المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحافظ ابن حجر العسقلاني ‏(1)‏


adnan
03-10-2015, 07:45 PM
الأخت / الملكة نـــور





الحافظ ابن حجر العسقلاني (1)


احتل الحافظ ابن حجر العسقلاني مكانة مرموقة في تاريخ الفكر
الإسلامي، وتعد مؤلفاته واحدة من أمهات الكتب والموسوعات العلمية
التي تقوم عليها المكتبة الإسلامية، وابن حجر واحد من علماء المسلمين
الموسوعيين الذين كتبوا في علوم الإسلام المختلفة، فنبغوا ووصلوا
فيها إلى القمة .

سب ابن حجر العسقلاني :
هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي
بن محمود بن أحمد [1] بن حجر الكناني العسقلاني [2] الشافعي
المصري القاهري المولد والمنشأ والدار والوفاة. المعروف بالحافظ
ابن حجر العسقلاني.

مولد ابن حجر العسقلاني :
ولد ابن حجر –رحمه الله- في الثاني والعشرين من شعبان سنة 773 هـ
[3]، في منزل كان يقع على شاطئ النيل، بالقرب من دار النحاس
والجامع الجديد، وظل ابن حجر –رحمه الله في بيته هذا حتى انتقل منه
في أواخر القرن الثامن الهجري إلى القاهرة، حيث تزوج بأم أولاده فسكن
بقاعة جدها منكوتمر المجاورة لمدرسته المنكوتمرية داخل باب القنطرة،
بالقرب من حارة بهاء الدين، واستمر بها حتى مات [4].

أسرة ابن حجر العسقلاني :
نشأ ابن حجر في أسرة تشتغل بالعلم وتشجع عليه، فقد اشتغل أبوه بالعلم
والفقه ومهر بالآداب، موصوفاً بالعقل والمعرفة والديانة والأمانة ومكارم
الأخلاق ومحبة الصالحين والمبالغة في تعظيمهم، وأما أمه فهي من بيت
عُرف بالتجارة والثراء والعلم، ولابن حجر أخت اسمها (ست الرَّكب)،
قال عنها ابن حجر: "كانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء، وهي أمي بعد
أمي"، ويذكر ابن حجر –رحمه الله- أن له أخًا من أبيه، قرأ الفقه
والفضل،وعرض المنهاج، ثم أدركته الوفاة، فحزن عليه والده حزنا
شديدا، وذكر ابن حجر –رحمه الله- أن والده حضر إلى الشيح يحيى
الصنافيري، فبشَّره بأن الله تعالى سيخلف عليه غيره ويعمره، فكان
مولد ابن حجر- رحمه الله- بعد ذلك بقليل. وذكر السخاوي أن الشيخ
الصنافيري بشَّر والد ابن حجر –رحمه الله- بقوله: "يخرج من ظهرك
عالمٌ يملأ الأرض علمًا" [5].

نشأة ابن حجر العسقلاني :
نشأ ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- في أسرة تحب العلم وتشجع عليه،
وهذا قدر الله له أن يهيئ له جوًا علميًا وبيئة صالحة تأخذ بيده إلى العلم،
حتى صار له شأن عظيم بين الناس، وشاء الله -تعالى- كذلك أن ينشأ
ابن حجر- رحمه الله- يتيمًا أباً وأمًا، فحُرم من عطف أبيه وعلمه كما حرم
من حنان أمه، إلا أنه –رحمه الله- تغلب على ظروفه وكافح في حياته
حتى نال السؤدد بين الناس بالعلم والحديث .

نشأ ابن حجر –رحمه الله- مع يتمه في غاية العفة والصيانة والرياسة
في كنف أحد أوصيائه زكي الدين الخروبيّ، وهو من كبار التجار في
مصر، ولم يألُ الخروبي جهدًا في رعايته والعناية بتعليمه، فأدخله الكتاب
بعد إكمال خمس سنين، وكان لدى ابن حجر ذكاء وسرعة حافظة بحيث
إنه حفظ سورة مريم في يوم واحد [6].

