adnan
01-02-2015, 09:00 PM
الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
ففيها:
كانت وقعة عظيمة بين المهلب بن أبي صفرة وبين الأزارقة من الخوارج
بمكان يقال له: سولاق، ثم مكثوا نحواً من ثمانية أشهر متواقفين، وجرت
بينهم حروب يطول بسطها، وقد استقصاها ابن جرير، وقتل في أثناء ذلك
من هذه المدة مصعب بن الزبير.
ثم إن عبد الملك أقر المهلب بن أبي صفرة على الأهواز وما معها، وشكر
سعيه وأثنى عليه ثناء كثيراً، ثم تواقع الناس في دولة عبد الملك بالأهواز
فكسر الناس الخوارج كسرة فظيعة، وهربوا في البلاد لا يلوون على أحد،
واتبعهم خالد بن عبد الله أمير الناس ودواد بن محندم فطردوهم.
وأرسل عبد الملك إلى أخيه بشر بن مروان أن يمدهم بأربعة آلاف، فبعث
إليه أربعة آلاف عليهم عتاب بن ورقاء فطردوا الخوارج كل مطرد، ولكن
لقي الجيش جهداً عظيماً وماتت خيولهم، ولم يرجع أكثرهم إلا مشاة
إلى أهليهم.
قال ابن جرير:
وفي هذه السنة كان خروج أبي فديك الحارثي وهو من قيس بن ثعلبة،
وغلب على البحرين وقتل نجدة بن عامر الحارثي، فبعث إليه خالد بن عبد الله
أمير البصرة أخاه أمية بن عبد الله في جيش كثيف، فهزمهم أبو فديك
وأخذ جارية لأمية واصطفاها لنفسه.
وكتب خالد أمير البصرة إلى عبد الملك يعلمه بما وقع، واجتمع على خالد
هذا حرب أبي فديك وحرب الأزارقة أصحاب قطري بن الفجاءة بالأهواز.
قال ابن جرير: وفيها:
بعث عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي إلى
عبد الله بن الزبير ليحاصره بمكة.
قال: وكان السبب في بعثه له دون غيره، أن عبد الملك بن مروان لما أراد
الرجوع إلى الشام بعد قتله مصعباً وأخذه العراق، ندب الناس إلى قتال
عبد الله بن الزبير بمكة فلم يجبه أحد إلى ذلك.فقام الحجاج وقال: يا
أمير المؤمنين أنا له.وقص الحجاج على عبد الملك مناماً زعم أنه رآه،
قال: رأيت يا أمير المؤمنين كأني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته، فابعث
بي إليه فإني قاتله.فبعثه في جيش كثيف من أهل الشام، وكتب معه أماناً
لأهل مكة إن أطاعوه.قالوا: فخرج الحجاج في جمادى من هذه السنة
ومعه ألفا فارس من أهل الشام، فسلك طريق العراق ولم يعرض للمدينة
حتى نزل الطائف، وجعل يبعث البعوث إلى عرفة، ويرسل ابن الزبير
الخيل فيلتقيان فيهزم خيل ابن الزبير وتظفر خيل الحجاج.ثم كتب الحجاج
إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير، فإنه قد
كلت شوكته، وملت جماعته، وتفرق عنه عامة أصحابه، وسأله أن يمده
برجال أيضاً.فكتب عبد الملك إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بمن معه
بالحجاج، وارتحل الحجاج من الطائف فنزل بئر ميمونة، وحصر
ابن الزبير بالمسجد، فلما دخل ذو الحجة حج بالناس الحجاج في هذه
السنة، وعليه وعلى أصحابه السلاح وهم وقوف بعرفات.وكذا فيما بعدها
من المشاعر، وابن الزبير محصور لم يتمكن من الحج هذه السنة، بل نحر
بدناً يوم النحر، وهكذا لم يتمكن كثير ممن معه من الحج، وكذا لم يتمكن
كثير ممن مع الحجاج وطارق بن عمرو أن يطوفوا بالبيت، فبقوا على
إحرامهم لم يحصل لهم التحلل الثاني.
