adnan
03-31-2015, 09:49 PM
الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
فيها:
اجتمعت الخوارج بعد الخبيري على شيبان بن عبد العزيز بن الحليس
اليشكري الخارجي، فأشار عليهم سليمان بن هشام أن يتحصنوا بالموصل
ويجعلوها منزلاً لهم، فتحولوا إليها وتبعهم مروان بن محمد أمير
المؤمنين، فعسكروا بظاهرها وخندقوا عليهم مما يلي جيش مروان.
وقد خندق مروان على جيشه أيضاً من ناحيتهم، وأقام سنة يحاصرهم
ويقتتلون في كل يوم بكرة وعشية، وظفر مروان بابن أخ لسليمان
بن هشام، وهو: أمية بن معاوية بن هشام، أسر بعض جيشه فأمر به
فقطعت يداه ثم ضرب عنقه، وعمه سليمان والجيش ينظرون إليه، وكتب
مروان إلى نائبه بالعراق يزيد بن عمر بن هبيرة يأمره بقتال الخوارج
الذين في بلاده.
فجرت له معهم وقعات عديدة، فظفر بهم ابن هبيرة، وأباد خضراءهم، ولم
يبق لهم بقية بالعراق، واستنقذ الكوفة من أيدي الخوارج وكان عليها
المثنى بن عمران العائذي - عائذة قريش - في رمضان من هذه السنة،
وكتب مروان إلى ابن هبيرة لما فرغ من الخوارج أن يمده بعمار
بن صبارة - وكان من الشجعان - فبعثه إليه في سبعة آلاف أو ثمانية
آلاف، فأرسلت إليه سرية في أربعة آلاف فاعترضوه في الطريق فهزمهم
ابن صبارة وقتل أميرهم الجون بن كلاب الشيباني الخارجي، وأقبل نحو
الموصل، ورجع فل الخوارج إليهم.
فأشار سليمان بن هشام عليهم أن يرتحلوا عن الموصل، فإنه لم يكن
يمكنهم الإقامة بها، ومروان من أمامهم وابن صبارة من ورائهم، وقد
قطع عنهم الميرة حتى يجدوا شيئاً يأكلونه، فارتحلوا عنها وساروا على
حلوان إلى الأهواز، فأرسل مروان ابن صبارة في آثارهم في ثلاثة ألف،
فأتبعهم يقتل من تخلف منهم ويلحقهم في مواطن فيقاتلهم، ومازال
وراءهم حتى فرق شملهم شذر مذر، وهلك أميرهم شيبان بن عبد العزيز
اليشكري بالأهواز في السنة القابلة، قتله خالد بن مسعود بن جعفر
بن خيلد الأزدي، وركب سليمان بن هشام في مواليه وأهل بيته السفن،
وساروا إلى السند، ورجع مروان من الموصل فأقام بمنزله بحران وقد
وجد سروراً بزوال الخوارج ولكن لم يتم سروره، بل أعقبه القدر من هو
أقوى شوكة وأعظم اتباعاً، وأشد بأساً من الخوارج، وهو ظهور
أبي مسلم الخرساني الداعية إلى دولة بني عباس.
أول ظهور أبي مسلم الخراساني
وفي هذه السنة:
رد كتاب إبراهيم بن محمد الإمام العباسي بطلب أبي مسلم الخراساني
من خراسان، فسار إليه في سبعين من النقباء لا يمرون ببلد إلا سألوهم:
إلى أين تذهبون ؟ فيقول أبو مسلم: نريد الحج. وإذا توسم أبو مسلم من
بعضهم ميلاً إليهم دعاهم إلى ما هم فيه فيجيبه إلى ذلك، فلما كان ببعض
الطريق جاء كتاب ثان من إبراهيم الإمام إلى أبي مسلم: إني بعثت إليك
براية النصر فارجع إلى خراسان وأظهر الدعوة، وأمر قحطبة بن شيب
أن يسير بما معه من الأموال والتحف إلى إبراهيم الإمام فيوافيه
في الموسم.
فرجع أبو مسلم بالكتاب فدخل خراسان في أول يوم من رمضان فرفع
الكتاب إلى سليمان بن كثير وفيه: أن أظهر دعوتك ولا تتربص.