وأكمل ابن حجر حفظه للقرآن على يد صدر الدين السَّفطي المقرئ، وهو
ابن تسع سنين. واصطحب الزكي الخروبي ابن حجر معه في الحج عند
مجاورته في مكة أواخر سنة 784هـ، وفي سنة 785 هـ أكمل ابن حجر
اثنتي عشرة سنة، ومن حسن حظه أن يكون متواجدًا مع وصيه الخروبي
في مكة، فصلى بالناس التراويح في تلك السنة إمامًا في الحرم المكي.
ويمكن أن نستقرأ من هذه الأخبار بوادر نبوغ الحافظ ابن حجر المبكرة،
والتي تتمثل في إتمامه القرآن صغيرا وإمامته للناس في الحرم المكي
وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وهو سن ربما يعتري الأطفال فيه رهبة
وخوفا، إلا أن نبوغ الطفل الصغير وذكائه وحسن تربيته ونشأته أهلته
لأن يكون كذلك في غاية النباهة والثبات .

وبعد رجوع ابن حجر –رحمه الله- مع وصيه الخروبي من الحج سنة
786 هـ حفظ عمدة الأحكام للمقدسي وألفية العراقي في الحديث والحاوي
الصغير للقزوينبي ومختصر ابن الحاجب في أصول الفقه ومنهج الأصول
للبيضاوي، وتميَّز ببين أقرانه بقوة الحفظ، فكان يحفظ الصحيفة من
الحاوي الصغير من مرتين الأولى تصحيحا والثانية قراءة في نفسه
ثم يعرضها حفظا في الثالثة ، ويذكر السخاوي أن حفظ ابن حجر
–رحمه الله- لم يكن على طريقة الأطفال في المدرسة، وإنما كان
حفظه تأمُّلا على طريقة الأذكياء .

وظل ابن حجر في كنف وصيه يرعاه إلى أن مات الزكيّ الخروبي سنة
787هـ، وكان ابن حجر قد راهق، فلم تعرف له صبوة ولم تضبط له زلة .
وفي سنة 790 هـ أكمل ابن حجر –رحمه الله- السابعة عشرة من عمره،
فقرأ القرآن تجويدا على الشهاب الخيوطي، وسمع صحيح البخاري على
بعض المشايخ، كما سمع من علماء عصره البارزين واهتم بالأدب
والتاريخ. وفي هذه الفترة انتقل ابن حجر –رحمه الله- إلى وصاية شمس
الدين بن القطان المصري فحضر دروسه في الفقه والعربية والحساب،
وفي سنة 793هـ نظر في فنون الأدب، ففاق أقرانه فيها، حتى أنه لا يكاد
يسمع شعرا إلا ويستحضر من أين أخذ ناظمه وطارح الأدباء . و نظم
الشعر والمدائح النبوية [7].

وتمثِّل سنة 793 هـ منعطفا ثقافيا في حياة ابن حجر –رحمه الله، فمن هذه
الثقافة العامة الواسعة واجتهاده في الفنون التي بلغ فيها الغاية القصوى
أحس بميل إلى التخصص فحبّب الله إليه علم الحديث النبوي، فأقبل عليه
بكليته، ويذكر السخاوي أن ابن حجر –رحمه الله- لم يكثر في طلب
الحديث إلا في سنة 796 هـ، وكتب بخط يده: "رفع الحجاب وفتح الباب
وأقبل العزم المصمم على التحصيل ووفق للهداية إلى سواء السبيل" [8].
فكان أن تتلمذ على خيرة علماء عصره ، ويذكر السيوطي أن ابن حجر
رحمه الله- لازم شيخه الحافظ أبا الفضل العراقي عشر سنين، وبرع في
الحديث وتقدم في جميع فنونه ، وحكي أنه شرب ماء زمزم ليصل إلى
مرتبة الذهبي في الحفظ، فبلغها وزاد عليها [9].

