المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة


adnan
03-13-2015, 08:04 PM
الأخ / مصطفى آل حمد






ثم دخلت سنة إحدى وعشرين ومائة للهجرة النبوية الشريفة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله


ففيها
غزا مسلمة بن هشام الروم فافتتح مطامير وهو حصن‏.‏

وافتتح مروان بن محمد بلاد صاحب الذهب، وأخذ قلاعه وخرب أرضه،
فأذعن له بالجزية في كل سنة بألف رأس يؤديها إليه، وأعطاه رهناً
على ذلك‏.‏

وفيها
في صفر قتل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الذي تنسب
إليه الطائفة الزيدية، في قول الواقدي‏.‏

وقال هشام الكلبي‏:‏
إنما قتل في صفر من سنة ثنتين وعشرين، فالله أعلم‏.‏

وقد ساق محمد بن جرير سبب مقتله في هذه السنة تبعاً للواقدي،
وهو أن زيداً هذا وفد على يوسف بن عمر فسأله‏:‏ هل أودع خالد
القسري عندك مالاً‏؟‏فقال له زيد بن علي‏:‏ كيف يودعني مالاً وهو يشتم
آبائي على منبره في كل جمعة‏؟‏فأحلفه أنه ما أودع عنده شيئاً، فأمر
يوسف بن عمر بإحضار خالد من السجن فجيء به في عباءة‏.‏فقال‏:‏ أنت
أودعت هذا شيئاً نستخلصه منه‏؟‏ قال‏:‏ لا، وكيف وأنا أشتم أباه كل جمعة‏؟‏
فتركه عمر وأعلم أمير المؤمنين بذلك فعفا عن ذلك‏.‏ويقال‏:‏ بل استحضرهم
فحلفوا بما حلفوا‏.‏

ثم إن طائفة من الشيعة التفت على زيد بن علي، وكانوا نحواً من أربعين
ألفاً، فنهاه بعض النصحاء عن الخروج، وهو محمد بن عمر بن علي
بن أبي طالب، وقال له‏:‏ إن جدك خير منك، وقد التفت على بيعته من أهل
العراق ثمانون ألفاً، ثم خانوه أحوج ما كان إليهم، وإني أحذرك من
أهل العراق‏.‏

فلم يقبل بل استمر يبايع الناس في الباطن في الكوفة، على كتاب الله
وسنة رسوله حتى استفحل أمره بها في الباطن، وهو يتحول من منزل
إلى منزل، وما زال كذلك حتى دخلت سنة ثنيتن وعشرين ومائة
فكان فيها مقتله كما سنذكر قريباً‏.‏

وفيها
غزا نصر بن سيار أمير خراسان غزوات متعددة في الترك، وأسر ملكهم
كور صول في بعض تلك الحروب وهو لا يعرفه، فلما تيقنه وتحققه، سأل
منه كور صول أن يطلقه على أن يرسل له ألف بعير من إبل الترك –
وهي‏:‏ البخاتي - وألف برذون، وهو مع ذلك شيخ كبير جداً، فشاور نصر
من بحضرته من الأمراء في ذلك، فمنهم من أشار بإطلاقه، ومنهم
من أشار بقتله‏.‏ ثم سأله نصر بن سيار‏:‏ كم غزوت من غزوة‏؟‏
فقال‏:‏ ثنتين وسبعين غزوة‏.‏ فقال له نصر‏:‏ ما مثلك يطلق، وقد شهدت
هذا كله‏.‏ ثم أمر به فضربت عنقه وصلبه‏.‏ فلما بلغ ذلك جيشه من قتله
باتوا تلك الليلة يجعرون ويبكون عليه، وجذوا لحاهم وشعورهم وقطعوا
آذانهم وحرقوا خياماً كثيرةً، وقتلوا أنعاماً كثيرةً، فلما أصبح أمر نصر
بإحراقه لئلا يأخذوا جثته، فكان حريقه أشد عليهم من قتله، وانصرفوا
خائبين صاغرين خاسرين‏.‏

ثم كر نصر على بلادهم فقتل منهم خلقاً وأسر أمماً لا يحصون كثرة‏.‏
وكان فيمن حضر بين يديه عجوز كبيرة جداً من الأعاجم أو الأتراك، وهي
من بيت مملكة، فقالت لنصر بن سيار‏:‏ كل ملك لا يكون عنده ستة أشياء
فهو ليس بملك‏:‏ وزير صادق يفصل خصومات الناس ويشاوره ويناصحه،
وطباخ يصنع له ما يشتهيه، وزوجة حسناء إذا دخل عليها مغتماً فنظر
إليها سرته وذهب غمه، وحصن منيع إذا فزع رعاياه لجأوا إليه فيه،
وسيف إذا قارع به الأقران لم يخش خيانته، وذخيرة إذا حملها فأين
ما وقع من الأرض عاش بها‏.‏

وحج بالناس فيها محمد بن هشام بن إسماعيل نائب مكة والمدينة
والطائف، ونائب العراق يوسف بن عمر، ونائب خراسان نصر بن سيار،
وعلى أرمينية مروان بن محمد‏.‏

ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏
زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
والمشهور أنه قتل في التي بعدها كما سيأتي بيانه إن شاء الله‏.‏

مسلمة بن عبد الملك
ابن مروان القرشي الأموي، أبو سعيد وأبو الأصبغ الدمشقي‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏
وداره بدمشق في حجلة القباب عند باب الجامع القبلي، ولي الموسم أيام
أخيه الوليد، وغزا الروم غزوات وحاصر القسطنطينية، وولاه أخوه يزيد
إمرة العراقيين، ثم عزله وتولى أرمينية‏.‏