فقدموا عليهم أبا مسلم الخراساني داعياً إلى بني العباس، فبعث أبو مسلم
دعاته في بلاد خراسان، وأمير خراسان - نصر بن سيار - مشغول بقتال
الكرماني، وشيبان بن سلمة الحروري، وقد بلغ من أمره أنه كان يسلم
عليه أصحابه بالخلافة في طوائف كثيرة من الخوارج، فظهر أمر
أبي مسلم وقصده الناس من كل جانب، فكان ممن قصده في يوم واحد
أهل ستين قرية، فأقام هناك اثنين وأربعين يوماً ففتحت على يديه
أقاليم كثيرة.
ولما كان ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان في هذه السنة: عقد أبو
مسلم اللواء الذي بعثه إليه الإمام، ويدعى: الظل، على رمح طوله أربعة
عشر ذراعاً، وعقد الراية التي بعث بها الإمام أيضاً، وتدعى: السحاب،
على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً، وهما سوداوان، وهو يتلو قوله تعالى:
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }
[الحج: 39].
ولبس أبو مسلم وسليمان بن كثير ومن أجابهم إلى الدعوة السواد،
وصارت شعارهم، وأوقدوا في هذه الليلة ناراً عظيمة يدعون بها أهل تلك
النواحي، وكانت علامة بينهم فتجمعوا. ومعنى تسمية إحدى الرايتين
بالسحاب: أن السحاب كما يطبق جميع الأرض كذلك بنو العباس تطبق
دعوتهم أهل الأرض، ومعنى تسمية الأخرى بالظل: أن الأرض كما أنها
لا تخلو من الظل فكذلك بنو العباس لا تخلو الأرض من قائم منهم.
وأقبل الناس إلى أبي مسلم من كل جانب، وكثر جيشه. ولما كان يوم عيد
الفطر أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلي بالناس، ونصب له منبراً،
وأن يخالف في ذلك بني أمية، ويعمل بالسنة، فنودي للصلاة: الصلاة
جامعة، ولم يؤذن ولم يقم خلافاً لهم، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة، وكبر ستاً
في الأولى قبل القراءة لا أربعاً، وخمساً في الثانية لا ثلاثاً خلافاً لهم.
وابتدأ الخطبة بالذكر والتكبير وختمها بالقراءة، وانصرف الناس من
صلاة العيد وقد أعدَّ لهم أبو مسلم طعاماً فوضعه بين يدي الناس، وكتب
إلى نصر بن سيار كتاباً بدأ فيه بنفسه ثم قال: إلى نصر بن سيار. بسم الله
الرحمن الرحيم: أما بعد فإن الله عيَّر أقواماً في كتابه فقال:
{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءهُمْ نَذِيرٌ
لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ }
إلى قوله
{ تَحْوِيلاً }
[فاطر: 42-43].
فعظم على نصر أن قدَّم اسمه على اسمه، وأطال الفكر، وقال:
هذا كتاب له جواب.
قال ابن جرير:
ثم بعث نصر بن سيار خيلاً عظيمةً لمحاربة أبي مسلم، وذلك بعد ظهوره
بثمانية عشر شهراً، فأرسل أبو مسلم إليهم مالك بن الهيثم الخزاعي،
فالتقوا فدعاهم مالك إلى الرضا عن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأبوا ذلك فتصافَّوا من أول النهار إلى العصر، فجاء إلى مالك مدد فقوي
فظفر بهم مالك، وكان هذا أول موقف اقتتل فيه جند بني العباس وجند
بني أمية.
وفي هذه السنة:
غلب حازم بن خزيمة على مرو الروذ، وقتل عاملها من جهة نصر
بن سيار، وهو: بشر بن جعفر السعدي، وكتب بالفتح إلى أبي مسلم،
وكان أبو مسلم إذ ذاك شاباً حدثاً قد اختاره إبراهيم لدعوتهم، وذلك
لشهامته وصرامته وقوة فهمه وجودة ذهنه، وأصله من سواد الكوفة،
وكان مولى لإدريس بن معقل العجلي، فاشتراه بعض دعاة بني العباس
بأربعمائة درهم، ثم أخذه محمد بن علي ثم آل ولاؤه لآل العباس، وزوجه
إبراهيم الإمام بابنة أبي النجم إسماعيل بن عمران، وأصدقها عنه، وكتب
إلى دعاتهم بخراسان والعراق أن يسمعوا منه، فامتثلوا أمره، وقد كانوا
في السنة الماضية قبل هذه السنة ردوا عليه أمره لصغره فيهم، فلما كانت
هذه السنة أكَّد الإمام كتابه إليهم في الوصاة به وطاعته، وكان في ذلك
الخير له ولهم،
{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً }
[الأحزاب: 38].