والحجاج وأصحابه نزول بين الحجون وبئر ميمونة،
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال ابن جرير:
وفي هذه السنة كتب عبد الملك إلى عبد الله بن خازم أمير خراسان
يدعوه إلى بيعته ويقطعه خراسان سبع سنين، فلما وصل إليه الكتاب
قال للرسول: بعثك أبو الذبان؟ والله لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك، ولكن
كل كتابه فأكله.وبعث عبد الملك إلى بكير بن وشاح نائب ابن خازم على
مرو يعده بإمرة خراسان إن هو خلع عبد الله بن خازم، فخلعه، فجاء
ابن خازم فقاتله فقتل في المعركة عبد الله بن خازم أمير خراسان، قتله
رجل يقال له: وكيع بن عميرة، لكن كان قد ساعده غيره، فجلس وكيع
على صدره وفيه رمق، فذهب لينوء فلم يتمكن من ذلك. وجعل وكيع
يقول: يا ثارات دَويلة - يعني: أخاه - وكان دويلة قد قتله ابن خازم،
ثم إن ابن خازم تنخم في وجه وكيع.
قال وكيع: لم أر أحداً أكثر ريقاً منه في تلك الحال، وكان أبو هريرة
إذا ذكر هذا يقول: هذه والله هي البسالة.وقال له ابن خازم: ويحك أتقتلني
بأخيك؟ لعنك الله، أتقتل كبش مصر بأخيك العلج؟ وكان لا يساوي كفاً
من تراب - أو قال من نوىً -.قال: فاحتز رأسه وأقبل بكير بن وشاح فأراد
أخذ الرأس فمنعه منه بجير بن ورقاء فضربه بجير بعموده وقيده، ثم أخذ
الرأس، ثم بعثه إلى عبد الملك بن مروان وكتب إليه بالنصر والظفر.
فسر بذلك سروراً كثيراً، وكتب إلى بكير بن وشاح بإقراره على
نيابة خراسان.
وفي هذه السنة
أخذت المدينة من ابن الزبير، واستناب فيها عبد الملك طارق بن عمرو،
الذي كان بعثه مدداً للحجاج.
وهذه ترجمة عبد الله بن خازم
هو عبد الله بن خازم بن أسماء السلمي أبو صالح البصري أمير خراسان
أحد الشجعان المذكورين، والفرسان المشكورين.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في (تهذيبه):
ويقال له: صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في العمامة
السوداء، وهو عند أبي داود، والترمذي، والنسائي، لكن لم يسموه.
وروى عنه سعد بن عثمان الرازي، وسعيد بن الأزرق.
روى أبو بشير الدولابي:
أنه قتل في سنة إحدى وسبعين.
وقيل: في سنة سبع وثمانين، وليس هذا القول بشيء.
انتهى ما ذكره شيخنا، وقد ذكره أبو الحسن ابن الأثير في
(أسد الغابة في أسماء الصحابة).
فقال: عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال
بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن نهية بن سليم بن منصور،
أبو صالح السلمي، أمير خراسان، شجاع مشهور، وبطل مذكور.
وروى عنه سعيد بن الأزرق، وسعد بن عثمان.
قيل: إن له صحبة وفتح سرخس، وكان أميراً على خراسان أيام فتنة
ابن الزبير، وأول ما وليها سنة أربع وستين بعد موت يزيد بن معاوية
وابنه معاوية، وجرى له فيها حروب كثيرة حتى تم أمره بها،
وقد استقصينا أخباره في كتاب (الكامل في التاريخ)، وقتل سنة
إحدى وسبعين.وهكذا حكى شيخنا عن الدولابي،
وكذا رأيت في (التاريخ) لشيخنا الذهبي.
والذي ذكره ابن جرير في (تاريخه):
أنه قتل سنة ثنتين وسبعين.
قال: وزعم بعضهم أنه قتل بعد مقتل عبد الله بن الزبير، وأن عبد الملك
بعث برأس ابن الزبير إلى ابن خازم بخراسان، وبعث يدعوه إلى طاعته
ولّه خراسان عشر سنين
وإن ابن خازم لما رأى رأس ابن الزبير حلف لا يعطي عبد الملك طاعة
أبداً، ودعا بطست فغمس رأس ابن الزبير وكفنه وطيبه، وبعث به
إلى أهله بالمدينة.ويقال: بل دفنه عنده بخراسان والله أعلم.وأطعم الكتاب
للبريد الذي جاء به وقال: لولا أنك رسول لضربت عنقك.وقال بعضهم:
قطع يديه ورجليه وضرب عنقه.
