المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابن الجوزي - الواعظ المربي (الجزء الثالث)


adnan
03-08-2015, 08:54 PM
الأخت / الملكة نـــور





ابن الجوزي - الواعظ المربي (الجزء الثالث)


تتمة سلسلة علماء الحديث
ابن الجوزي - الواعظ المربي ( الجزء الثالث )

مما أخذ على ابن الجوزي :
لا يبلغ الكمال أحد إلا الله تعالى، وليس هناك مخلوق معصوم من الخطأ
والزلل إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وابن الجوزي –رحمه الله- مع
ما وصل إليه من العلم فقد أخذ العلماء عليه جملة من المآخذ، ومنها:

كثرة أغلاطه في تصانيفه
وعذره في هذا واضح، وهو أنه كان مكثرا من التصانيف، فيصنف الكتاب
ولا يعتبره، بل يشتغل بغيره. وربما كتب في الوقت الواحد من تصانيف
عديدة. ولولا ذلك لم يجتمع له هذه المصنفات الكثيرة، ولهذا نقل عنه أنه
قَالَ: أنا مُرتب، ولست بمصنف[55].

ميله إلى التأويل في بعض كلامه
وقد اشتد نكير العلماء عليه في ذلك، ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب
مختلف، وهو وإن كان مطلعا على الأحاديث والآثار في هذا الباب، فلم
يكن خبيرا بحل شبهة المتكلمين، وبيان فِسادها، وابن الجوزي في هذا
تابعا لشيخه أبي الوفاء بن عقيل، وكان ابن عقيل بارعا في الكلام، ولم
يكن تام الخبرة بالحديث والآثار. فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلون فيه
آراؤه. وأبو الفرج تابع له في هذا التلون[56].

وأما ما يثبت ميل ابن الجوزي - رحمه الله - إلى التأويل ما وجد من ثنايا
كتبه حيث ألّف كتابًا مستقلاً يناقش هذا الموضوع باسم (دفع شبه
التشبيه) وهو مطبوع أورد فيه بعض آيات قرآنية، وستين حديثًا ورد
فيها الكلام عن ذات الله وصفاته صلى الله عليه وسلم، كالوجه، واليد،
والنفس، والساق، والاستواء، فيؤوّلها بما يحتمل التأويل بخلاف ما ذهب
إليه السلف من إمرارها كما وردت بدون تأويل ولا تشبيه،
ولا تعطيل [57].

وعن هذا قال موفق الدين المقدسي : كان ابن الجوزي إمام أهل عصره
في الوعظ ... و كان حافظا للحديث ، و صنف فيه ، إلا أننا لم نرض
تصانيفه في السنة ، و لا طريقته فيه [58].

وأقول: إنا ما أخذه العلماء الثقات على ابن الجوزي - رحمه الله - يتيه في
بحار حسناته وما قدمه للأمة الإسلامية.. وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه.

محنة ابن الجوزي :
كان ابن الجوزي –رحمه الله- كما ذكرنا شجاعا في الحق لا يخاف في الله
لومة لائم، ومن كانت هذه صفاه فلا ريب أنه سيتعرض للمحن والشدائد
والابتلاءات، وهذا مصير العلماء العاملين المجاهدين .

امتحن ابن الجوزي - رحمه الله - في آخر عمره وذلك سنة 590هـ،
وكانت محنته - رحمه الله - مع الشيعة الرافضة، وقصة محنته كما في
كتب السير وملخصها: أن الوزير ابن يونس الحنبلي كان في ولايته قد
عقد مجلسا للركن عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الجيلي
(الجيلاني)، وأحرقت كتبه، وكان فيها من الزندقة وعبادة النجوم ورأى
الأوائل شيء كثير، وذلك بمحضر من ابن الجوزي وغيره من العلماء،
وانتزع الوزير ابن يونس منه مدرسة جده عبد القادر الجيلاني، وسلمها
إلى ابن الجوزي، فلما ولي الوزارة ابن القصاب - وكان رافضيا خبيثا –
سعى في القبض على ابن يونس، وتتبع أصحابه، فقال له الركن
عبد السلام بن عبد الوهاب: أين أنت عن ابن الجوزي؟ فإنه ناصبي
ومن أولاد أَبي بكر الصديق، فهو من أكبر أصحاب ابن يونس، وأعطاه
مدرسة جدي، وأحرقت كتبي بمشورته. فكتب ابن القصاب إلى الخليفة
الناصر (575 ـ 622هـ) وكان الناصر له ميل إلى الشيعة ولم يكن - له
ميل إلى الشيخ أبي الفرج، بل قد قيل: إنه كان يقصد أذاه، فأمر بتسليمه
إلى الركن عبد السلام، فجاء إلى دار الشيخ وشتمه، وأغلظ عليه وختم
على كتبه وداره، وشتت عياله .

فلما كان في أول الليل حمل في سفينة وليس معه إلا عدوه الركن، وعلى
الشيخ ابن الجوزي غلالة بلا سراويل، وعلى رأسه تخفيفة، فأحدر إلى
واسط. وكان ناظرها شيعيا. فقال له الركن: مكني من عدوي لأرميه
في المطمورة (السجن)، فزبره (فمنعه)، فقال الناظر الشيعي: يا زنديق،
أرميه بقولك!، هات خط الخليفة، والله لو كان من أهل مذهبي لبذلت
روحي ومالي في خدمته .

قال ابن القادسي: وأفردت للشيخ دار بدرب الديوان، وأفرد له من يخدمه،
وبقي الشيخ محبوسا بواسط في داره، وأقام بها خمس سنين يخدم نفسه
بنفسه، ويغسل ثوبه ويطبخ، ويستقي الماء من البئر، ولا يتمكن
من خروج إلى حمام ولا غيره وقد قارب الثمانين .

وبقي على ذلك من سنة 590هـ إلى سنة 595هـ، فأفرج عنه، وقدم إلى
بغداد وخرج خلق كثير يوم دخوله لتلقيه، وفرح به أهل بغداد فرحا زائدا،
ونودي له بالجلوس يوم السبت .. ولم يزل الشيخ على عادته الأولى
في الوعظ، ونشر العلم وكتابته إلى أن مات[59]. .