ولما فشا أمر أبي مسلم بخراسان تعاقدت طوائف من العرب الذين بها
على حربه ومقاتلته، ولم يكره الكرماني وشيبان لأنهما خرجا على نصر
وأبو مسلم مخالف لنصر كحالهما، وهو مع ذلك يدعو إلى خلع مروان
الحمار، وقد طلب نصر من شيبان أن يكون معه على حرب أبي مسلم،
أو يكف عنه حتى يتفرغ لحربه، فإذا قتل أبا مسلم عادا إلى عداوتهما،
فأجابه إلى ذلك، فبلغ ذلك أبا مسلم فبعث إلى الكرماني يعلمه بذلك فلام
الكرماني شيبان على ذلك، وثناه عن ذلك، وبعث أبو مسلم إلى هراة
النضر بن نعيم، فأخذها من عاملها عيسى بن عقيل الليثي، وكتب إلى
أبي مسلم بذلك، وجاء عاملها إلى نصر هارباً، ثم إن شيبان وادع نصر
بن سيار سنة على ترك الحرب بينه وبينه، وذلك عن كره من الكرماني،
فبعث ابن الكرماني إلى أبي مسلم: أني معك على قتال نصر.
وركب أبو مسلم في خدمة الكرماني، فاتفقا على حرب نصر ومخالفته.
وتحول أبو مسلم إلى موضع فسيح وكثر جنده وعظم جيشه، واستعمل
على الحرس والشرط والرسائل والديوان وغير ذلك مما يحتاج إليه
الملك عمالاً.
وجعل القاسم بن مجاشع التميمي - وكان أحد النقباء - على القضاء وكان
يصلي بأبي مسلم الصلوات، ويقص بعض القصص فيذكر محاسن بني
هاشم ويذم بني أمية، ثم تحول أبو مسلم إلى قرية يقال لها: بالين، وكان
في مكان منخفض، فخشي أن يقطع عنه نصر بن سيار الماء، وذلك في
سادس ذي الحجة من هذه السنة، وصلى بهم يوم النحر القاضي القاسم
بن مجاشع. وصار نصر بن سيار في جحافل كالسحاب قاصداً قتال أبي
مسلم، واستخلف على البلاد نواباً وكان من أمرهما ما سنذكره في السنة
الآتية.
ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
فيها:
اجتمعت الخوارج بعد الخبيري على شيبان بن عبد العزيز بن الحليس
اليشكري الخارجي، فأشار عليهم سليمان بن هشام أن يتحصنوا بالموصل
ويجعلوها منزلاً لهم، فتحولوا إليها وتبعهم مروان بن محمد أمير
المؤمنين، فعسكروا بظاهرها وخندقوا عليهم مما يلي جيش مروان.
وقد خندق مروان على جيشه أيضاً من ناحيتهم، وأقام سنة يحاصرهم
ويقتتلون في كل يوم بكرة وعشية، وظفر مروان بابن أخ لسليمان
بن هشام، وهو: أمية بن معاوية بن هشام، أسر بعض جيشه فأمر به
فقطعت يداه ثم ضرب عنقه، وعمه سليمان والجيش ينظرون إليه، وكتب
مروان إلى نائبه بالعراق يزيد بن عمر بن هبيرة يأمره بقتال الخوارج
الذين في بلاده.
فجرت له معهم وقعات عديدة، فظفر بهم ابن هبيرة، وأباد خضراءهم، ولم
يبق لهم بقية بالعراق، واستنقذ الكوفة من أيدي الخوارج وكان عليها
المثنى بن عمران العائذي - عائذة قريش - في رمضان من هذه السنة،
وكتب مروان إلى ابن هبيرة لما فرغ من الخوارج أن يمده بعمار
بن صبارة - وكان من الشجعان - فبعثه إليه في سبعة آلاف أو ثمانية
آلاف، فأرسلت إليه سرية في أربعة آلاف فاعترضوه في الطريق فهزمهم
ابن صبارة وقتل أميرهم الجون بن كلاب الشيباني الخارجي، وأقبل نحو
الموصل، ورجع فل الخوارج إليهم.
