المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتل مروان بن محمد بن مروان


adnan
04-05-2015, 07:45 PM
الأخ / مصطفى آل حمد







مقتل مروان بن محمد بن مروان
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله


آخر خلفاء بني أمية، وتحول الخلافة إلى بني العباس مأخوذة
من قوله تعالى‏:‏

‏{ ‏وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ‏}‏
‏[‏البقرة‏:‏ 247‏]‏،

وقوله‏:‏

‏{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ‏ }‏
‏[‏آل عمران‏:‏ 26‏]‏ الآية‏.‏

وقد ذكرنا أن مروان لما بلغه خبر أبي مسلم وأتباعه وما جرى بأرض
خراسان، تحول من حران فنزل على نهر قريب من الموصل، يقال له‏:‏
الزاب من أرض الجزيرة ثم لما بلغه أن السفاح قد بويع له بالكوفة والتفت
عليه الجنود، واجتمع له أمره، شق عليه جداً، وجمع جنوده فتقدم إليه
أبو عون بن أبي يزيد في جيش كثيف وهو أحد أمراء السفاح، فنازله
على الزاب وجاءته الأمداد من جهة السفاح، ثم ندب السفاح الناس ممن
يلي القتال من أهل بيته، فأنتدب له عبد الله بن علي فقال‏:‏ سر على
بركة الله‏.‏

فسار في جنود كثيرة فقدم على أبي عون فتحول له أبو عون عن سرادقه
وخلاه له وما فيه، وجعل عبد الله بن علي على شرطته حياش بن حبيب
الطائي، ونصير بن المحتفز، ووجه أبو العباس موسى بن كعب في ثلاثين
رجلاً على البريد إلى عبد الله بن علي يحثه على مناجزة مروان،
والمبادرة إلى قتاله ونزاله قبل أن تحدث أمور، وتبرد نيران الحرب‏.‏
فتقدم عبد الله بن علي بجنوده حتى واجه جيش مروان، ونهض مروان
في جنوده وتصافَّ الفريقان في أول النهار، ويقال‏:‏ إنه كان مع مروان
يومئذ مائة ألف وخمسون ألفاً‏.‏

ويقال‏:‏ مائة وعشرون ألفاً، وكان عبد الله بن علي في عشرين ألفاً‏.‏

فقال مروان لعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز‏:‏ إن زالت الشمس يومئذ
ولم يقاتلونا كنا نحن الذين ندفعها إلى عيسى بن مريم، وإن قاتلونا قبل
الزوال فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ ثم أرسل مروان إلى عبد الله بن علي
يسأله الموادعة، فقال عبد الله‏:‏ كذب ابن زريق، لا تزول الشمس حتى
أوطئه الخيل، إن شاء الله‏.‏

وكان ذلك يوم السبت لإحدى عشر ليلة خلت من جمادى الآخرة من هذه
السنة، فقال مروان‏:‏ قفوا لا تبتدئون بقتال‏.‏

وجعل ينظر إلى الشمس فخالفه الوليد بن معاوية بن مروان - وهو‏:‏ ختن
مروان على ابنته - فحمل، فغضب مروان فشتمه فقاتل أهل الميمنة فأنحاز
أبو عون إلى عبد الله بن علي، فقاتل موسى بن كعب لعبد الله بن علي،
فأمر الناس فنزلوا ونودي‏:‏ الأرض الأرض‏.‏

فنزلوا وأشرعوا الرماح وجثوا على الركب وقاتلوهم، وجعل أهل الشام
يتأخرون كأنما يدفعون، وجعل عبد الله يمشي قدماً، وجعل يقول‏:‏ يا رب
حتى متى نقتل فيك ‏؟‏

ونادى يا أهل خراسان ‏!‏ يا شارات إبراهيم الإمام، يا محمد يا منصور،
واشتد القتال جداً بين الناس، فلا تسمع إلا وقعاً كالمرازب على النحاس،
فأرسل مروان إلى قضاعة يأمرهم بالنزول فقالوا‏:‏ قل لبني سليم فلينزلوا‏.‏
وأرسل إلى السكاسك أن احملوا فقالوا‏:‏ قل لبني عامر أن يحملوا‏.‏ فأرسل
إلى السكون أن احملوا فقالوا‏:‏ قل إلى غطفان فليحملوا‏.‏ فقال لصاحب
شرطته‏:‏ انزل‏.‏ فقال‏:‏ لا ‏!‏ والله لا أجعل نفسي غرضاً‏.‏ قال‏:‏ أما والله
لأسوءنك‏.‏ قال‏:‏ وددت لو قدرت على ذلك‏.‏ ويقال‏:‏ أنه قال ذلك لابن هبيرة‏.‏
قالوا‏:‏ ثم انهزم أهل الشام واتبعتهم أهل خراسان في أدبارهم يقتلون
ويأسرون، وكان من غرق من أهل الشام أكثر ممن قتل وكان في جملة
من غرق إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المخلوع، وقد أمر عبد الله
بن علي بعقد الجسر، واستخراج من غرق في الماء،
وجعل يتلو قوله تعالى‏:‏

