المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معجزات الفعل الإنساني (02-02)


adnan
02-19-2015, 09:50 PM
الأخ / عبد العزيز محمد - الفقير إلي الله

معجزات الفعل الإنساني (02-02)

موسى وانفلاق البحر :
لا حيلة لإنسان أيّا كان أن يجعل البحر ينقسم إلى قطعتين ضخمتين فهذا
لا يمكن أن يحدث إلاّ بأمر الله وقدرته وهو ما وقع بالفعل ليعبّد لبني
إسرائيل طريقا يعبرون منه إلى برّ الأمان لكنّه لم يقع إلاّ بعد بذل موسى
جهدا رمزيا أُمر به:

{ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ
فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }..
(الشعراء : 63).

أصحاب الكهف :
دخل أولئك الفتية الربانيون تجربةً روحيّةً فريدةً جمعت بين هجر الأهل
والموطن بسبب شركهم وبين فرارهم الواعي بدينهم وكان تحوّلهم هذا
موقفاً عمليّاً أوجزه القرآن الكريم في عبارة موحية:

{ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }
(الكهف : 14).

فهم لم يقولوا حتّى قاموا أي كان تصريحهم بالقرار المتّخذ مقترناً بالنشاط
القويّ الّذي يحويه لفظ ” القيام “ ومعلوم أنّ رجل القول غير رجل العمل
فهؤلاء عملوا قبل أن يقولوا فكان قيامهم جامعاً لمعاني العزيمة القوية
والسعي الجاد.

ذو القرنين :
قام هذا القائد الصالح بأعمال جليلة فيها إصلاح وخدمة لشعوب
مستضعفة ولم يكتف بإصدار الأوامر في هذا الشأن وإنّما تحرّك بنفسه
يستكشف ويتفقّد وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بتكرار عبارة

{ أَتْبَع سبباً }
(الكهف : 85-89-92)

أي أنّ ذا القرنين كان رجل ميدان يأخذ بالأسباب مرّةً بعد مرّة وهذا يوحي
مرّةً أخرى بالإيجابيّة والنشاط الدؤوب والعمل القويّ وهذا دأب كلّ مصلح
ينطلق يمنةً ويسرةً وينوّع الأسباب حتّى يحقّق بإذن الله أفضل النتائج.
ولنا مثال آخر في قصّة ذي القرنين يخدم هذا الغرض
وقد ورد في قول الله تعالى:

{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ
فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا *
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ
أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا }
(الكهف : 94 – 95)

فقد قابل عرضهم المغري بالمال يغدقونه عليه على أن يتولّى هو العمل
بدلاً عنهم بعرض آخر أنسب للإنسان المستخلف هو مساهمتهم العمليّة
معه في بناء السدّ واشترط أن تكون هذه المساهمة قويّةً لا ضعيفةً ولا
رمزيةً وتفصّل الآيات الكريمة الأمر بعد ذلك وتبيّن كيف شغّلهم في جمع
الحديد وصهره بالنحاس وردم الهوّة به وهذا عمل كبير مضن من غير
شكّ فبدل أن يكتفوا بإخراج المال جعلهم يفجّرون طاقاتهم ويبذلون
جهدهم لأنّ مناط النجاح هو العمل وليس المال.

الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) :
أمّا خاتم الأنبياء فقد كانت سيرته العطرة كلّها حركةً ونشاطاً وعزيمةً
وسعياً أي تزكية للفعل الإنساني مهما كان مجال تحرّكه
عليه الصلاة والسلام.
ففي العبادة قال الله تعالى له:

{ قُم الليل إلاّ قليلاً }
(المزمل : 2)

فهيّ عبادة حيّة شاقّة تحتاج إلى معاني القيام واستثمار القوى الجسدية
والنفسية. وفي مجال الدعوة قال له:

{ قُم فأنذر }
(المدثر : 2)

فقام عليه الصلاة والسلام وبقي قائماً ثلاثة وعشرين عاماً لم يخلد فيها
إلى الراحة إلاّ قليلاً
كما قال الله أيضاً:

{ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا }
(الجن : 19).

وسيرته دليل عمليّ للدعاة إلى الله تعلّمهم الأخذ بأسباب القوّة واستجماع
شروط النجاح وتحقيق الغايات عبر الانطلاق الفاعل المتواصل الدؤوب
في كلّ ميادين العطاء ومجالاته وهذا من شأنه تنشئةُ الأمّة الشاهدة الّتي
تجمع بعملها الموفّق بين السموّ الروحيّ والتقدّم الماديّ وتبني الحضارة
الّتي تلتحم فيها الربانيّة والإنسانيّة فإذا تناست الأمّة معاني التحرّك القويّ
والعزيمة والنشاطانقلبت إلى نموذج أمّة التخلّف الّتي تتّصف بجملة
من الخصائص السلبيّة، أهمّها:



- تتكلّم أكثر ممّا تعمل بينما يعمل صاحب الفعل القويّ

ويترك عمله يتكلّم عنه.



- عملها قليل وبطيء ومكلّف تنفق كثيراً من الأوقات والأموال والجهود

ولا تحقّق رغم ذلك إلاّ النتائج الهزيلة وأقرب مثال على ذلك ما عليه

الأندية الرياضية العربيّة الّتي تبتلع ميزانيّات ضخمة وهي دائمة

في مؤخّرة الترتيب أو قريبة منها.



- تستمرئ استيراد السلع والخدمات الضروريّة والحاجية وتغرق

في الكماليّات وتعتقد أنّ الغرب مسخّر لها هو ينتج وهي تستهلك

فهيّ تنتقص من قيمة الفعل الذاتي وترضى بحال السلبية واليد السفلى

والنظرة العبورية للحياة.



وكان ينبغي لمن فقه الكتاب والسنّة أن يكون دائماً

في صفّ الفعل الحاسم وقمّة الإيجابيّة وجانب القوّة:



{ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

(البقرة : 63).



( المؤمن القويّ أحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف )

(رواه مسلم).



وهذا ما يليق بالمسلم سواءً كان طالباً أو عاملاً أو سيّاسيّاً أو عالماً

أو مجاهدا أو مقاوما أو رياضيّا وقد يبدو من الوهلة الأولى قضية مسلّمة

و بديهية لا تستحقّ النقاش لكنّ واقعنا المتردّي يستدعي التأصيل بعد

انحسار فكر المسلم وتراجع إسهاماته إلى درجة تواري قيم الفعل

الإنساني خلف الرؤى الجبرية وعقلية الإعجاز والتعجيز.