فأشار سليمان بن هشام عليهم أن يرتحلوا عن الموصل، فإنه لم يكن
يمكنهم الإقامة بها، ومروان من أمامهم وابن صبارة من ورائهم، وقد
قطع عنهم الميرة حتى يجدوا شيئاً يأكلونه، فارتحلوا عنها وساروا على
حلوان إلى الأهواز، فأرسل مروان ابن صبارة في آثارهم في ثلاثة ألف،
فأتبعهم يقتل من تخلف منهم ويلحقهم في مواطن فيقاتلهم، ومازال
وراءهم حتى فرق شملهم شذر مذر، وهلك أميرهم شيبان بن عبد العزيز
اليشكري بالأهواز في السنة القابلة، قتله خالد بن مسعود بن جعفر
بن خيلد الأزدي، وركب سليمان بن هشام في مواليه وأهل بيته السفن،
وساروا إلى السند، ورجع مروان من الموصل فأقام بمنزله بحران وقد
وجد سروراً بزوال الخوارج ولكن لم يتم سروره، بل أعقبه القدر من هو
أقوى شوكة وأعظم اتباعاً، وأشد بأساً من الخوارج، وهو ظهور
أبي مسلم الخرساني الداعية إلى دولة بني عباس.
أول ظهور أبي مسلم الخراساني
وفي هذه السنة:
رد كتاب إبراهيم بن محمد الإمام العباسي بطلب أبي مسلم الخراساني
من خراسان، فسار إليه في سبعين من النقباء لا يمرون ببلد إلا سألوهم:
إلى أين تذهبون ؟ فيقول أبو مسلم: نريد الحج. وإذا توسم أبو مسلم من
بعضهم ميلاً إليهم دعاهم إلى ما هم فيه فيجيبه إلى ذلك، فلما كان ببعض
الطريق جاء كتاب ثان من إبراهيم الإمام إلى أبي مسلم: إني بعثت إليك
براية النصر فارجع إلى خراسان وأظهر الدعوة، وأمر قحطبة بن شيب
أن يسير بما معه من الأموال والتحف إلى إبراهيم الإمام فيوافيه
في الموسم.
فرجع أبو مسلم بالكتاب فدخل خراسان في أول يوم من رمضان فرفع
الكتاب إلى سليمان بن كثير وفيه: أن أظهر دعوتك ولا تتربص.
فقدموا عليهم أبا مسلم الخراساني داعياً إلى بني العباس، فبعث أبو مسلم
دعاته في بلاد خراسان، وأمير خراسان - نصر بن سيار - مشغول بقتال
الكرماني، وشيبان بن سلمة الحروري، وقد بلغ من أمره أنه كان يسلم
عليه أصحابه بالخلافة في طوائف كثيرة من الخوارج، فظهر أمر
أبي مسلم وقصده الناس من كل جانب، فكان ممن قصده في يوم واحد
أهل ستين قرية، فأقام هناك اثنين وأربعين يوماً ففتحت على يديه
أقاليم كثيرة.
ولما كان ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان في هذه السنة: عقد أبو
مسلم اللواء الذي بعثه إليه الإمام، ويدعى: الظل، على رمح طوله أربعة
عشر ذراعاً، وعقد الراية التي بعث بها الإمام أيضاً، وتدعى: السحاب،
على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً، وهما سوداوان، وهو يتلو قوله تعالى:
{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ }
[الحج: 39].
ولبس أبو مسلم وسليمان بن كثير ومن أجابهم إلى الدعوة السواد،
وصارت شعارهم، وأوقدوا في هذه الليلة ناراً عظيمة يدعون بها أهل تلك
النواحي، وكانت علامة بينهم فتجمعوا. ومعنى تسمية إحدى الرايتين
بالسحاب: أن السحاب كما يطبق جميع الأرض كذلك بنو العباس تطبق
دعوتهم أهل الأرض، ومعنى تسمية الأخرى بالظل: أن الأرض كما أنها
لا تخلو من الظل فكذلك بنو العباس لا تخلو الأرض من قائم منهم.
وأقبل الناس إلى أبي مسلم من كل جانب، وكثر جيشه. ولما كان يوم عيد
الفطر أمر أبو مسلم سليمان بن كثير أن يصلي بالناس، ونصب له منبراً،
وأن يخالف في ذلك بني أمية، ويعمل بالسنة، فنودي للصلاة: الصلاة
جامعة، ولم يؤذن ولم يقم خلافاً لهم، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة، وكبر ستاً
في الأولى قبل القراءة لا أربعاً، وخمساً في الثانية لا ثلاثاً خلافاً لهم.
وابتدأ الخطبة بالذكر والتكبير وختمها بالقراءة، وانصرف الناس من
صلاة العيد وقد أعدَّ لهم أبو مسلم طعاماً فوضعه بين يدي الناس، وكتب
إلى نصر بن سيار كتاباً بدأ فيه بنفسه ثم قال: إلى نصر بن سيار. بسم الله
الرحمن الرحيم: أما بعد فإن الله عيَّر أقواماً في كتابه فقال:
{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءهُمْ نَذِيرٌ
لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ }
إلى قوله
{ تَحْوِيلاً }
[فاطر: 42-43].
