ على
أهبته، فلما كان وقت العصر صلى بهم الحسين ثم انصرف فخطبهم وحثهم
على السمع والطاعة له وخلع من عاداهم من الأدعياء السائرين
فيكم بالجور‏.‏

فقال له الحر‏:‏ إنا لا ندري ما هذه الكتب، ولا من كتبها، فأحضر الحسين
خرجين مملوءين كتباً فنثرها بين يديه وقرأ منها طائفة‏.‏

فقال الحر‏:‏ لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك في شيء، وقد أمرنا إذا نحن
لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد‏.‏

فقال الحسين‏:‏ الموت أدنى من ذلك‏.‏

ثم قال الحسين لأصحابه‏:‏ اركبوا ‏!‏ فركبوا و ركب النساء، فلما أراد
الانصراف حال القوم بينه وبين الانصراف‏.‏فقال الحسين للحر‏:‏ ثكلتك أمك،
ماذا تريد‏؟‏

فقال له الحر‏:‏ أما والله لو غيرك يقولها لي من العرب وهو على مثل الحال
التي أنت عليها لأقتصن منه، ولما تركت أمه، ولكن لا سبيل إلى ذكر
أمك إلا بأحسن ما نقدر عليه‏.‏ وتقاول القوم وتراجعوا‏.‏

فقال له الحر‏:‏ إني لم أومر بقتالك، وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك
الكوفة على ابن زياد، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا يقدمك الكوفة ولا تردك
إلى المدينة، واكتب أنت إلى يزيد، وأكتب أنا إلى ابن زياد إن شئت، فلعل
الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك‏.‏

قال‏:‏ فأخذ الحسين يساراً عن طريق العُذيب والقادسية، والحر بن يزيد
يسايره وهو يقول له‏:‏ يا حسين إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد
لئن قاتلت لتقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى‏.‏

فقال له الحسين‏:‏ أفبالموت تخوفني‏؟‏ ولكن أقول كما قال أخو الأوس
لابن عمه وقد لقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال‏:‏ أين تذهب فإنك مقتول‏؟‏فقال‏:‏

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى * إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماً
وآسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق خوفاً أن يعيش ويرغما

ويروى على صفة أخرى‏:‏
سأمضي وما بالموت عارٌ على امرئ * إذا ما نوى حقاً ولم يلف مجرما
فإن مت أندم وإن عشت لم ألمْ * كفى بك موتاً أن تذل وترغما

فلما سمع ذلك الحر منه تنحى عنه وجعل يسير بأصحابه ناحية عنه،
فانتهوا إلى عذيب الهجانات وإذا سفر أربعة - أي‏:‏ أربعة نفر - قد أقبلوا
من الكوفة على رواحلهم يخبون ويجنبون فرساً لنافع بن هلال يقال له‏:‏
الكامل، قد أقبلوا من الكوفة يقصدون الحسين ودليلهم رجل يقال له‏:‏
الطرماح بن عدي، راكب على فرس وهو يقول‏:‏

يا ناقتي لا تذعري من زجري * وشمّري قبل طلوع الفجر
بخير ركبانٍ وخير سفر * حتى تحلي بكريم النجر
الماجد الحرّ رحيب الصدر * أتى به الله لخير أمر
ثمت أبقاه بقاء الدهر

فأراد الحر أن يحول بينهم وبين الحسين، فمنعه الحسين من ذلك، فلما
خلصوا إليه قال لهم‏:‏ أخبروني عن الناس وراءكم، فقال له مجمع
بن عبد الله العامري - أحد النفر الأربعة -‏:‏

أما أشراف الناس فهم إلب عليك، لأنهم قد عظمت رشوتهم وملئت
غرائرهم، يستميل بذلك ودهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم إلب واحد
عليك، وأما سائر الناس فأفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة
عليك‏.‏قال لهم‏:‏ فهل لكم برسولي علم‏؟‏ قالوا‏:‏ ومن رسولك‏؟‏قال‏:
‏ قيس بن مسهر الصيداوي‏.‏

قالوا‏:‏ نعم أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد
أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عليك وعلى أبيك ولعن زياد وأباه، ودعا
الناس إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك فأمر به فأُلقي من رأس القصر
فمات، فترقرت عينا الحسين، وقرأ قوله تعالى‏:‏

‏{ ‏فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ‏ }
‏ الآية ‏[‏الأحزاب‏:‏ 23‏]‏‏.‏