وممن توفي فيها من الأعيان
الأحنف بن قيس
أبو معاوية بن حصين التميمي السعدي أبو بحر البصري ابن أخي
صعصعة بن معاوية، والأحنف لقب له، وإنما اسمه: الضحاك.
وقيل: صخر.أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وجاء
في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له، وكان سيداً شريفاً
مطاعاً مؤمناً، عليم اللسان، وكان يضرب بحلمه المثل، وله أخبار
في حلمه سارت بها الركبان.
قال عنه عمر بن الخطاب:
هو مؤمن عليم اللسان.
وقال الحسن البصري:
ما رأيت شريف قوم أفضل منه.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي:
هو بصري، تابعي ثقة، وكان سيد قومه، وكان أعور، أحيف الرجلين،
ذميماً، قصيراً كوسجاً له بيضة واحدة.
احتبسه عمر عن قومه سنة يختبره، ثم قال: هذا والله السيد - أو قال:
السؤدد -.
وقيل: إنه خطب عند عمر فأعجبه منطقه.
قيل: ذهبت عينه بالجدري.
وقيل: في فتح سمرقند.
وقال يعقوب بن سفيان:
كان الأحنف جواداً حليماً، وكان رجلاً صالحاً.أدرك الجاهلية ثم أسلم،
وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فاستغفر له، وقال: كان ثقة مأموناً قليل
الحديث، وكان كثير الصلاة بالليل، وكان يسرج المصباح ويصلي ويبكي
حتى الصباح، وكان يضع إصبعه في المصباح ويقول: حسَّ يا أحنف،
ما حملك على كذا؟ ما حملك على كذا؟ ويقول لنفسه: إذا لم تصبر على
المصباح فكيف تصبر على النار الكبرى؟
وقيل له: كيف سودك قومك وأنت أرذلهم خلقة؟قال: لو عاب قومي
الماء ما شربته.
كان الأحنف من أمراء علي يوم صفين، وهو الذي صالح أهل بلخ
على أربعمائة ألف دينار في كل سنة.وله وقائع مشهودة مشهورة، وقتل
من أهل خراسان خلقاً كثيراً في القتال بينهما، وانتصر عليهم.
وقال الحاكم:
وهو الذي افتتح مرو الروذ، وكان الحسن وابن سيرين في جيشه، وهو
الذي افتتح سمرقند وغيرها من البلاد.
وقيل: أنه مات سنة سبع وستين.
وقيل غير ذلك، عن سبعين سنة.
وقيل: عن أكثر من ذلك.
ومن كلامه وقد سئل عن الحلم ما هو؟فقال: الذل مع الصبر.
وكان إذا تعجب الناس من حلمه يقول: والله إني لأجد ما يجدون،
ولكني صبور.
وقال: وجرت الحلم أنصر لي من الرجال، وقد انتهى إليه الحلم والسؤدد،
وقال: أحيي معروفك بإماتة ذكره.
وقال: عجبت لمن يجري مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟
وقال: ما أتيت باب أحد من هؤلاء إلا أن أُدعى، ولا دخلت بين اثنين
إلا أن يدخلاني بينهما.
وقيل له: بم سدت قومك؟قال: بتركي من الأمر ما لا يعنيني، كما عناك
من أمري ما لا يعنيك.
وأغلظ له رجل في الكلام وقال: والله يا أحنف لئن قلت لي واحدة
لتسمعن بدلها عشراً.فقال له: إنك إن قلت لي عشراً لا تسمع مني واحدة.
وكان يقول في دعائه: اللهم إن تعذبني فأنا أهل لذلك، وإن تغفر لي
فأنت أهل لذلك.