‏{ ‏وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ‏ }‏
‏[‏البقرة‏:‏ 50‏]‏‏.‏

وأقام عبد الله بن علي في موضع المعركة سبعة أيام، وقد قال رجل من
ولد سعيد بن العاص في مروان وفراره يومئذ‏:‏

لج الفرار بمروان فقلت له * عاد الظلوم ظليماً همه الهرب
أين الفرار وترك الملك إذ ذهبت * عنك الهوينا فلا دين ولا حسب
فراشة الحلم فرعون العقاب وإن * تطلب نداه فكلب دونه كلب

واحتاز عبد الله ما في معسكر مروان من الأموال والأمتعة والحواصل،
ولم يجد فيه امرأة سوى جارية كانت لعبد الله بن مروان، وكتب إلى أبي
العباس السفاح بما فتح الله عليه من النصر، وما حصل لهم من الأموال‏.‏
فصلى السفاح ركعتين شكراً لله عز وجل، وأطلق لكل من حضر الوقعة
خمسمائة خمسمائة، ورفع في أرزاقهم إلى ثمانين، وجعل يتلو قوله‏:‏

‏{ ‏فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ‏ }‏
‏[‏البقرة‏:‏ 249‏]‏ الآية‏.‏

صفة مقتل مروان
لما انهزم مروان سار لا يلوي على أحد، فأقام عبد الله بن علي في مقام
المعركة سبعة أيام، ثم سار خلفه بمن معه من الجنود، وذلك عن أمر
السفاح له بذلك‏.‏

فلما مر مروان بحران اجتازها وأخرج أبا محمد السفياني من سجنه،
واستخلف عليها أبان بن يزيد - وهو ابن أخته، وزوج ابنته أم عثمان –
فلما قدم عبد الله على حران خرج إليه أبان بن يزيد مسوِّداً فأمنه عبد الله
بن علي وأقره على عمله، وهدم الدار التي سجن فيها إبراهيم الإمام،
واجتاز مروان قنسرين قاصداً حمص، فلما جاءها خرج إليه أهلها
بالأسواق والمعايش، فأقام بها يومين أو ثلاثة ثم شخص منها، فلما رأى
أهل حمص قلة من معه اتبعوه ليقتلوه ونهبوا ما معه، وقالوا‏:‏ مرعوب
مهزوم‏.‏ فأدركوه بواد عند حمص فأكمن لهم أميرين، فلما تلاحقوا بمروان
عطف عليهم فنانشدهم أن يرجعوا فأبوا إلا مقاتلته، فثار القتال بينهم وثار
الكمينان من ورائهم، فانهزم الحمصيون، وجاء مروان إلى دمشق وعلى
نيابتها من جهته زوج ابنته الوليد بن معاوية بن مروان فتركه بها واجتاز
عنها قاصداً إلى الديار المصرية، وجعل عبد الله بن علي لا يمر ببلد وقد
سوِّدوا فيبايعونه ويعطهيم الأمان‏.‏ ولما وصل إلى قنسرين وصل إليه أخوه
عبد الصمد بن علي في أربعة آلاف، وقد بعثهم السفاح مدداً له، ثم سار
عبد الله حتى أتى حمص، ثم سار منها إلى بعلبك، ثم منها حتى أتى
دمشق من ناحية المزة فنزل بها يومين أو ثلاثة، ثم وصل إليه أخوه
صالح بن علي في ثمانية آلاف مدداً من السفاح، فنزل صالح
بمرج عذراء‏.‏

ولما جاء عبد الله بن علي دمشق نزل على الباب الشرقي، ونزل صالح
أخوه على باب الجابية، ونزل أبو عون على باب كيسان، ونزل بسام على
الباب الصغير، وحميد بن قحطبة على باب توما، وعبد الصمد ويحيى
بن صفوان والعباس بن يزيد على باب الفراديس، فحاصرها أياماً ثم
افتتحها يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان هذه السنة، فقتل من أهلها
خلقاً كثيراً وأباحها ثلاث ساعات، وهدم سورها‏.‏

