المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلة المعرفة بين الناس (02-02)


adnan
01-02-2015, 12:07 AM
الأخ / عبد العزيز محمد - الفقير إلي الله



قلة المعرفة بين الناس ( 02-02 )

إن فكرة الحديث النبوي الذي رواه حذيفة رضي الله عنه
تدور حول
ما سيسود آخر الزمان من قلّة معرفة الناس ببعضهم وقلّة التواصل
الاجتماعي بين الأفراد وما يتسبّبه ذلك من التناكر والجهل المجتمعي
فلا يكاد الواحد منهم يعرف الآخر وواقعنا يشهد بهذه القطيعة ويرى
مظاهرها بشكل متفاوت من مجتمعٍ إلى آخر. ولعل ما قاد إلى هذا
الواقع الاجتماعي السلبي غزو الحياة المعاصرة وما جلبتْه المدنيّة
فإلى الماضي القريب كان الناس يسكنون القرى والبوادي ذات التماسك
والترابط الكبير نظراً للتقارب الأسري الناتج عن المصاهرة والمناسبة
فلمّا بدأت المدن بالازدهار الاقتصادي أحضرت معها فرص العمل
المختلفة وبدأت هجرة الناس من القرى إلى المدن لتُصبح البنية
السكّانيّة لها: أخلاطاً من قبائل وشعوب مختلفة حتى كثُرت الشكوى
من أن الجار لا يكاد يعرف جاره.

ولم تقتصر التركيبة السكّانية على أبناء الدولة الواحدة كما كان
في السابق ناهيك عن ضغط العمل ونظام السكن في الشقق ونحوها
وتباين أوقات العمل صباحاً ومساءً ولا ننسى عوامل الانكباب على
الدنيا وتحصيلها ونقص الولاء لله تعالى وعدم الاهتمام بأمر المسلمين
كلّ ذلك أفرز ولا شك مظاهر التناكر التي حذّر منها رسول الله
صلى الله عليه وسلم.

وتزداد هذه الصورة قتامةً في
المجتمعات الغربيّة التي ابتعدت عن شرع الله حتى يصير مجرّد السلام
على الآخر دون معرفةٍ مسبقة مثار العجب حيناً والاستهجان والريبة
أحياناً لأن علاقاتهم بالأساس قائمةٌ على النفعيّة وما يتولّد عن ذلك
من أمراضٍ اجتماعيّة خطيرة كحب الذات والفرديّة والأنانيّة فليس
عندهم "ترف" في توسيع العلاقات بما لا يخدم مصالحهم ولا يحقّق
لهم نفعاً ماديّاً وكثيراً ما تفجأنا الأخبار في صحفهم وقنواتهم عن
اكتشاف جثّةٍ متعفّنة لمن مات في بيتٍ دون أن يعلم جيرانه عنه شيئاً!
فلا عجب والحالة هذه أن تشكو مجتماعتهم من حالات الاكتئاب والقلق
والشعور بالضياع وعدم القدرة على التكيّف الاجتماعي.

والمشكلة تكمن في
إلباس بعضهم لهذا الانطواء المذموم بلبوسٍ شرعي فنجد من يستدلّ
بقول الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} فيقتطعون الآية
من سياقها:

{ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا
فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }
(المائدة: 105)

ويتناسون الدعوة الواضحة إلى التعارف والصلات
فعن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم
محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر )
رواه الترمذي وأحمد

ومعنى قوله: (منسأةٌ في الأَثَر) يعني زيادة في العمر.

وهنا نقطةٌ لابد من إثارتها وحاصلها أن
هذا التناكر الواقع في عصرنا الحاضر هو نسيان بأن الإنسان "كفرد"
إنما هو تِرْسٌ في آلةٍ ضخمة له ارتباطه الأسري والشعبي والأممي
فالإنسان ليس بنفسه ولكن بمن حوله فلابد من التواصل والتعارف
في زمننا هذا أكثر من أي وقتٍ مضى.

ويمكن القول بأن من أسباب التناكر في عصرنا قلّة الالتفات إلى بعض
الآداب النبويّة التي دعا إليها الإسلام كإفشاء السلام ونشره وصلة
الأرحام والاهتمام بها وحضور الجنائز وإجابة الدعوة وعيادة المريض
ولو عن غير سابقة معرفة وغيرها من الأمور التي ارتقت من درجة
الفضائل العامة إلى مستوى الحقوق الواجبة.

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه

( أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام وتقرأ السلام
على من عرفت ومن لم تعرف )
متفق عليه

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض
واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس )
متفق عليه.

وأخيراً:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صحّ عنه:

( المؤمن مَأَلفة ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف )
رواه أحمد

فالمؤمن بنص الحديث موصوف بالأُلفة يتداخل مع الناس بشكلٍ سلسٍ
ولا يجد الناس صعوبةً في التعارف عليه ولن يكون ذلك إلا بإزالة
الحاجز الموهوم بينه وبين الناس والله الموفق.