وقد كان زياد بن أبيه يقربه ويدنيه، فلما مات زياد وولى ابنه عبيد الله
لم يرفع به رأساً، فتأخرت عنده منزلته، فلما وفد برؤساء أهل العراق
على معاوية أدخلهم عليه على مراتبهم عنده، فكان الأحنف آخر من أدخله
عليه.فلما رآه معاوية أجله وعظمه، وأدناه وأكرمه، وأجلسه معه على
الفراش، ثم أقبل عليه يحادثه دونهم، ثم شرع الحاضرون في الثناء على
ابن زياد والأحنف ساكت.فقال له معاوية: مالك لا تتكلم؟قال: إن تكلمت
خالفتهم.فقال معاوية: أشهدكم أني قد عزلته عن العراق، ثم قال لهم:
انظروا لكم نائباً، وأَجَّلَهُم ثلاثة أيام، فاختلفوا بينهم اختلافاً كثيراً، ولم
يذكر أحد منهم بعد ذلك عبيد الله، ولا طلبه أحد منهم، ولم يتكلم الأحنف
في ذلك كلمة واحدة مع أحد منهم.فلما اجتمعوا بعد ثلاث أفاضوا في ذلك
الكلام وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات والأحنف ساكت.فقال له معاوية:
تكلم.فقال له: إن كنت تريد أن تولي فيها أحداً من أهل بيتك فليس فيهم
من هو مثل عبيد الله، فإنه رجل حازم لا يسد أحد منهم مسده، وإن كنت
تريد غيره فأنت أعلم بقرابتك.فرده معاوية إلى الولاية، ثم قال له بينه
وبينه: كيف جهلت مثل الأحنف؟ إنه هو الذي عزلك وولاك وهو ساكت،
فعظمت منزلة الأحنف بعد ذلك عند ابن زياد جداً.توفي الأحنف بالكوفة
وصلى عليه مصعب بن الزبير، ومشى في جنازته، وقد تقدمت له حكاية.
ذكر الواقدي أنه قدم على معاوية فوجده غضبان على ابنه يزيد، وأنه
أصلح بينهما بكلام.قال: فبعث معاوية إلى يزيد بمالٍ جزيل وقماش كثير،
فأعطى يزيد نصفه للأحنف، والله سبحانه أعلم.
البراء بن عازب
بن الحارث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارت بن الخزرج
بن عمرو بن مالك بن أوس الأنصاري الحارثي الأوسي.صحابي جليل،
وأبوه أيضاً صحابي، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث
كثيرة، وحدث عن أبي بكر، وعمر، وعلي وغيرهم، وعنه جماعة
من التابعين وبعض الصحابة
وقيل: إنه مات بالكوفة أيام ولاية مصعب بن الزبير على العراق.
عبيدة السلماني القاضي
وهو عبيدة بن عمرو.
ويقال: ابن قيس بن عمرو السلماني المرادي، أبو عمرو الكوفي.
وسلمان بطن من مراد، أسلم عبيدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم،
وروى عن ابن مسعود، وعلي، وابن الزبير.وحدث عنه جماعة
من التابعين.
وقال الشعبي:
كان يوازي شريحاً في القضاء.
قال ابن نمير:
كان شريح إذا أشكل عليه أمر كتب إلى عبيدة فيه، وانتهى إلى قوله،
وقد أثنى عليه غير واحد، وكانت وفاته في هذه السنة.
وقيل: سنة ثلاث.
وقيل: أربع وسبعين فالله أعلم.
وقد قيل: إن مصعب بن الزبير قتل فيها فالله أعلم.
وممن توفي أيضاً عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي، له صحبة
ورواية، وقرأ على أبيّ بن كعب، وقرأ عليه مجاهد وغيره.
عطية بن بشر
المازني له صحبة ورواية.
عبيدة بن نضيلة
أبو معاوية الخزاعي الكوفي مقري أهل الكوفة، مشهور بالخير والصلاح،
توفي بالكوفة في هذه السنة.
عبد الله بن قيس الرقيّات
القرشي العامري أحد الشعراء، مدح مصعباً وابن جعفر.
عبد الله بن حمام
أبو عبد الرحمن الشاعر السلولي هجا بني أمية بقوله:
شربنا الغيض حتى لو سقينا * دماء بني أمية ما روينا
ولو جاؤوا برملة أو بهندٍ * لبايعنا أمير المؤمنينا
وكان عبيدة السلماني أعوراً، وكان أحد أصحاب ابن مسعود الذين يفتنون
الناس، توفي بالكوفة.
ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
ففيها:
كانت وقعة عظيمة بين المهلب بن أبي صفرة وبين الأزارقة من الخوارج
بمكان يقال له: سولاق، ثم مكثوا نحواً من ثمانية أشهر متواقفين، وجرت
بينهم حروب يطول بسطها، وقد استقصاها ابن جرير، وقتل في أثناء ذلك
من هذه المدة مصعب بن الزبير.
ثم إن عبد الملك أقر المهلب بن أبي صفرة على الأهواز وما معها، وشكر
سعيه وأثنى عليه ثناء كثيراً، ثم تواقع الناس في دولة عبد الملك بالأهواز
فكسر الناس الخوارج كسرة فظيعة، وهربوا في البلاد لا يلوون على أحد،
واتبعهم خالد بن عبد الله أمير الناس ودواد بن محندم فطردوهم.
وأرسل عبد الملك إلى أخيه بشر بن مروان أن يمدهم بأربعة آلاف، فبعث
إليه أربعة آلاف عليهم عتاب بن ورقاء فطردوا الخوارج كل مطرد، ولكن
لقي الجيش جهداً عظيماً وماتت خيولهم، ولم يرجع أكثرهم إلا مشاة
إلى أهليهم.
قال ابن جرير:
وفي هذه السنة كان خروج أبي فديك الحارثي وهو من قيس بن ثعلبة،
وغلب على البحرين وقتل نجدة بن عامر الحارثي، فبعث إليه خالد بن عبد الله
أمير البصرة أخاه أمية بن عبد الله في جيش كثيف، فهزمهم أبو فديك
وأخذ جارية لأمية واصطفاها لنفسه.
وكتب خالد أمير البصرة إلى عبد الملك يعلمه بما وقع، واجتمع على خالد
هذا حرب أبي فديك وحرب الأزارقة أصحاب قطري بن الفجاءة بالأهواز.
قال ابن جرير: وفيها:
بعث عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي إلى
عبد الله بن الزبير ليحاصره بمكة.
قال: وكان السبب في بعثه له دون غيره، أن عبد الملك بن مروان لما أراد
الرجوع إلى الشام بعد قتله مصعباً وأخذه العراق، ندب الناس إلى قتال
عبد الله بن الزبير بمكة فلم يجبه أحد إلى ذلك.فقام الحجاج وقال: يا
أمير المؤمنين أنا له.وقص الحجاج على عبد الملك مناماً زعم أنه رآه،
قال: رأيت يا أمير المؤمنين كأني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته، فابعث
بي إليه فإني قاتله.فبعثه في جيش كثيف من أهل الشام، وكتب معه أماناً
لأهل مكة إن أطاعوه.قالوا: فخرج الحجاج في جمادى من هذه السنة
ومعه ألفا فارس من أهل الشام، فسلك طريق العراق ولم يعرض للمدينة
حتى نزل الطائف، وجعل يبعث البعوث إلى عرفة، ويرسل ابن الزبير
الخيل فيلتقيان فيهزم خيل ابن الزبير وتظفر خيل الحجاج.ثم كتب الحجاج
إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير، فإنه قد
كلت شوكته، وملت جماعته، وتفرق عنه عامة أصحابه، وسأله أن يمده
برجال أيضاً.فكتب عبد الملك إلى طارق بن عمرو يأمره أن يلحق بمن معه
بالحجاج، وارتحل الحجاج من الطائف فنزل بئر ميمونة، وحصر
ابن الزبير بالمسجد، فلما دخل ذو الحجة حج بالناس الحجاج في هذه
السنة، وعليه وعلى أصحابه السلاح وهم وقوف بعرفات.وكذا فيما بعدها
من المشاعر، وابن الزبير محصور لم يتمكن من الحج هذه السنة، بل نحر
بدناً يوم النحر، وهكذا لم يتمكن كثير ممن معه من الحج، وكذا لم يتمكن
كثير ممن مع الحجاج وطارق بن عمرو أن يطوفوا بالبيت، فبقوا على
إحرامهم لم يحصل لهم التحلل الثاني.