وهكذا فإن ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- لم يبلغ من العمر خمسة
وعشرين سنة حتى جمع من العلوم ما لم يجمعه أحد في عصره، في علوم
القرآن والتفسير والفقه واللغة والأدب والتاريخ والحديث والنحو، وجمع
بين علوم النقل والعقل، وأخذ عن عدد جمّ من المتخصصين في علوم
المعارف كلها، ولا يتوفر ذلك إلا لشاب ذو همة عالية وعزيمة قوية
ورغبة حقيقية في طلب العلم والانتفاع به، ولا نجد أبلغ تعبير عن هذه
الدرجة من العلم والفقه من تلميذه السخاوي، حيث يقول واصفًا حال
شيخه: "فجدّ بهمة وافرة وفكرة سليمة باهرة، في طلب العلوم منقولها
ومعقولها، حتى بلغ الغاية القصوى، وصار كلامه مقبولا عند أرباب سائر
الطوائف، لا يعدون مقالته لشدة ذكائه وقوة باعه، حتى كان حقيقًا
بقول القائل :

وكان من العلوم بحيث يقضي *** له في كل علم بالجميع [10].

زواج ابن حجر العسقلاني وأولاده :
تزوج الحافظ ابن حجر – رحمه الله - من أنُس خاتون ، وكانت تحدث
بحضور زوجها، وقرأ عليها الفضلاء، وكانت تحتفل بذلك وتكرم
الحاضرين. وكان ابن حجر يكن لها الاحترام الكبير .

كما أن ابن حجر –رحمه الله تسرَّى من جارية زوجته واسمها خاص
ترك، ووطئها فأنجبت له ولده بدر الدين أبي المعالي محمد. كما تزوج
ابن حجر –رحمه الله- من أرملة الزين أبي بكر الأمشاطي بعد وفاته سنة
834 هـ، ومن ليلى ابنة محمود بن طوعان الحلبية سنة 836 هـ.

أما أولاده فهم خمسة، أربع بنات وولد واحد ذكر، فأما البنات فهن من
زوجته الأولى أُنس: زين خاتون، وفرحة وعالية، ورابعة وفاطمة،
وأما الولد الذكر من سريته خاص ترك، وهو: أبو المعالي بدر
الدين محمد [11].

المراجع :
[1] يوجد اضطراب في الجد الرابع لابن حجر –رحمه الله، فتارة يتقدم
(محمود) على (أحمد) وتارة يتأخر (محمود) أو يسقط، وهذا راجع إلى
اضطراب ابن حجر نفسه عند ترجمته لنفسه، فقد قدّم (محمود) على
(أحمد) في تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، تحقيق: محمد علي النجار،
مراجعة: علي محمد البجاوي، الناشر: المكتبة العلمية، بيروت – لبنان
1967م، جـ1/414، والمجمع المؤسس للمعجم المفهرس، تحقيق:
يوسف عبد الرحمن الرعشلي، الناشر: دار المعرفة – بيروت، الطبعة:
الأولى 1994م، المجلد الثالث، جـ1/196. وقدّم (أحمد) على (محمود)
في: رفع الإصر عن قضاة مصر، تحقيق: الدكتور علي محمد عمر،
الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1998م،
جـ1/61، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تحقيق: محمد
عبد المعيد ضان، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/
الهند، الطبعة: الثانية، 1392هـ/ 1972م، جـ3/262، وجعل (محمود)
بين (أحمدين) في إنباء الغمر بأنباء العمر، تحقيق: حسن حبشي، الناشر:
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، مصر
1389هـ، 1969م، جـ1/3. وما أثبتناه في المتن هو ما رجحه تلميذه
السخاوي في الجواهر والدرر، حيث قال: (هذا هو المعتمد في نسبه).
انظر السخاوي: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر،
تحقيق: إبراهيم باجس عبد المجيد، الناشر: دار ابن حزم، الطبعة:
الأولى 1419هـ- 1999م، جـ 1/ 101.

