المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة


adnan
03-08-2015, 09:22 PM
الأخ / مصطفى آل حمد





ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة للهجرة النبوية الشريفة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله


فيها
غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى، وسليمان بن هشام الصائفة
اليمنى، وهما ابنا أمير المؤمنين هشام‏.‏

وفيها
بعث مروان بن محمد - وهو‏:‏ مروان الحمار - وهو على أرمينية بعثين
ففتح حصوناً من بلاد اللان، ونزل كثير منهم على الإيمان‏.‏

وفيها
عزل هشام عاصم بن عبد الله الهلالي الذي ولاه في السنة قبلها خراسان
مكان الجنيد، فعزله عنها وضمها إلى عبد الله بن خالد القسري مع العراق
معادة إليه جرياً على ما سبق له من العادة، وكان ذلك عن كتاب
عاصم بن عبد الله الهلالي المعزول عنها‏.‏

وذلك أنه كتب إلى أمير المؤمنين هشام‏:‏ أن ولاية خراسان لا تصلح إلا مع
ولاية العراق، رجاء أن يضيفها إليه، فانعكس الأمر عليه فأجابه هشام إلى
ذلك قبولاً إلى نصيحته، وأضافها إلى خالد القسري

وفيها توفي‏:‏
قتادة بن دعامة السدوسي
أبو الخطاب البصري الأعمى، أحد علماء التابعين، والأئمة العاملين‏.‏
روى عن‏:‏ أنس بن مالك، وجماعة من التابعين، منهم‏:‏ سعيد بن المسيب،
والبصري، وأبو العالية، وزرارة بن أوفى، وعطاء، ومجاهد، ومحمد
بن سيرين، ومسروق، وأبو مجلز، وغيرهم‏.‏

وحدث عنه جماعات من الكبار‏:‏ كأيوب، وحماد بن مسلمة، وحميد
الطويل، وسعيد بن أبي عروبة، والأعمش، وشعبة، والأوزاعي،
ومسعر، ومعمر، وهمام‏.‏

قال ابن المسيب‏:‏
ما جاءني عراقي أفضل منه‏.‏

وقال بكر المزني‏:‏
ما رأيت أحفظ منه‏.‏

وقال محمد بن سيرين‏:
‏ هو من أحفظ الناس‏.‏

وقال مطر‏:‏
كان قتادة إذا سمع الحديث يأخذه العويل والزويل حتى يحفظه‏.‏

وقال الزهري‏:
‏ هو أعلم من مكحول‏.‏

وقال معمر‏:‏
ما رأيت أفقه من الزهري وحماد وقتادة‏.‏

وقال قتادة‏:
‏ ما سمعت شيئاً إلا وعاه قلبي‏.‏

وقال أحمد بن حنبل‏:
هو أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئاً إلا حفظه، وقرئ عليه صحيفة جابر
مرة واحدة فحفظها، وذكر يوماً فأثنى على علمه وفقهه ومعرفته
بالاختلاف والتفسير وغير ذلك‏.‏

وقال أبو حاتم كانت وفاته بواسط في الطاعون - يعني‏:‏
في هذه السنة - وعمره ست أو سبع وخمسون سنة‏.‏

قال قتادة‏:‏
من وثق بالله كان الله معه، ومن يكن الله معه تكن معه الفئة التي
لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، والعالم الذي
لا ينسى‏.‏

وقال‏:‏ في الجنة كوة إلى النار، فيقولون‏:‏ ما بال الأشقياء دخلوا النار
وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم، فقالوا‏:‏ إنا كنا نأمركم ولا نأتمر،
وننهاكم ولا ننتهي‏.‏

وقال‏:‏ باب من العلم يحفظه الرجل يطلب به صلاح نفسه وصلاح دينه
وصلاح الناس، أفضل من عبادة حول كامل‏.‏

وقال قتادة‏:‏ لو كان يكتفي من العلم بشيء لاكتفى موسى عليه السلام
بما عنده، ولكنه طلب الزيادة‏.‏