وروى الحديث عن‏:‏ عمر بن عبد العزيز، وعنه‏:‏ عبد الملك بن أبي عثمان
وعبيد الله بن قزعة، وعيينة والد سفيان بن عينية، وابن أبي عمران،
ومعاوية بن خديج، ويحيى بن يحيى الغساني‏.‏

قال الزبير بن بكار‏:‏
كان مسلمة من رجال بني أمية، وكان يلقب بالجرادة الصفراء، وله آثار
كثيرة، وحروب ونكاية في العدو من الروم وغيرهم‏.‏
قلت‏:‏ وقد فتح حصوناً كثيرةً من بلاد الروم‏.‏

ولما ولي أرمينية غزا الترك فبلغ باب الأبواب فهدم المدينة التي عنده
ثم أعاد بناءها بعد تسع سنين‏.‏

وفي سنة ثمان وتسعين غزا القسطنطينية فحاصرها وافتتح مدينة
الصقالبة، وكسر ملكهم البرجان، ثم عاد إلى محاصرة القسطنطينية‏.
قال الأوزاعي‏:‏ فأخذه وهو يغازيهم صداع عظيم في رأسه، فبعث ملك
الروم إليه بقلنسوة وقال‏:‏ ضعها على رأسك يذهب صداعك، فخشي أن
تكون مكيدة فوضعها على رأس بهيمة فلم ير إلا خيراً، ثم وضعها على
رأس بعض أصحابه فلم ير إلا خيراً، فوضعها على رأسه فذهب صداعه،
ففتقها فإذا فيها سبعون سطراً هذه الآية‏:‏

‏{ ‏إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا‏ }‏
‏[‏فاطر‏:‏ 41‏]‏

الآية مكررة لا غير، رواه ابن عساكر‏.‏
وقد لقي مسلمة في حصاره القسطنطينية شدة عظيمة، وجاع المسلمون
عندها جوعاً شديداً، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أرسل إليهم البريد
يأمرهم بالرجوع إلى الشام، فحلف مسلمة أن لا يقلع عنهم حتى يبنوا له
جامعاً كبيراً بالقسطنطينية، فبنوا له جامعاً ومنارةً، فهو بها إلى الآن
يصلي فيه المسلمون الجمعة والجماعة‏.‏

قلت‏:‏ وهي آخر ما يفتحه المسلمون قبل خروج الدجال في آخر الزمان،
كما سنورده في الملاحم والفتن من كتابنا هذا إن شاء الله، ونذكر
الأحاديث الواردة في ذلك هناك‏.‏

وبالجملة كانت لمسلمة مواقف مشهورة، ومساعي مشكورة، وغزوات
متتالية منثورة، وقد افتتح حصوناً وقلاعاً، وأحيا بعزمه قصواراً وبقاعاً،
وكان في زمانه في الغزوات نظير خالد بن الوليد في أيامه، في كثرة
مغازيه، وكثرة فتوحه، وقوة عزمه، وشدة بأسه، وجودة تصرفه
في نقضه وإبرامه، وهذا مع الكرم والفصاحة‏.‏وقال يوماً لنصيب الشاعر‏:‏
سلني‏.‏قال‏:‏ لا‏.‏قال‏:‏ ولم‏؟‏قال‏:‏ لأن كفك بالجزيل أكثر من مسألتي باللسان‏.‏
فأعطاه ألف دينار‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ الأنبياء لا يتنابون كما يتناب الناس، ما ناب نبي قط وقد
أوصى بثلث ماله لأهل الأدب، وقال‏:‏ إنها صنعة جحف أهلها‏.‏

وقال الوليد بن مسلم وغيره‏:‏
توفي يوم الأربعاء لسبع مضين من المحرم سنة إحدى وعشرين ومائة‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة عشرين ومائة‏.‏

وكانت وفاته بموضع يقال له‏:‏ الحانوت، وقد رثاه بعضهم،
وهو ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقال‏:‏

أقول وما البعد إلا الردى * أمسلم لا تبعدن مسلمهْ
فقد كنت نوراً لنا في البلاد * مضيئاً فقد أصبحت مظلمهْ
ونكتم موتك نخشى اليقين * فأبدى اليقين لنا الجمجهْ

نمير بن قيس
الأشعري، قاضي دمشق، تابعي جليل، روى عن‏:‏ حذيفة مرسلاً،
وأبي موسى مرسلاً، وأبي الدرداء وعن معاوية مرسلاً، وغير واحد
من التابعين‏.‏

وحدث عنه جماعة كثيرون، منهم‏:‏ الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز،
ويحيى بن الحارث الذماري‏.‏

ولاه هشام بن عبد الملك القضاء بدمشق بعد عبد الرحمن بن الخشخاش
العذري، ثم استعفى هشاماً فعفاه وولى مكانه يزيد بن عبد الرحمن
بن أبي مالك‏.‏وكان نمير هذا لا يحكم باليمين مع الشاهد‏.‏وكان يقول‏:‏
الأدب من الآباء، والصلاح من الله‏.‏قال غير واحد‏:‏ توفي سنة إحدى
وعشرين ومائة‏.‏وقيل‏:‏ سنة ثنتين وعشرين ومائة‏.‏وقيل‏:‏ سنة خمس
عشرة ومائة، وهو غريب، والله سبحانه أعلم‏.‏