تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحافظ ابن حجر العسقلاني (4)


adnan
03-13-2015, 08:01 PM
الأخت / الملكة نـــور





الحافظ ابن حجر العسقلاني (4)


4-أدب ابن حجر مع العلماء
وأما كثرة أدبه مع العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين، فمشهور بحيث
كان إذا تعقّب النووي رحمه الله بشيء، يقول: وعجبت للشيخ مع سعة
علمه كيف قال كذا، أو ما أشبه ذلك من العبارات [39].

5-عبادة ابن حجر
فقد كان الحافظ ابن حجر رحمه الله ملازما للتهجد وقيام الليل في مقامه
وسفره، ولم يترك قيام الليل حتى مرضه الذي مات فيه، فكان يتّكأ على
ولده. وأما صومه، فكان رحمه الله يصوم يوما ويفطر يوما، محافظا على
أوقات الفضائل في الصيام. وأما قراءته للقرآن فكان رحمه الله مكثرا
من قراءة القرآن لا سيما في حال ركوبه، وعقب صلاة الفجر بتدبر وتأن
وسكون، إذا مرّ بآية رحمة سأل، أو عذاب تعوّذ. وأما عيادته للمرضى
وشهود الجنائز، فكان حريصا على ذلك، لا سيما من يلوذ به، ومن لم
يتيسر له عيادته منهم، تفقده بشيء من الدنيا. وأما اتباعه رحمه الله
للسنة فهو شيء لا يُسأل عنه؛ لأنها عنه تؤخذ ومنه تُعرف، ويحرص
بلسانه وقلمه على جذب الناس إليها، وتحذيرهم من مخالفتها، حتى كان
يتأثر من تأخير الفطر وتقديم السحور [40]. ولعل ما ذكرناه من جملة
عبادته –رحمه الله- ما دفع ابن تغري بردي أن يقول فيه: "وبالجملة فإنه
أحد من أدركنا من الأفراد" [41].

6-الموضوعية والإنصاف في البحث
على الرغم من أن علوم ابن حجر رحمه الله كانت سلفية، وغالب قضايا
وتصرفات مجتمعه كانت كذلك، فإنه قد انسلخ بفكره من بيئته وصار
سباقا لعصره في التحرر، والتحرز عن التعصب والانقياد للإجماع
الخاطئ، الذي كثيرا ما أهلك العلماء، فكان الحافظ ابن حجر رحمه الله
ميالا للحق بل والمعاداة فيه، منصفا في البحث ولو على نفسه،
لا يستنكف من سماع الفائدة ولو من صغار الناس أو آحاد الطلبة،
بل يستحسنها ويأمر الحاضرين بسماعها [42].

وفاة ابن حجر العسقلاني رحمه الله :
بدأ المرض بالحافظ ابن حجر رحمه الله في ذي القعدة سنة 852هـ، ومع
مرضه رحمه الله إلا أنه كان يواصل أعماله ويحضر مجالس الإملاء، يعلِّم
الناس أحكام دينهم وأمور دنياهم، وفي يوم الثلاثاء الخامس عشر من
ذي القعدة حضر مجلس الإملاء وقد زاد عليه الإرهاق والتعب، فتغيّر
مزاجه وضعفت حركته، إلا أنه –رحمه الله- ما ترك صلاة جمعة ولا
جماعة، ولكن مع مرور الأيام اشتد مرضه حتى ما استطاع أن يؤدي
صلاة عيد الأضحى، إلا أنه صلى الجمعة التي تليه، ثم توجه إلى زوجته
الحلبية، فاستعطف خاطرها في انقطاعها عنها، واسترضاها. وكان
رحمه الله- قد استشعر بالوفاة، فكان يقول: "اللهم حرمتني عافيتك،
فلا تحرمني عفوك".

وقد تردد الأطباء عليه، وهرع الناس والقضاة والعلماء والصالحون
أفواجا أفواجا لعيادته، واستغاثوا مبتهلين إلى الله تعالى في طلب عافيته.
وقد طال مرضه –رحمه الله- شهرا، إلى أن كانت ليلة السبت الثامن عشر
من ذي الحجة سنة 852 هـ، وبعد العشاء بساعة جلس حوله بعض
أصحابه يقرءون (يس) مرة، ثم أعيدت إلى قوله تعالى:

{ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ }
[يس: 58]،

حتى فارقت الروح إلى بارئها.

وترك وصيته التي نقل السّخاوي نصها، عن سبطه يوسف بن شاهين،
ومما ورد فيها أنه أوصى لطلبة الحديث النبوي والمواظبين على حضور
مجالس الإملاء بجزء من تركته [43].

وكانت هذه ساعة عظيمة وأمرا مهولا، ودفن من الغد وصلى عليه
بمصلاة بكتمر المؤمني بالرميلة، ومشى أعيان الناس من بيته داخل باب
القنطرة إلى القرافة حيث دفن، وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق
الصلاة عليه، ومشى الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان، والقضاة،
والعلماء، والأمراء، والأعيان بل غالب الناس في جنازته حَتَّى قيل أنه قُدّر
من مشى في الجنازة بأكثر من خمسين ألفًا. وكان لموته يوم عظيم على
المسلمين، حتى على أهل الذمة . و قيل صلى عليه الخليفة العباسي، وقيل
صلى عليه قاضي القضاة علم الدين البلقيني . وأقيمت صلاة الغائب عليه
في جميع أنحاء العالم الإسلامي، في مكة وبيت المقدس وحلب والخليل،
وغيرها من بلاد المسلمين [44].

فرحم الله الحافظ شيخ الإسلام أبا الفضل شهاب الدين ابن حجر
العسقلاني، وجزاه الله خيرا على ما قدم للإسلام والمسلمين .

المراجع :
[39] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ3/ 1043.

[40] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ3/ 1044- 1049.

[41] ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، قدم له
وعلق عليه: محمد حسين شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية
بيروت، الطبعة الأولى: 1992م، جـ15/ 259.

السخاوي: الجواهر والدرر، جـ3/ 1044- 1049.

[42] ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، قدم له
وعلق عليه: محمد حسين شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية
بيروت، الطبعة الأولى: 1992م، جـ15/ 259.
محمد كمال الدين عز الدين: ابن حجر مؤرخا، ص105. بتصرف.

[43] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ3/ 1203- 1207.

[44] السخاوي: الجواهر والدرر، جـ3/ 1185- 1197. السخاوي:
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، جـ2/ 40. ابن تغري بردي: المنهل
الصافي والمستوفى بعد الوافي، جـ2/ 22. ابن فهد المكي: لحظ الألحاظ
بذيل طبقات الحفاظ، جـ1/ 215. شاكر محمود عبد المنعم: ابن حجر
العسقلاني – مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الإصابة،
جـ1/ 118- 122.