وفيها توفي‏:‏
أبو الحباب سعيد بن يسار
والأعرج
وابن أبي مليكة
وعبد الله بن أبي زكريا الخراعي
وميمون بن مهران
ابن موسى بن وردان‏.‏

فصل
فأما سعيد بن يسار فكان من العباد الزهاد، روى عن جماعة من
الصحابة، وكذلك الأعرج وابن أبي مليكة، وأما ميمون بن مهران فهو
من أجلاء علماء التابعين وزهادهم وعبادهم وأئمتهم‏.‏
‏كان ميمون إمام أهل الجزيرة‏.‏

روى الطبراني عنه، أنه قيل له‏:‏ مالك لا يفارقك أخ لك عن قلى‏؟‏
قال‏:‏ لأني لا أماريه ولا أشاريه‏.‏

قال عمر بن ميمون‏:‏ ما كان أبي يكثر الصلاة ولا الصيام، ولكن كان يكره
أن يعصي الله عز وجل‏.‏

وروى ابن أبي عدي‏:‏ عن يونس، عنه، قال‏:‏ لا تمارينَّ عالماً ولا جاهلاً،
فإنك إن ماريت عالماً خزن عنك علمه، وإن ماريت جاهلاً خشن بصدرك‏.‏

وقال عمر بن ميمون‏:‏ خرجت بأبي أقوده في بعض سكك البصرة، فمررنا
بجدول فلم يستطيع الشيخ أن يتخطاه، فاضجعت له فمر على ظهري،
ثم قمت فأخذت بيده‏.‏ثم دفعنا إلى منزل الحسن فطرقت الباب فخرجت إلينا
جارية سداسية، فقالت‏:‏ من هذا‏؟‏فقلت‏:‏ هذا ميمون بن مهران أراد لقاء
الحسن‏.‏فقالت‏:‏ كاتب عمر بن عبد العزيز‏؟‏ قلت لها‏:‏ نعم ‏!‏ قالت‏:‏ يا شقي
ما بقاؤك إلى هذا الزمان السوء‏؟‏قال‏:‏ فبكى الشيخ فسمع الحسن بكاءه
فخرج إليه فاعتنقا ثم دخلا، فقال ميمون‏:‏ يا أبا سعيد ‏!‏ إني قد أنست
من قلبي غلظة فاستكن لي منه، فقرأ الحسن‏:

‏ ‏{ ‏أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ *
مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ‏}
‏[‏الشعراء‏:‏ 205-207‏]‏‏.‏

فسقط الشيخ مغشياً عليه، فرأيته يفحص برجليه كما تفحص الشاة إذا
ذبحت، فأقام طويلاً ثم جاءت الجارية فقالت‏:‏ قد أتعبتم الشيخ قوموا
تفرقوا‏.‏ فأخذت بيد أبي فخرجت فقلت‏:‏ أبت أهذا هو الحسن‏؟‏
قال‏:‏ نعم‏.‏ قلت‏:‏ قد كنت أحسب فينفسي أنه أكبر من هذا‏.

قال‏:‏ فوكز في صدري وكزة ثم قال‏:‏ يا بني لقد قرأ علينا آية لو فهمتها
بقلبك لألفيت لها فيه كلوماً‏.‏

وروى الطبراني، عنه، أنه قال‏:‏ ما أحب أني أعطيت درهماً في لهوٍ وأن
لي مكانه مائة ألف، أخشى أن تصيبني هذه الآية‏:‏ ‏

{‏ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ‏}‏
الآية‏:‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 6‏]‏‏.‏

وقال جعفر بن برقان‏:‏ عن ميمون بن مهران، قال‏:‏ كنت عند عمر
بن عبد العزيز فلما قمت قال عمر‏:‏ إذا ذهب هذا وأضرابه لم يبق من
الناس إلا مجاجة‏.‏

وروى الإمام أحمد، عن معمر بن سليمان الرقي، عن فرات بن سليمان،
عن ميمون بن مهران، قال‏:‏ ثلاث لا تبلونَّ نفسك بهن‏:‏ لا تدخل على
سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله، ولا تدخل على امرأة وإن قلت أعلمها
كتاب الله، ولا تصغين بسمعك إلى ذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك
من هواه‏.‏