فعظم على نصر أن قدَّم اسمه على اسمه، وأطال الفكر، وقال:
هذا كتاب له جواب.
قال ابن جرير:
ثم بعث نصر بن سيار خيلاً عظيمةً لمحاربة أبي مسلم، وذلك بعد ظهوره
بثمانية عشر شهراً، فأرسل أبو مسلم إليهم مالك بن الهيثم الخزاعي،
فالتقوا فدعاهم مالك إلى الرضا عن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأبوا ذلك فتصافَّوا من أول النهار إلى العصر، فجاء إلى مالك مدد فقوي
فظفر بهم مالك، وكان هذا أول موقف اقتتل فيه جند بني العباس وجند
بني أمية.
وفي هذه السنة:
غلب حازم بن خزيمة على مرو الروذ، وقتل عاملها من جهة نصر
بن سيار، وهو: بشر بن جعفر السعدي، وكتب بالفتح إلى أبي مسلم،
وكان أبو مسلم إذ ذاك شاباً حدثاً قد اختاره إبراهيم لدعوتهم، وذلك
لشهامته وصرامته وقوة فهمه وجودة ذهنه، وأصله من سواد الكوفة،
وكان مولى لإدريس بن معقل العجلي، فاشتراه بعض دعاة بني العباس
بأربعمائة درهم، ثم أخذه محمد بن علي ثم آل ولاؤه لآل العباس، وزوجه
إبراهيم الإمام بابنة أبي النجم إسماعيل بن عمران، وأصدقها عنه، وكتب
إلى دعاتهم بخراسان والعراق أن يسمعوا منه، فامتثلوا أمره، وقد كانوا
في السنة الماضية قبل هذه السنة ردوا عليه أمره لصغره فيهم، فلما كانت
هذه السنة أكَّد الإمام كتابه إليهم في الوصاة به وطاعته، وكان في ذلك
الخير له ولهم،
{ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً }
[الأحزاب: 38].
ولما فشا أمر أبي مسلم بخراسان تعاقدت طوائف من العرب الذين بها
على حربه ومقاتلته، ولم يكره الكرماني وشيبان لأنهما خرجا على نصر
وأبو مسلم مخالف لنصر كحالهما، وهو مع ذلك يدعو إلى خلع مروان
الحمار، وقد طلب نصر من شيبان أن يكون معه على حرب أبي مسلم،
أو يكف عنه حتى يتفرغ لحربه، فإذا قتل أبا مسلم عادا إلى عداوتهما،
فأجابه إلى ذلك، فبلغ ذلك أبا مسلم فبعث إلى الكرماني يعلمه بذلك فلام
الكرماني شيبان على ذلك، وثناه عن ذلك، وبعث أبو مسلم إلى هراة
النضر بن نعيم، فأخذها من عاملها عيسى بن عقيل الليثي، وكتب إلى
أبي مسلم بذلك، وجاء عاملها إلى نصر هارباً، ثم إن شيبان وادع نصر
بن سيار سنة على ترك الحرب بينه وبينه، وذلك عن كره من الكرماني،
فبعث ابن الكرماني إلى أبي مسلم: أني معك على قتال نصر.
وركب أبو مسلم في خدمة الكرماني، فاتفقا على حرب نصر ومخالفته.
وتحول أبو مسلم إلى موضع فسيح وكثر جنده وعظم جيشه، واستعمل
على الحرس والشرط والرسائل والديوان وغير ذلك مما يحتاج إليه
الملك عمالاً.
وجعل القاسم بن مجاشع التميمي - وكان أحد النقباء - على القضاء وكان
يصلي بأبي مسلم الصلوات، ويقص بعض القصص فيذكر محاسن بني
هاشم ويذم بني أمية، ثم تحول أبو مسلم إلى قرية يقال لها: بالين، وكان
في مكان منخفض، فخشي أن يقطع عنه نصر بن سيار الماء، وذلك في
سادس ذي الحجة من هذه السنة، وصلى بهم يوم النحر القاضي القاسم
بن مجاشع. وصار نصر بن سيار في جحافل كالسحاب قاصداً قتال أبي
مسلم، واستخلف على البلاد نواباً وكان من أمرهما ما سنذكره في السنة
الآتية.