المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التقديم بحسب الكثرة و القلة


adnan
02-14-2015, 08:08 PM
الأخت / الملكة نـــور



التقديم بحسب الكثرة والقلة

قد يكون التقديم بحسب الكثرة والقلة فقد يرتب المذكورات متدرجاً
من القلة إلى الكثرة حسبما يقتضيه المقام
وذلك نحو قوله

{ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}
( البقرة)

فكل طائفة هي أقل من التي بعدها فتدرج من القلة إلى الكثرة. فالطائفون
أقل من العاكفين لأن الطواف لا يكون إلا حول الكعبة. والعكوف يكون
في المساجد عموماً. والعاكفون أقل من الراكعين لأن الركوع أي الصلاة
تكون في كل أرض طاهرة، أما العكوف فلا يكون إلا في المساجد .
والراكعون أقل من الساجدين وذلك لأن لكل ركعة سجدتين ثم أن كل راكع
لا بد أن يسجد وقد يكون سجود ليس له ركوع كسجود التلاوة وسجود
الشكر. فهو هنا تدرج من القلة إلى الكثرة.

ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام فإن الكلام على بيت الله الحرام.
قال تعالى

{ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125 }
( البقرة)

فالطائفون هم ألصق المذكورين بالبيت لأنهم يطوفون حوله، فبدأ بهم
ثم تدرج إلى العاكفين في هذا البيت أو في بيوت الله عموماً، ثم الركع
السجود الذين يتوجهون إلى هذا البيت في ركوعهم وسجودهم
في كل الأرض.
ونحوه قوله تعالى

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
(77) الحج)

فبدأ بالركوع وهو أقل المذكورات ثم السجود وهو أكثر، ثم عبادة
الرب وهو أعمّ، ثم فعل الخير.

وقد يكون الكلام بالعكس فيتدرج من الكثرة إلى القلة :
وذلك نحو قوله تعالى

{ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }
(43) آل عمران

فبدأ بالقنوت وهو عموم العبادة، ثم السجود وهو أثل وأخص،
ثم الركوع وهو أقل وأخص.

ومنه قوله تعالى

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) التغابن }
فبدأ بالكفار لأنهم أكثر
* قال تعالى

{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)}
( يوسف).

ونحوه قوله تعالى

{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ
بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) }
(فاطر)

فقدم الظالم لكثرته ثم المقتصد وهو أقل ممن قبله ثم السابقين وهم
أقل. جاء في (الكشاف) في هذه الآية: "فإن قلت : لم قدم الظالم
ثم المقتصد ثم السابق؟ قلت للإيذان بكثر الفاسقين وغلبتهم
وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم والسابقون أقل من القليل."
ألا ترى كيف قال الله تعالى في السابقين

{ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14) }
(الواقعة)

إشارة إلى ندرة وقلة وجودهم؟
قالوا: ومن هذا النوع من التقديم قوله تعالى

{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا (38)}
( المائدة)

قدم السارق على السارقة لأن السرقة في الذكور أكثر. وقدم الزانية
على الزاني في قوله تعالى

{ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ (2)}
( النور)

لأن الزنى فيهن أكثر.

ألا ترى أن قسماً من النساء يحترفن هذه الفعلة الفاحشة؟ وجاء
في حاشية ابن المنير على (الكشاف) قوله: "وقدم الزانية على الزاني
والسبب فيه أن الكلام الأول في حكم الزنى والأصل فيه المرأة لما يبدو
منها من الإيماض والإطماع والكلام،ولأن مفسدته تتحقق
بالإضافة إليها".