تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كرم أوس بن حارثة


adnan
03-11-2015, 10:06 PM
الأخ / حسني محو


كرم أوس بن حارثة

حدث عمرو بن العلاء فقال :
جلس النعمان بن المنذر وعليه حلة مرصعة بالــّدر ، لم يـُر مثلها
قبل ذلك اليوم ، وأذن للعرب ، في الدخول عليه ، وكان فيهم
أوس بن حارثة ، فجعلت العرب تنظر إلى الحـُلة ، وكل منهم يقول
لصاحبه : ما رأيت مثل هذه الحلة قط ، ولا سمعت أن أحدا ً
من الملوك قدرّ علي مثلها ، وأس بن حارثة لا ينظر إليها ،
فقال له النعمان : ما أرى كل من دخل عليّ إلا أستحسن هذه الحـُلة ،
وتحدث مع صاحبه في أمرها إلا أنت ، ما رأيتك استحسنتها
ولا نظرتها .

قال أوس : أسعد الله الملك ، إنما أستحسن الحـُلة إذا كانت في يد التاجر ،
وأما إذا كانت على الملك وأشرق فيها وجهه ُ فنظري مقصور عليه
لا عليها ، فأسترجع عقلهُ.

فلما عزموا على الانصراف قال لهم النعمان : اجتمعوا إليّ في غد
فإني مُلبسٌ هذه الحلة لسيد العرب منكم ، فانصرف العرب عنه ُ ،

وكل يزعم أنه لابس الحلة . فلما أصبحوا تزينّوا بأفخر الملابس وتقّلدوا
بأحسن السيوف ، وركبوا أجّود الخيل ، وحضروا إلى النعمان ، وتأخر
عنه أوس بن حارثة ، فقال له أصحابه : مالك لا تغدو مع الناس إلى
مجلس الملك ، فلعلك تكون صاحب الحُلة ،

فقال أوس :إن كنت سيد قومي فما أنا بسيّد العرب عند نفسي ،
وأن حضرت ولم آخذها انصرفت منقوصا ً ، وإن كنت المطلوب لها
فسيُعرف مكاني ، فأمسكوا عنه .

ونظر النعمان في وجوه القوم ، فلم ير أوس بن حارثة ، فأستدعى بعض
خاصته ،

وقال : أذهب لتعرف خبر أوس ،

فمضى رسول النعمان ،واستخبر بعض أصحابه ، فأخبره بمقالته ،
فعاد إلى النعمان ، فأخبره بذلك ، فبعث النعمان إليه رسولا ً

، وقال :أحضر آمنا ً مما خفت عليه ،

فحضر أوس بثيابه التي حضر بها بالأمس ، وكانت العرب قد استبشرت
بتأخره خوفاً م أن يكون هو الآخذ للحلـُة . فلما حضر وأخذ مجلسه ،

قال له النعمان : إني لم أرك غيّرت ثيابك في يومك ، فألبس
هذه الحُــلة تستجمل بها ،

ثم خلعها وألبسه إياها ، فأشتد ذلك على العرب وحسدوه ،
وقالوا : لا حيلة لنا فيها ، إلا أن نرغب إلى الشعراء أن يهجوه
بقبيح الفعل ، فإنه لا يخفض رفعته إلا الشعر ، فجمعوا فيما بينهم
خمسمائة ناقة ، وأتوا بها إلى رجل يقال له جرول ، وقالوا له : خذ هذه ،
وأهج لنا أوس بن حارثة . وكان جرول يومئذ أشعر العرب وأقواهم هجاء
، فقال لهم : يا قوم ، كيف أهجو رجلا حسيبا ً لا يُنكر بيته ، كريما ً
لا ينقطع عطاؤه ، فيصلا ً ، لا يطعن على رأيه ، شجاعاً لا يُظلم نزيله ،
محسنا ً لا أرى في بيتي شيئاً إلا من فضله . فسمع ذلك بشر بن أبي خازم
، وكان شاعراً فرغب في البذل ، وأخذ الإبل وهجاه ، وذكر أمّه سُعدى ،
فسمع أوس بذلك ، فوجّه في طلبه ، فهرب وترك الإبل ، فأتوا بها إلى
أوس بن حارثة ، فأخذها وشد في طلبه ، وجعل بشر بن أبي حازم
يطوف في أحياء العرب يلتمس عزيزاً يجيره ُ على أوس ، وكل من قصده ُ
يقول : قد أجرتك إلا من أوس بن حارثة ، فإني لا أقدر أن أُجير عليه ،

وكان أوس قد بث عليه العيون ، فرآه بعض من كان يرصده ُ ، فقبض
عليه ، وأتى به إلى أوس ، فلما مثُل بين يديه

قال له : ويلك أتذكر أمي وليس في عصرنا مثلها ؟.

قال : قد كان ذلك أيها الأمير ؟ فقال : والله لأقتُلنّك قتلة تحيا بها سُعدى .
ثم دخل أوس إلى أمه سُعدى ، وقال : قد أتيتك بالشاعر الذي هجاك ،
وقد آليت لأقتلنه قتلةً تحيين بها ،

قالت يا بني : أو خير من ذلك ،

قال وما هو ،

قالت: إنه لم يجد ناصراً منك ، ولا مجيرا عليك ، وإنها قوم
لا نرى في اصطناع المعروف من بأس ، فبحقي عليك إلا أطلقته ،
ورددت عليه إبله ، وأعطيته من مالك مثل ذلك ، ومن مالي مثله
وأرجعه إلى أهله سالما ً ، فإنهم أيسوا منه ،

فخرج له أوس ٌ، وقال : ما تقول أني فاعل بك ؟

.قال : تقتلني لا محالة .

قال : أفتستحق ذلك ؟ قال : نعم .

قال : إن سُعدى التي هجوتها قد أشارت بكذا وكذا ، وأمر بحل كتافه ،
وقال له : انصرف إلى اهلك سالما ً ، وخذ ما أمرت لك به .

فرفع بشر يده إلى السماء وقال : اللهم أنت الشاهد عليّ ألا أقول شعرا
إلا أن يكون مدح في أوس بن حارثة .