وروى عبد الله بن أحمد، عنه، في قوله تعالى‏:

‏ ‏{ ‏إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً‏ }‏
‏[‏النبأ‏:‏ 21‏]‏

و ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ‏}
‏ ‏[‏الفجر‏:‏ 14‏]‏

فقال‏:‏ التمسوا هذين المرصادين جوازاً‏.‏

وفي قوله‏:‏

‏{ ‏وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ‏ }‏ ‏
[‏إبراهيم‏:‏ 42‏]‏‏:‏

فيها وعيد شديد للظالم، وتعزية للمظلوم‏.‏
وقال‏:‏ لو أن أهل القرآن صلحوا لصلح الناس‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل‏:‏
حدثنا عيسى بن سالم الشاشي، حدثنا أبو المليح، قال‏:‏ سمعت ميمون
بن مهران، يقول‏:‏ لا خير في الدنيا إلا رجلين، رجل تائب - أو قال‏:‏ يتوب
- من الخطيئات، ورجل يعمل في الدرجات، فلا خير في العيش والبقاء
في الدنيا إلا لهذين الرجلين، رجل يعمل في الكفارات، ورجل يعمل
في الدرجات، وبقاء ما سواهما وبال عليه‏.‏

وقال جعفر بن برقان‏:
‏ سمعت ميمون بن مهران، يقول‏:‏ إن هذا القرآن قد خلق في صدور كثير
من الناس فالتمسوا ما سواه من الأحاديث، وإن فيمن يتبع هذا العلم قوماً
يتخذونه بضاعة يلتمس بها الدنيا، ومنهم من يريد أن يماري به، وخيرهم
من يتعلمه ويطيع الله عز وجل به‏.‏ وقال‏:‏ من اتبع القرآن قاده القرآن حتى
يحل به الجنة، ومن ترك القرآن لم يدعه القرآن يتبعه حتى يقذفه في النار‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏
حدثنا خالد بن حيان، حدثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال‏:‏
لا يسلم للرجل الحلال حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال‏.‏

وقال ميمون‏:‏
من كان يريد أن يعلم ما منزلته عند الله فلينظر في عمله فإنه قادم
عليه كائناً ما كان‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل‏:‏
حدثنا يحيى بن عثمان الحربي، حدثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران،
قال‏:‏ نظر رجل من المهاجرين إلى رجل يصلي فأخفى الصلاة فعاتبه،
فقال‏:‏ إني ذكرت ضيعة لي، فقال‏:‏ أكبر الضيعة أضعته‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل‏:‏
حدثنا جعفر بن محمد الدسعني، حدثنا أبو جعفر النفيلي، حدثنا
عثمان بن عبد الرحمن، عن طلحة بن زيد، قال‏:‏ قال ميمون‏:‏ لا تعرف
الأمير ولا تعرف من يعرفه‏.‏

وروى عبد الله بن أحمد عنه أيضاً قال‏:‏ لإن أوتمن على بيت مال أحب إلي
من أن أؤتمن على امرأة‏.‏

وقال أبو يعلى الموصلي‏:‏
حدثنا هاشم بن الحارث، حدثنا أبو المليح الرقي، عن حبيب بن أبي
مرزوق، قال‏:‏ قال ميمون‏:‏ وددت أن إحدى عيني ذهبت وبقيت الأخرى
أتمتع بها، وأني لم أل عملاً قط‏.‏ قلت‏:‏ ولا لعمر بن عبد العزيز‏؟‏
قال‏:‏ ولا لعمر بن عبد العزيز، لا خير في العمل لا لعمر ولا لغيره‏.‏

وقال أحمد‏:
‏ حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا سفيان، حدثنا جعفر بن برقان، عن ميمون
بن مهران، قال‏:‏ ما عرضت قولي على عملي إلا وجدت
من نفسي اعتراضاً‏.‏