والحجاج وأصحابه نزول بين الحجون وبئر ميمونة،
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قال ابن جرير:
وفي هذه السنة كتب عبد الملك إلى عبد الله بن خازم أمير خراسان
يدعوه إلى بيعته ويقطعه خراسان سبع سنين، فلما وصل إليه الكتاب
قال للرسول: بعثك أبو الذبان؟ والله لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك، ولكن
كل كتابه فأكله.وبعث عبد الملك إلى بكير بن وشاح نائب ابن خازم على
مرو يعده بإمرة خراسان إن هو خلع عبد الله بن خازم، فخلعه، فجاء
ابن خازم فقاتله فقتل في المعركة عبد الله بن خازم أمير خراسان، قتله
رجل يقال له: وكيع بن عميرة، لكن كان قد ساعده غيره، فجلس وكيع
على صدره وفيه رمق، فذهب لينوء فلم يتمكن من ذلك. وجعل وكيع
يقول: يا ثارات دَويلة - يعني: أخاه - وكان دويلة قد قتله ابن خازم،
ثم إن ابن خازم تنخم في وجه وكيع.
قال وكيع: لم أر أحداً أكثر ريقاً منه في تلك الحال، وكان أبو هريرة
إذا ذكر هذا يقول: هذه والله هي البسالة.وقال له ابن خازم: ويحك أتقتلني
بأخيك؟ لعنك الله، أتقتل كبش مصر بأخيك العلج؟ وكان لا يساوي كفاً
من تراب - أو قال من نوىً -.قال: فاحتز رأسه وأقبل بكير بن وشاح فأراد
أخذ الرأس فمنعه منه بجير بن ورقاء فضربه بجير بعموده وقيده، ثم أخذ
الرأس، ثم بعثه إلى عبد الملك بن مروان وكتب إليه بالنصر والظفر.
فسر بذلك سروراً كثيراً، وكتب إلى بكير بن وشاح بإقراره على
نيابة خراسان.
وفي هذه السنة
أخذت المدينة من ابن الزبير، واستناب فيها عبد الملك طارق بن عمرو،
الذي كان بعثه مدداً للحجاج.
وهذه ترجمة عبد الله بن خازم
هو عبد الله بن خازم بن أسماء السلمي أبو صالح البصري أمير خراسان
أحد الشجعان المذكورين، والفرسان المشكورين.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في (تهذيبه):
ويقال له: صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في العمامة
السوداء، وهو عند أبي داود، والترمذي، والنسائي، لكن لم يسموه.
وروى عنه سعد بن عثمان الرازي، وسعيد بن الأزرق.
روى أبو بشير الدولابي:
أنه قتل في سنة إحدى وسبعين.
وقيل: في سنة سبع وثمانين، وليس هذا القول بشيء.
انتهى ما ذكره شيخنا، وقد ذكره أبو الحسن ابن الأثير في
(أسد الغابة في أسماء الصحابة).
فقال: عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال
بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن نهية بن سليم بن منصور،
أبو صالح السلمي، أمير خراسان، شجاع مشهور، وبطل مذكور.
وروى عنه سعيد بن الأزرق، وسعد بن عثمان.
قيل: إن له صحبة وفتح سرخس، وكان أميراً على خراسان أيام فتنة
ابن الزبير، وأول ما وليها سنة أربع وستين بعد موت يزيد بن معاوية
وابنه معاوية، وجرى له فيها حروب كثيرة حتى تم أمره بها،
وقد استقصينا أخباره في كتاب (الكامل في التاريخ)، وقتل سنة
إحدى وسبعين.وهكذا حكى شيخنا عن الدولابي،
وكذا رأيت في (التاريخ) لشيخنا الذهبي.
والذي ذكره ابن جرير في (تاريخه):
أنه قتل سنة ثنتين وسبعين.
قال: وزعم بعضهم أنه قتل بعد مقتل عبد الله بن الزبير، وأن عبد الملك
بعث برأس ابن الزبير إلى ابن خازم بخراسان، وبعث يدعوه إلى طاعته
ولّه خراسان عشر سنين
وإن ابن خازم لما رأى رأس ابن الزبير حلف لا يعطي عبد الملك طاعة
أبداً، ودعا بطست فغمس رأس ابن الزبير وكفنه وطيبه، وبعث به
إلى أهله بالمدينة.ويقال: بل دفنه عنده بخراسان والله أعلم.وأطعم الكتاب
للبريد الذي جاء به وقال: لولا أنك رسول لضربت عنقك.وقال بعضهم:
قطع يديه ورجليه وضرب عنقه.
