المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على طريق الهجرة ( 03-03 )


adnan
12-27-2014, 09:22 PM
الأخ / عبد العزيز محمد - الفقير إلي الله



على طريق الهجرة ( 03 - 03 )

الصراع بين الحق والباطل :
صراع قديم وممتد وهو سنة إلهية قال الله:

{ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ
وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ
وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا
وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }
(الحج: 40)

ولكن هذا الصراع معلوم العاقبة
كما قال تعالى:

{ كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }
(المجادلة: 21) .

ومكر وكيد أعداء الإسلام بالدعاة والدعوة إلى الله في كل زمان ومكان
أمر مستمر ومتكرر فعلى الداعية إلى الله أن يلجأ إلى ربه وأن يثق به
ويتوكل عليه ويعلم أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله
كما قال عز وجل:

{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }
(الأنفال: 30) .

التوكل واليقين :
إن المتأمل لحادثة الهجرة والتخطيط لها يدرك حسن توكل النبي
صلى الله عليه وسلم على ربه ويقينه أن الله حافظه وناصر دينه وهذا
التوكل لا ينافي أو يتعارض مع الأخذ بالأسباب فقد شاء الله تعالى أن
تكون الهجرة النبوية بأسباب عادية من التخفي والصحبة والزاد والناقة
والدليل ولكن لا يعني دقة الأخذ بالأسباب حصول النتيجة دائما لأن هذا
أمر يتعلق بأمر الله ومشيئته ومن هنا كان التوكل واليقين والاستعانة بالله
لتقتدي به أمته في التوكل على الله والأخذ بالأسباب وإعداد العدة .
يقول أبو بكررضي الله عنه:

( نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رؤوسنا
فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا
تحت قدميه؟! فقال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )
رواه مسلم .

يقول النووي:
"وفيه بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى في هذا المقام
وفيه فضيلة لأبي بكر رضي الله عنه وهي من أجَّل مناقبه " .

معجزات على طريق الهجرة :
في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقعت معجزات حسية هي من أعلام
نبوته ودلائل ملموسة على فضله ومنزلته وحفظ الله ورعايته له ومن ذلك
ما جرى له صلى الله عليه وسلم مع أم معبد وما حدث مع سراقة بن مالك
ووعده إياه بأن يلبس سواري كسرى فعلى الدعاة أن لا يتنصلوا من ذكر
هذه المعجزات وغيرها ما دامت ثابتة بالسنة الصحيحة .

أم معبد :
عن قيس بن النعمان رضي الله عنه قال :

( لما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفيان
نزلا بأبي معبد فقال : والله ما لنا شاة وإن شاءنا لحوامل فما بقي
لنا لبن.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبه: فما تلك
الشاة؟فأتى بها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة عليها
ثم حلب عُسا (قدحا كبيرا) فسقاه ثم شربوا فقال : أنت الذي تزعم
قريش أنك صابئ ؟!قال: إنهم يقولون.قال : أشهد أن ما جئت به
حق ثم قال: أتبعك ؟قال: لا حتى تسمع أنا قد ظهرنا فاتبعه بعد )
رواه البزار.

وكانت هذه المعجزة سبباً في إسلام أم معبد هي وزوجها .

سُراقة بن مالك :
يصف أبو بكر رضي الله عنه ما حدث مع سراقة فيقول :

( فارتحلنا بعد ما مالت الشمس وأتبعنا سراقة بن مالك فقلت :
أُتينا يا رسول الله فقال : لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه النبي
صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها فقال :
إني أراكما قد دعوتما عليَّ فادعوَا لي فالله لكما أن أرد عنكما
الطلب فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا فجعل لا يلقى أحدا
إلا قال : كفيتكم ما هنا فلا يلقى أحدا إلا رده قال: ووفَّى لنا )
رواه البخاري .

قال أنس : " فكان (سراقة) أول النهار جاهدا (مبالغا في البحث
والأذى)على نبي الله صلى الله عليه وسلم وكان آخرَ النهار
مَسْلَحةً له (حارسا له بسلاحه) ".

ومرت الأيام وأسلم سراقة بعد فتح مكّة وحنين وفتحت بلاد فارس وجاءت
الغنائم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأعطاه عمر سواري
كسرى تنفيذًا لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى:

{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }
(النَّجم: 3، 4) .

قال الماوردي :
" فمن معجزاته صلى الله عليه وسلم : عصمتُه من أعدائه وهم الجمُّ
الغفير والعددُ الكثير وهم على أتم حَنَقٍ عليه وأشدُّ طلبٍ لنفيه وهو بينهم
مسترسل قاهر ولهم مخالطٌ ومكاثر ترمُقُه أبصارُهم شزراً وترتد عنه
أيديهم ذعراً وقد هاجر عنه أصحابه حذراً حتى استكمل مدته فيهم ثلاث
عشرة سنة ثم خرج عنهم سليماً لم يكْلَم في نفسٍ ولا جسد وما كان ذاك
إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه الله تعالى بها فحققها حيث يقول:

{ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }
(المائدة: من الآية67)

فعَصَمَه منهم ".

لقد تركت الهجرة النبوية المباركة آثارا جليلة على المسلمين ليس فقط
في عصر النبوة ولكنها امتدت لتشمل حياة المسلمين في كل عصر
ومصر كما أن آثارها شملت الإنسانية عامةً لأن الحضارة الإسلامية التي
قامت قدمت ولا زالت تقدم للبشرية أسمى القواعد الأخلاقية والتشريعية
التي تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع فسيرة النبي صلى الله عليه وسلم
لا تُحَّد آثارها بحدود الزمان والمكان لأنها سيرة القدوة الطيبة والأسوة الحسنة
قال الله تعالى:

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }
(الأحزاب:21) .