[2] الكناني: نسبة إلى قبيلة (كنانة) العربية، والعسقلاني: نسبة إلى
عسقلان، وهي مدينة بساحل فلسطين المحتلة. فالظاهر أن قبيلة ابن حجر
رحمه الله استقرت في عسقلان وما جاورها إلى أن نقلهم صلاح الدين
الأيوبي رحمه الله عنها عندما خربها على إثر الحروب الصليبية ما بين
580هـ - 583 هـ. أما عن اشتهاره بابن حجر، فاختلفت المصادر في
اعتبار (ابن حجر) لقبا أو اسما، فقال السخاوي: (هو لقب لأحمد الأعلى
في نسبه، وقيل بل هو اسم لوالده أحمد المشار إليه)، وفي ذلك يقول
ابن حجر شعرا:

من أحمد بن علي بن محمد *** بن محمد بن علي الكناني المحتدِ
ولجد جد أبيه أحمد لقبوا *** حجرا وقيل بل اسم والد أحمدِ

انظر: السخاوي: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر جـ1/
103- 106. محمد كمال الدين عز الدين: ابن حجر مؤرخا، الناشر: عالم
الكتب، الطبعة: الأولى 1987م، ص15.

[3] اختلف المؤرخون في يوم مولده، على ثلاثة آراء، الأول : ذكر
السخاوي: الجواهر والدرر جـ1/ 104، أنه ولد في 22 شعبان ، وتابعه
ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، حققه ووضع
حواشيه: دكتور محمد محمد أمين، تقديم: دكتور سعيد عبد الفتاح
عاشور، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1984م، جـ2/17.
الثاني: ذكر السيوطي: نظم العقيان في أعيان الأعيان، حرّره: فيليب
حتي، الناشر: المكتبة العلمية – بيروت، 1927م، جـ 1/ 45، أنه ولد
في 12 شعبان، وتابعه ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب في أخبار من
ذهب، تحقيق: محمود الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق –
بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986م، جـ 1/ 74. وكذلك
الشوكاني :البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، الناشر:
دار المعرفة – بيروت، جـ 1/ 87- 88. الثالث: ذكر ابن فهد المكي:
لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ، لناشر: دار الكتب العلمية ، الطبعة:
الأولى 1419هـ - 1998م، جـ1/211، أنه ولد في 13 شعبان .

[4] السخاوي: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر جـ1/
104 . شاكر محمود عبد المنعم: ابن حجر العسقلاني – مصنفاته ودراسة
في منهجه وموارده في كتابه الإصابة، الناشر: مؤسسة الرسالة –
بيروت، الطبعة: الأولى 1997، جـ1/ 52.

[5] ابن حجر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، جـ6/ 201.
السخاوي: الجواهر والدرر، جـ 1/ 105.

[6] ابن فهد المكي: لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ، جـ1/211.

[7] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ/ 121- 126. بتصرف. السخاوي:
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، الناشر: منشورات دار مكتبة الحياة –
بيروت، جـ 2/ 36. الشوكاني: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن
السابع، جـ1/ 88. شاكر محمود عبد المنعم : ابن حجر العسقلاني –
مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة ، جـ1/ 54- 56.

[8] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ1/ 126.

[9] السيوطي: ذيل طبقات الحفاظ للذهبي، تحقيق: الشيخ زكريا عميرات،
الناشر: دار الكتب العلمية، جـ1/ 251 .

[10] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ 1/ 140.

[11] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ 3/ 1208- 1219. بتصرف . شاكر
محمود عبد المنعم: ابن حجر العسقلاني – مصنفاته ودراسة في منهجه
وموارده في كتابه الإصابة، جـ1/ 67- 69. بتصرف .