وقال الطبراني‏:‏
حدثنا المقدام بن داود، حدثنا علي بن معبد، حدثنا خالد بن حيان، حدثنا
جعفر، عن ميمون، قال‏:‏ قال لي ميمون‏:‏ قل لي في وجهي ما أكره، فإن
الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره‏.‏
وروى عبد الله بن أحمد، عنه، في قوله تعالى‏:‏

‏{ ‏خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ‏ }
‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 3‏]‏

قال‏:‏ تخفض أقواماً وترفع آخرين‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل‏:‏
حدثني عيسى بن سالم، حدثنا أبو المليح، حدثنا بعض أصحابي، قال‏:‏
كنت أمشي مع ميمون فنظر فرأى عليَّ ثوب كتان فقال‏:‏ أما بلغك أنه
لا يلبس الكتان إلا غني أو غاو‏؟‏

وبهذا الإسناد سمعت ميمون بن مهران، يقول‏:‏ أول من مشت الرجال معه
وهو راكب الأشعت بن قيس الكندي، ولقد أدركت السلف وهم إذا نظروا
إلى رجل راكب ورجل يحضر معه قالوا‏:‏ قاتله جبار‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد ‏:‏
بلغني عن عبد الله بن كريم بن حبان، - وقد رأيته - حدثنا أبو المليح،
قال‏:‏ قال ميمون‏:‏ ما أحب أن لي ما بين باب الرها إلى حوران بخمسة دراهم‏.‏

وقال ميمون‏:‏
يقول أحدهم‏:‏ اجلس في بيتك، وأغلق عليك بابك، وانظر هل يأتيك رزقك‏؟‏
نعم ‏!‏ والله لو كان له مثل يقين مريم وإبراهيم عليهما السلام، وأغلق
عليه بابه، وأرخى عليه ستره، لجاءه رزقه‏.‏

وقال‏:‏ لو أن كل إنسان منا يتعاهد كسبه فلم يكسب إلا طيباً، فأخرج
ما عليه، ما احتيج إلى الأغنياء، ولا احتاج الفقراء‏.‏

وقال أبو المليح‏:‏
عن ميمون، قال‏:‏ ما بلغني عن أخ لي مكروه قط إلا كان إسقاط المكروه
عنه أحب إلي من تخفيفه عليه، فإن قال‏:‏ لم أقل، كان قوله لم أقل أحب
إلي من ثمانية يشهدون عليه، فإن قال‏:‏ قلت ولم يعتذر، أبغضته
من حيث أحببته‏.‏

وقال‏:‏ سمعت ابن عباس، يقول‏:‏ ما بلغني عن أخ لي مكروه قط إلا أنزلته
إحدى ثلاث منازل‏:‏ إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان نظيري تفضلت
عليه، وإن كان دوني لم أحفل به‏.‏ هذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها
فإن أرض الله واسعة‏.‏

وقال أبان بن أبي راشد القشيري‏:‏
كنت إذا أردت الصائفة أتيت ميمون بن مهران أودعه، فما يزيدني على
كلمتين‏:‏ اتق الله، ولا يغرنك طمع ولا غضب‏.‏

وقال أبو المليح‏:‏ عن ميمون، قال‏:‏
العلماء هم ضالتي في كل بلدة، وهم أحبتي في كل مصر، ووجدت صلاح
قلبي في مجالسة العلماء‏.‏
وقال في قوله تعالى‏:‏ ‏

{ ‏إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏ }‏
[‏الزمر‏:‏ 10‏]‏

قال‏:‏ عزقاً‏.‏

وقال‏:‏ لأن أتصدق بدرهم في حياتي أحب إلي من أن أتصدق
بمائة درهم بعد موتي‏.‏

وقال‏:‏ كان يقال‏:‏ الذكر ذكران‏:‏ ذكر الله باللسان، وأفضل من ذلك أن تذكره
عند ما أحل وحرم، وعند المعصية فتكف عنها وقد أشرفت‏.‏

وقال‏:‏ ثلاث الكافر والمؤمن فيهن سواء‏:‏ الأمانة تؤديها إلى من ائتمنك
عليها من مسلم وكافر، وبر الوالدين وإن كانا كافرين، والعهد تفي به
للمؤمن والكافر‏.‏