وممن توفي فيها من الأعيان
الأحنف بن قيس
أبو معاوية بن حصين التميمي السعدي أبو بحر البصري ابن أخي
صعصعة بن معاوية، والأحنف لقب له، وإنما اسمه: الضحاك.
وقيل: صخر.أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وجاء
في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له، وكان سيداً شريفاً
مطاعاً مؤمناً، عليم اللسان، وكان يضرب بحلمه المثل، وله أخبار
في حلمه سارت بها الركبان.
قال عنه عمر بن الخطاب:
هو مؤمن عليم اللسان.
وقال الحسن البصري:
ما رأيت شريف قوم أفضل منه.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي:
هو بصري، تابعي ثقة، وكان سيد قومه، وكان أعور، أحيف الرجلين،
ذميماً، قصيراً كوسجاً له بيضة واحدة.
احتبسه عمر عن قومه سنة يختبره، ثم قال: هذا والله السيد - أو قال:
السؤدد -.
وقيل: إنه خطب عند عمر فأعجبه منطقه.
قيل: ذهبت عينه بالجدري.
وقيل: في فتح سمرقند.
وقال يعقوب بن سفيان:
كان الأحنف جواداً حليماً، وكان رجلاً صالحاً.أدرك الجاهلية ثم أسلم،
وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فاستغفر له، وقال: كان ثقة مأموناً قليل
الحديث، وكان كثير الصلاة بالليل، وكان يسرج المصباح ويصلي ويبكي
حتى الصباح، وكان يضع إصبعه في المصباح ويقول: حسَّ يا أحنف،
ما حملك على كذا؟ ما حملك على كذا؟ ويقول لنفسه: إذا لم تصبر على
المصباح فكيف تصبر على النار الكبرى؟
وقيل له: كيف سودك قومك وأنت أرذلهم خلقة؟قال: لو عاب قومي
الماء ما شربته.
كان الأحنف من أمراء علي يوم صفين، وهو الذي صالح أهل بلخ
على أربعمائة ألف دينار في كل سنة.وله وقائع مشهودة مشهورة، وقتل
من أهل خراسان خلقاً كثيراً في القتال بينهما، وانتصر عليهم.
وقال الحاكم:
وهو الذي افتتح مرو الروذ، وكان الحسن وابن سيرين في جيشه، وهو
الذي افتتح سمرقند وغيرها من البلاد.
وقيل: أنه مات سنة سبع وستين.
وقيل غير ذلك، عن سبعين سنة.
وقيل: عن أكثر من ذلك.
ومن كلامه وقد سئل عن الحلم ما هو؟فقال: الذل مع الصبر.
وكان إذا تعجب الناس من حلمه يقول: والله إني لأجد ما يجدون،
ولكني صبور.
وقال: وجرت الحلم أنصر لي من الرجال، وقد انتهى إليه الحلم والسؤدد،
وقال: أحيي معروفك بإماتة ذكره.
وقال: عجبت لمن يجري مجرى البول مرتين كيف يتكبر؟
وقال: ما أتيت باب أحد من هؤلاء إلا أن أُدعى، ولا دخلت بين اثنين
إلا أن يدخلاني بينهما.
وقيل له: بم سدت قومك؟قال: بتركي من الأمر ما لا يعنيني، كما عناك
من أمري ما لا يعنيك.
وأغلظ له رجل في الكلام وقال: والله يا أحنف لئن قلت لي واحدة
لتسمعن بدلها عشراً.فقال له: إنك إن قلت لي عشراً لا تسمع مني واحدة.
وكان يقول في دعائه: اللهم إن تعذبني فأنا أهل لذلك، وإن تغفر لي
فأنت أهل لذلك.