ويقال‏:‏ إن أهل دمشق لما حاصرهم عبد الله اختلفوا فيما بينهم، ما بين
عباسي وأموي، فاقتتلوا فقتل بعضهم بعضاً، وقتلوا نائبهم ثم سلموا البلد،
وكان أول من صعد السور من ناحية الباب الشرقي رجل يقال له‏:‏ عبد الله
الطائي، ومن ناحية الباب الصغير بسام بن إبراهيم، ثم أبيحت دمشق ثلاث
ساعات حتى قيل‏:‏ إنه قتل بها في هذه المدة نحواً من خمسين ألفاً‏.‏

وذكر ابن عساكر في ترجمة عبيد بن الحسن الأعرج من ولد جعفر
بن أبي طالب، وكان أميراً على خمسة آلاف مع عبد الله بن علي في
حصار دمشق، أنهم أقاموا محاصريها خمسة أشهر‏.‏

وقيل‏:‏ مائة يوم‏.‏

وقيل‏:‏ شهراً ونصفاً‏.‏

وأن البلد كان قد حصنه نائب مروان تحصيناً عظيماً، ولكن اختلف أهلها
فيما بينهم بسبب اليمانية والمضرية، وكان ذلك بسبب الفتح، حتى إنهم
جعلوا في كل مسجد محرابين للقبلتين حتى في المسجد الجامع منبرين،
وإمامين يخطبان يوم الجمعة على المنبرين، وهذا من عجيب ما وقع،
وغريب ما اتفق، وفظيع ما أحدث بسبب الفتنة والهوى والعصبية،
نسأل الله السلامة والعافية‏.‏

وقد بسط ذلك ابن عساكر في هذه الترجمة المذكورة، وذكر في ترجمة
محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي قال‏:‏ كنت مع عبد الله بن علي أول
ما دخل دمشق، دخلها بالسيف، وأباح القتل فيها ثلاث ساعات، وجعل
جامعها سبعين يوماً إسطبلاً لدوابه وجماله، ثم نبش قبور بني أمية فلم
يجد في قبر معاوية إلا خيطاً أسود مثل الهباء، ونبش قبر عبد الملك
بن مروان فوجد جمجمته، وكان يجد في القبر العضو بعد العضو، إلا
هشام بن عبد الملك فإنه وجده صحيحاً لم يبل منه غير أرنبة أنفه، فضربه
بالسياط وهو ميت وصلبه أياماً ثم أحرقه ودقَّ رماده ثم ذره في الريح،
وذلك أن هشاماً كان قد ضرب أخاه محمد بن علي، حين كان قد اتهم بقتل
ولد له صغير، سبعمائة سوط، ثم نفاه إلى الحميمة بالبلقاء‏.‏

قال‏:‏ ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم، فقتل
منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفاً عند نهر بالرملة، وبسط عليهم
الأنطاع ومد عليهم سماطاً فأكل وهم يختلجون تحته، وهذا من الجبروت
والظلم الذي يجازيه الله عليه، وقد مضى ولم يدم له ما أراده ورجاه،
كما سيأتي في ترجمته‏.‏

وأرسل امرأة هشام بن عبد الملك وهي‏:‏ عبدة بنت عبد الله بن يزيد
بن معاوية صاحبة الخال، مع نفر من الخراسانية إلى البرية ماشية
حافية حاسرة على وجهها وجسدها وثيابها ثم قتلوها‏.‏
ثم أحرق ما وجد من عظم ميت منهم‏.‏
وأقام بها عبد الله خمسة عشر يوماً‏.‏

وقد استدعى بالأوزاعي فأوقف بين يديه فقال له‏:‏ يا أبا عمرو ‏!‏ ما تقول
في هذا الذي صنعناه ‏؟‏ قال‏:‏ فقلت له‏:‏ لا أدري غير أنه قد حدثني يحيى بن
سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة،
عن عمر بن الخطاب، قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