وقال صفوان‏:‏
عن خلف بن حوشب، عن ميمون، قال‏:‏ أدركت من لم يكن يملأ عينيه
من السماء فرقاً من ربه عز وجل‏.‏

وقال أحمد بن يزيغ‏:‏
حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا هارون أبو محمد البربري، أن عمر بن
عبد العزيز استعمل ميمون بن مهران على الجزيرة وعلى قضائها
وخراجها، فمكث حيناً ثم كتب إلى عمر يستعفيه عن ذلك، وقال‏:‏ كلفتني
ما لا أطيق، أقضي بين الناس وأنا شيخ كبير ضعيف رقيق‏.‏

فكتب إليه عمر‏:‏ أجب من الخراج الطيب، واقض بما استبان لك، فإذا
التبس عليك أمر فارفعه إلي، فإن الناس لو كان إذا كبر عليهم أمر تركوه
ما قام لهم دين ولا دنيا‏.‏

قال قتيبة بن سعيد‏:‏ حدثنا كثير بن هشام، حدثنا جعفر بن برقان، قال‏:
‏ سمعت ميمون بن مهران، يقول‏:‏ إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة
سوداء، فإذا تاب محيت من قلبه، فترى قلب المؤمن مجلياً مثل المرآة، ما
يأتيه الشيطان من ناحية إلا أبصره، وأما الذي يتتابع في الذنوب فإنه كلما
أذنب نكتت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فلا يبصر الشيطان
من أين يأتيه‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏
حدثنا علي بن ثابت، حدثنا جعفر، عن ميمون، قال‏:‏ ما أقل أكياس الناس ‏!‏
ألا يبصر الرجل أمره حتى ينظر إلى الناس وإلى ما أدوا به ، وإلى ما قد
أكبوا عليه من الدنيا، فيقول‏:‏ ما هؤلاء إلا أمثال الأباعر، لا همَّ لها إلا
ما تجعل في أجوافها، حتى إذا أبصر غفلتهم نظر إلى نفسه فقال‏:‏
والله إني لأراني من شرهم بعيراً واحداً‏.‏

وبهذا الإسناد عنه‏:‏
ما من صدقة أفضل من كلمة حق عند إمام جائر‏.‏

وقال‏:‏ لا تعذب المملوك ولا تضر به على كل ذنب، ولكن احفظ ذلك له،
فإذا عصى الله عز وجل فعاقبه على معصية الله وذكره الذنوب التي أذنب
بينك وبينه‏.‏

وقال قتيبة‏:‏
حدثنا جعفر بن برقان، سمعت ميمون بن مهران، يقول‏:‏ لا يكون الرجل
من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه، حتى
يعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، أمن حلالٍ ذلك أم من حرام ‏؟‏‏.‏

وقال أبو زرعة الدارمي‏:‏
حدثنا سعيد بن حفص النفيلي، حدثنا أبو المليح، عن ميمون، قال‏:‏ الفاسق
بمنزلة السبع فإذا كلمت فيه فخليت سبيله فقد خليت سبعاً على المسلمين‏.‏

وقال جعفر بن برقان‏:‏
قلت لميمون بن مهران‏:‏ إن فلاناً يستبطئ نفسه في زيارتك، قال‏:‏
إذا ثبتت المودة في القلوب فلا بأس وإن طال المكث‏.‏

وقال أحمد‏:‏
حدثنا ميمون الرقي، حدثنا الحسن أبو المليح، عن ميمون، قال‏:‏ لا تجد
غريماً أهون عليك من بطنك أو ظهرك‏.‏

وقال الإمام أحمد أيضاً‏:‏
حدثنا عبد الله بن ميمون، حدثنا الحسن، عن حبيب بن أبي مرزوق، قال‏:‏
رأيت على ميمون جبة صوف تحت ثيابه فقلت له‏:‏ ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏!‏
فلا تخبر به أحداً‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏.‏ حدثني يحيى بن عثمان،
حدثنا أبو المليح، عن ميمون، قال‏:‏
من أساء سراً فليتب سراً، ومن أساء علانية فليتب علانية، فإن الله يغفر
ولا يعير، وإن الناس يعيرون ولا يغفرون‏.‏