وقد كان زياد بن أبيه يقربه ويدنيه، فلما مات زياد وولى ابنه عبيد الله
لم يرفع به رأساً، فتأخرت عنده منزلته، فلما وفد برؤساء أهل العراق
على معاوية أدخلهم عليه على مراتبهم عنده، فكان الأحنف آخر من أدخله
عليه.فلما رآه معاوية أجله وعظمه، وأدناه وأكرمه، وأجلسه معه على
الفراش، ثم أقبل عليه يحادثه دونهم، ثم شرع الحاضرون في الثناء على
ابن زياد والأحنف ساكت.فقال له معاوية: مالك لا تتكلم؟قال: إن تكلمت
خالفتهم.فقال معاوية: أشهدكم أني قد عزلته عن العراق، ثم قال لهم:
انظروا لكم نائباً، وأَجَّلَهُم ثلاثة أيام، فاختلفوا بينهم اختلافاً كثيراً، ولم
يذكر أحد منهم بعد ذلك عبيد الله، ولا طلبه أحد منهم، ولم يتكلم الأحنف
في ذلك كلمة واحدة مع أحد منهم.فلما اجتمعوا بعد ثلاث أفاضوا في ذلك
الكلام وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات والأحنف ساكت.فقال له معاوية:
تكلم.فقال له: إن كنت تريد أن تولي فيها أحداً من أهل بيتك فليس فيهم
من هو مثل عبيد الله، فإنه رجل حازم لا يسد أحد منهم مسده، وإن كنت
تريد غيره فأنت أعلم بقرابتك.فرده معاوية إلى الولاية، ثم قال له بينه
وبينه: كيف جهلت مثل الأحنف؟ إنه هو الذي عزلك وولاك وهو ساكت،
فعظمت منزلة الأحنف بعد ذلك عند ابن زياد جداً.توفي الأحنف بالكوفة
وصلى عليه مصعب بن الزبير، ومشى في جنازته، وقد تقدمت له حكاية.
ذكر الواقدي أنه قدم على معاوية فوجده غضبان على ابنه يزيد، وأنه
أصلح بينهما بكلام.قال: فبعث معاوية إلى يزيد بمالٍ جزيل وقماش كثير،
فأعطى يزيد نصفه للأحنف، والله سبحانه أعلم.
البراء بن عازب
بن الحارث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارت بن الخزرج
بن عمرو بن مالك بن أوس الأنصاري الحارثي الأوسي.صحابي جليل،
وأبوه أيضاً صحابي، روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث
كثيرة، وحدث عن أبي بكر، وعمر، وعلي وغيرهم، وعنه جماعة
من التابعين وبعض الصحابة
وقيل: إنه مات بالكوفة أيام ولاية مصعب بن الزبير على العراق.
عبيدة السلماني القاضي
وهو عبيدة بن عمرو.
ويقال: ابن قيس بن عمرو السلماني المرادي، أبو عمرو الكوفي.
وسلمان بطن من مراد، أسلم عبيدة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم،
وروى عن ابن مسعود، وعلي، وابن الزبير.وحدث عنه جماعة
من التابعين.
وقال الشعبي:
كان يوازي شريحاً في القضاء.
قال ابن نمير:
كان شريح إذا أشكل عليه أمر كتب إلى عبيدة فيه، وانتهى إلى قوله،
وقد أثنى عليه غير واحد، وكانت وفاته في هذه السنة.
وقيل: سنة ثلاث.
وقيل: أربع وسبعين فالله أعلم.
وقد قيل: إن مصعب بن الزبير قتل فيها فالله أعلم.
وممن توفي أيضاً عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي، له صحبة
ورواية، وقرأ على أبيّ بن كعب، وقرأ عليه مجاهد وغيره.
عطية بن بشر
المازني له صحبة ورواية.
عبيدة بن نضيلة
أبو معاوية الخزاعي الكوفي مقري أهل الكوفة، مشهور بالخير والصلاح،
توفي بالكوفة في هذه السنة.
عبد الله بن قيس الرقيّات
القرشي العامري أحد الشعراء، مدح مصعباً وابن جعفر.
عبد الله بن حمام
أبو عبد الرحمن الشاعر السلولي هجا بني أمية بقوله:
شربنا الغيض حتى لو سقينا * دماء بني أمية ما روينا
ولو جاؤوا برملة أو بهندٍ * لبايعنا أمير المؤمنينا
وكان عبيدة السلماني أعوراً، وكان أحد أصحاب ابن مسعود الذين يفتنون
الناس، توفي بالكوفة.