(‏‏ إنما الأعمال بالنيات‏ ‏‏)
‏ فذكر الحديث‏.‏

قال الأوزاعي‏:‏
وانتظرت رأسي أن يسقط بين رجلي ثم أخرجت، وبعث لي بمائة دينار،
ثم سار وراء مروان فنزل على نهر الكسوة، ووجه يحيى بن جعفر
الهاشمي نائباً على دمشق ثم سار فنزل مرج الروم، ثم أتى نهر
أبي فطرس فوجد مروان قد هرب فدخل مصر، وجاءه كتاب السفاح‏:‏
ابعث صالح بن علي في طلب مروان وأقم أنت في الشام نائباً عليها‏.‏
فسار صالح يطلب مروان في ذي القعدة من هذه السنة، ومعه أبو عمرو
عامر بن إسماعيل، فنزل على ساحل البحر وجمع ما هناك من السفن
وبلغه أن مروان قد نزل الفرما، وقيل‏:‏ الفيوم‏.‏

فجعل يسير على الساحل والسفن تقاد معه في البحر حتى أتى العريش،
ثم سار حتى نزل على النيل ثم سار إلى الصعيد فعبر مروان النيل وقطع
الجسر وحرق ما حوله من العلف والطعام، ومضى صالح في طلبه‏.‏
فالتقى بخيل لمروان فهزمهم، ثم جعل كلما التقوا مع خيل لمروان
يهزمزنهم حتى سألوا بعض من أسروا عن مروان فدلهم عليه، وإذا به
في كنيسة أبو صير فوافوه من آخر الليل، فانهزم من معه من الجند
وخرج إليهم مروان في نفر يسير معه فأحاطوا به حتى قتلوه، طعنه
رجل من أهل البصرة يقال له‏:‏ معود، ولا يعرفه حتى قال رجل‏:
صرع أمير المؤمنين‏.‏

فابتدره رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان فاحتز رأسه، فبعث به عامر
بن إسماعيل أمير هذه السرية إلى أبي عون، فبعث به أبو عون إلى صالح
بن علي فبعث به صالح مع رجل يقال له‏:‏ خزيمة بن يزيد بن هانئ كان
على شرطته، لأمير المؤمنين السفاح‏.‏

وكان مقتل مروان يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة، وقيل‏:‏ يوم
الخميس لست مضين منها سنة ثنتين وثلاثين ومائة، وكانت خلافته
خمس سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام على المشهور‏.‏

واختلفوا في سنه، فقيل‏:‏ أربعون سنة‏.‏

وقيل‏:‏ ست، وقيل‏:‏ ثمان وخمسون سنة‏.‏

وقيل‏:‏ ستون‏.‏

وقيل‏:‏ اثنتان، وقيل‏:‏ ثلاث، وقيل‏:‏ تسع وستون سنة‏.‏

وقيل‏:‏ ثمانون، والله أعلم‏.‏

ثم إن صالح بن علي سار إلى الشام واستخلف على مصر أبا عون
بن أبي يزيد، والله سبحانه أعلم‏.‏

وهذا شيء من ترجمة مروان
وهو‏:‏ مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية،
القرشي الأموي، أبو عبد الملك، أمير المؤمنين، آخر خلفاء بني أمية،
وأمه أمة كردية يقال لها‏:‏ لبابة، وكانت لإبراهيم بن الأشتر النخعي، أخذها
محمد بن مروان يوم قتله فاستولدها مروان هذا، ويقال‏:‏ أنها كانت أولاً
لمصعب بن الزبير‏.‏وقد كانت دار مروان هذا في سوق الأكافين،
قاله ابن عساكر‏.‏

بويع له بالخلافة بعد قتل الوليد بن يزيد، وبعد موت يزيد بن الوليد، ثم
قدم دمشق وخلع إبراهيم بن الوليد، واستمر له الأمر في نصف صفر سنة
سبع وعشرين ومائة‏.‏

وقال أبو معشر‏:
‏ بويع له بالخلافة في ربيع الأول سنة تسع وعشرين ومائة، وكان يقال
له‏:‏ مروان الجعدي، نسبة إلى رأي الجعد بن درهم، وتلقب بالحمار، وهو
آخر من ملك من بني أمية، وكانت خلافته خمس سنين وعشرة أشهر
وعشرة أيام، وقيل‏:‏ خمس سنين وشهراً‏.‏

وبقي بعد أن بويع للسفاح تسعة أشهر، وكان أبيض مشرباً حمرة، أزرق
العينين، كبير اللحية، ضخم الهامة، ربعة، ولم يكن يخضب‏.‏ ولاه هشام
نيابة أذربيجان وأرمينية والجزيرة، في سنة أربع عشرة ومائة، ففتح بلاد
كثيرة وحصوناً متعددة في سنين كثيرة، وكان لا يفارق الغزو في سبيل
الله، وقاتل طوائف من الناس الكفار ومن الترك والخزر واللان وغيرهم،
فكسرهم وقهرهم، وقد كان شجاعاً بطلاً مقداماً حازم الرأي لولا أن جنده
خذلوه بتقدير الله عز وجل لما له من ذلك من حكمة سلب الخلافة
لشجاعته وصرامته‏.‏