وقال جعفر‏:‏
قال ميمون‏:‏ في المال ثلاث آفات، إن نجا صاحبه من واحدة لم ينج
من اثنتين، وإن نجا من اثنتين كان قميناً أن لا ينجو من الثالثة‏:‏ ينبغي أن
يكون حلالاً طيباً، فأيكم الذي يسلم كسبه فلم يدخله إلا طيباً‏؟‏ فإن سلم من
هذه فينبغي أن يؤدي الحقوق التي تلزمه في ماله، فإن سلم من هذه
فينبغي أن يكون في نفقته ليس بمسرف ولا مقتر‏.‏وقال‏:‏ سمعت ميموناً،
يقول‏:‏ أهون الصوم ترك الطعام والشراب‏.‏

وقال عبد الله بن أحمد‏:‏
حدثنا يحيى بن عثمان الحربي، حدثنا أبو المليح، عن ميمون بن مهران،
قال‏:‏ ما نال رجل من جسيم الخير نبي أو غيره إلا بالصبر‏.‏

وبهذا الإسناد قال‏:‏
الدنيا خلوة خضرة قد حفت بالشهوات، والشيطان عدو حاضر، فيظن
أن أمر الآخرة آجل وأمر الدنيا عاجل‏.‏

وقال يونس بن عبيدة‏:‏
كان طاعون قِبل بلاد ميمون بن مهران، فكتبت إليه أسأله عن أهله، فكتب
إلي‏:‏ بلغني كتابك تسألني عن أهلي، وإنه مات من أهلي وخاصتي سبعة
عشر إنساناً، وإني أكره البلاء إذا أقبل، فإذا أدبر لم يسرني أنه لم يكن،
وأما أنت فعليك بكتاب الله، فإن الناس قد بهتوا عنه - يعني‏:‏ أيسوا –
واختاروا الأحاديث، أحاديث الرجال، وإياك والمرائي في الدين‏.‏

قال أبو عبيد في الغريب‏:‏
بهئوا به مهموزاً، ومعناه‏:‏ أنسوا به‏.‏

وقال عمر بن ميمون‏:‏
كنت مع أبي ونحن نطوف بالكعبة فلقي أبي شيخ فعانقه، ومع الشيخ فتى
نحو مني، فقال له أبي‏:‏ من هذا‏؟‏قال‏:‏ ابني‏.‏قال‏:‏ كيف رضاك عنه‏؟‏
فقال‏:‏ ما بقيت خصلة يا أبا أيوب من خصال الخير إلا وقد رأيتها فيه،
إلا واحدة‏.‏وقال‏:‏ وما هي‏؟‏قال‏:‏ أن يموت فأوجر فيه - أو قال‏:‏ فأحتسبه –
ثم فارقه أبي، فقلت‏:‏ من هذا الشيخ‏؟‏ فقال‏:‏ مكحول‏.‏ وقال‏:‏ شر الناس
العيابون، ولا يلبس الكتان إلا غني أو غوي‏.‏

وروى الإمام أحمد، عنه، قال‏:‏
يا ابن آدم ‏!‏ خفف عن ظهرك فإن ظهرك لا يطيق كل هذا الذي يحمل، من
ظلم هذا، وأكل مال هذا، وغشم هذا، وكل هذا على ظهرك تحمله، فخفف
عن ظهرك‏.‏وقال‏:‏ إن أعمالكم قليلة فأخلصوا هذا القليل‏.‏وقال‏:‏ ما أتي قوم
في ناديهم المنكر إلا حق هلاكهم‏.‏
وروى عبد الله بن أحمد، عنه، أنه قرأ‏:

‏ ‏{ ‏وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ‏ }
‏ ‏[‏يس‏:‏ 59‏]‏

ثم فارق حتى بكى، ثم قال‏:‏ ما سمع الخلائق بنعت قط أشد منه‏.‏

وقال أبو عوانة‏:‏
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا قتيبة بن سعيد،
حدثنا خالد، عن حصين بن عبد الرحمن، عن ميمون، قال‏:‏ أربع لا تكلم
فيهم‏:‏ علي، وعثمان، والقدر، والنجوم‏.‏وقال‏:‏ احذروا كل هوى يسمى بغير
الإسلام‏.‏

وروى ابن أبي الدنيا، عنه، قال‏:‏
من طلب مرضاة الإخوان بلا شيء فليصادق أهل القبور‏.‏

وقال‏:‏ من ظلم أحداً ففاته أن يخرج من مظلمته فاستغفر له دبر كل صلاة
خرج من مظلمته‏.‏ وهذا إن شاء الله يدخل فيه الأعراض والأموال وسائر المظالم‏.‏

وقال ميمون‏:‏
القاتل والآمر والمأمور والظالم والراضي بالظلم، كلهم في الوزر سواء‏.‏
وقال‏:‏ أفضل الصبر الصبر على ما تكره نفسك، من طاعة الله عز وجل‏.‏
روى ميمون، عن جماعة من الصحابة، وكان يسكن الرقة،
رحمه الله تعالى‏.‏

نافع مولى ابن عمر
أبو عبد الله المدني، أصله من بلاد المغرب، وقيل‏:‏ من نيسابور، وقيل‏:‏
من كابل، وقيل غير ذلك‏.‏

روى عن مولاه عبد الله بن عمر وجماعة من الصحابة، مثل‏:‏ رافع
بن خديج، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وعائشة، وأم سلمة، وغيرهم‏.‏
وروى عنه خلق من التابعين وغيرهم‏.‏وكان من الثقات النبلاء،
والأئمة الأجلاء‏.‏

قال البخاري‏:
‏ أصح الأسانيد مالك، عن نافع، عن ابن عمر‏.‏

وقال غيره‏:‏
كان عمر بن عبد العزيز قد بعثه إلى مصر يعلم الناس السنن، وقد أثنى
عليه غير واحد من الأئمة ووثقوه، ومات في هذه السنة على المشهور‏.‏
ذو الرمة الشاعر

واسمه غيلان بن عقبة بن بهيس، من بني عبد مناة بن أدّ بن طابخة
بن إلياس بن مضر، أبو الحارث، أحد فحول الشعراء، وله ديوان
مشهور، وكان يتغزل في مي بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم
المنقري، وكانت جميلة، وكان هو دميم الخلق أسود اللون، ولم يكن
بينهما فحش ولا خنا ولم يكن رآها قط و لا رأته، و إنما كانت تسمع به
ويسمع بها‏.‏ ويقال‏:‏ إنها كانت تنذر إن هي رأته أن تذبح جزوراً، فلما رأته
قالت‏:‏ واسوأتاه واسوأتاه‏.‏ولم تبد له وجهها قط إلا مرة واحدة، فأنش
يقول‏:‏

على وجه ميٍ لمحة من حلاوة * وتحت الثياب العار لو كان بادياً

قال‏:‏ فانسخلت من ثيابها، فقال‏:‏
ألم تر أن الماء يخبث طعمه * و إن كان لون الماء أبيض صافيا

فقالت‏:‏ تريد أن تذوق طعمه‏؟‏ فقال‏:‏ إي والله‏.‏ فقالت‏:‏ تذوق الموت قبل
أن تذوقه‏.‏فأنشأ يقول‏:‏
فواضعية الشعر الذي راح وانقضى * بمي ولم أملك ضلال فؤاديا
قال ابن خلكان‏:‏ ومن شعره السائر بين الناس ما أنشده‏:‏
إذا هبت الأرياح من نحو جانب * به أهل ميٍّ هاج شوقي هبوبها
هوى تذرف العينان منه و إنما * هوى كل نفس أين حلَّ حبيبها
و أنشد عند الموت‏:‏
يا قابض الأرواح في جسمي إذا احتضرت
وغافر الذنب زحزحني عن النار