ولكن من يخذل الله يخذل، ومن يهن الله فما له من مكرم‏.‏

قال الزبير بن بكار، عن عمه مصعب بن عبد الله‏:
‏ كان بنو أمية يرون أنه تذهب منهم الخلافة إذا وليها من أمه أمة، فلما
وليها مروان هذا أخذت منهم في سنة ثنتين وثلاثين ومائة‏.‏


وقد سأل الرشيد أبا بكر بن عياش‏:‏ خير الخلفاء نحن أو بنوا أمية ‏؟‏
فقال‏:‏ هم كانوا أنفع للناس وأنتم أقوم للصلاة، فأعطاه ستة آلاف‏.‏

قالوا‏:‏ وقد كان مروان هذا كثير المروءة كثير العجب، يعجبه اللهو
والطرب، ولكنه كان يشتغل عن ذلك بالحرب‏.‏

قال ابن عساكر‏:
‏ قرأت بخط أبي الحسين علي بن مقلد بن نصر بن منقذ بن الأمير
في مجموع له‏:‏ كتب مروان بن محمد إلى جارية له تركها بالرملة عند
ذهابه إلى مصر منهزماً‏:‏

وما زال يدعوني إلى الصبر ما أرى * فآبى ويدنيني الذي لك في صدري
وكان عزيزاً أن تبيتي وبيننا * حجاب فقد أمسيت مني على عشر
وأنكاهما والله للقلب فاعلمي * إذا زدت مثليها فصرت على شهر
وأعظم من هذين والله أنني * أخاف بأن لا نلتقي آخر الدهر
سأبكيك لا مستبقاً فيض عبرة * ولا طالباً بالصبر عاقبة الصبر

وقال بعضهم‏:‏ اجتاز مروان وهو هارب براهب فاطلع عليه الراهب فسلم
عليه فقال له‏:‏ يا راهب ‏!‏ هل عندك علم بالزمان ‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏!‏ عندي من
تلونه ألوان‏.‏قال‏:‏ هل تبلغ الدنيا من الإنسان أن تجعله مملوكاً بعد أن كان
مالكاً ‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏!‏ قال‏:‏ فكيف ‏؟‏ قال‏:‏ بحبه لها وحرصه على نيل شهواتها،
وتضييع الحزم وترك انتهاز الفرص، فإن كنت تحبها فإن عبدها من
أحبها‏.‏ قال‏:‏ فما السبيل إلى العتق ‏؟‏ قال‏:‏ ببغضها والتجافي عنها‏.‏
قال‏:‏ هذا ما لا يكون‏.‏قال الراهب‏:‏ أما إنه سيكون فبادر بالهرب منها
قبل أن تسلبها‏.‏ قال‏:‏ هل تعرفني ‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏!‏ أنت ملك العرب مروان،
تقتل في بلاد السودان، وتدفن بلا أكفان، فلولا أن الموت في طلبك
لدللتك على موضع هربك‏.‏

قال بعض الناس‏:‏ كان يقال في ذلك الزمان‏:‏ يقتل ع بن ع بن ع م بن م بن
م يعنون‏:‏ يقتل عبد الله بن علي بن عباس بن مروان بن محمد بن مروان‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ جلس مروان يوماً وقد أحيط به وعلى رأسه خادم له قائم،
فقال مروان لبعض من يخاطبه‏:‏ ألا ترى ما نحن فيه‏؟‏ لهفي على أيد ما
ذكرت، ونعم ما شكرت، ودولة ما نصرت‏.‏فقال له الخادم‏:‏ يا أمير
المؤمنين ‏!‏ من ترك القليل حتى يكثر، والصغير حتى يكبر، والخفي حتى
يظهر، وأخر فعل اليوم لغد، حل به أكثر من هذا‏.‏فقال مروان‏:‏ هذا القول
أشد عليَّ من فقد الخلافة‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن مروان قتل يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة،
سنة ثنتين وثلاثين ومائة، وقد جاوز الستين وبلغ الثمانين، وقيل‏:‏ إنما
عاش أربعين سنة، والصحيح الأول‏.‏
وهو آخر خلفاء بني أمية به انقضت دولتهم‏.‏