المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اسم الله ( العَزِيز)


هيفولا
04-24-2015, 08:49 AM
اسم الله ( العَزِيز)


قال تعالى : {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [ الشعراء : 9] .

العزيز هو القوي الغالب على كل شيء ، القاهر لكل شيء ، عزَّ كل شيء فقهره ،
وهو المعز الذي يهب العز لمن يشاء من عباده ، وهو الذي ذلَّ لعزتهِ كل عزيز، وعزته سبحانه تشمل المعاني الثلاثة :

- عزة القوة وهي صفة العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت .
- وعزة الرفعة والامتناع فهو الغني بذاته فلا يحتاج إلى أحد .
- وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات ، فكلها مقهورة لله ، خاضعة لعظمته، منقادة لإرادته ،
فجميع نواصي المخلوقات بيده لا يتحرك منها متحرك إلا بحوله وقوته وإذنه ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

قال تعالى:
(يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون: 8]

فالعزة هنا لله تحقيقًا ، ولرسوله فضلاً ، وللمؤمنين ببركة إيمانهم بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم .


الآثار الإيمانية والسلوكية لهذا الاسم


1- الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هو العزيز الذي لا يُغلب ولا يُقهر يعطي المسلم شجاعة وثقة كبيرة بالله ،
لأن معناه أن ربه لا يمانع ولا يرد أمره وأنه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس ، وما لم يشأ لم يكن وإن شاؤوا ،
والناظر في قصص الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلوات والتسليم يرى ذلك واضحًا جليًا.
فمثلاً في قصة موسى عليه الصلاة والسلام حاول فرعون أن يمنع خروج هذا الصبي إلى الدنيا ،
بأن أمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل لأنه علم أنه سيخرج فيهم نبي ينتزع منه ملكه ،
ولكن يأبى الله العزيز إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ،فولد موسى عليه الصلاة والسلام ،
وتربى موسى في قصر فرعون وفي بيته وتحت رعايته، ولما حاول أن يقتله أهلكه الله هو وقائده هامان وجنوده أجمعين .

وهكذا الأمر أيضًا بالنسبة ليوسف عليه الصلاة والسلام فقد أراد إخوته قتله في أول الأمر،
ولم يكن لهم سبيل إلى قتله لأن الله تعالى كان يريد منه أمرًا لابد من إمضائه وإتمامه من الإيحاء إليه بالنبوة
ومن التمكين له ببلاد مصر والحكم بها فصرفهم الله عنه بمقالة أحدهم وإشارته عليهم بأن يلقوه في غيابة الجب .

ولما حاول اليهود قتل عيسى عليه السلام رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا .

وهكذا الأمر بالنسبه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد مكر كفار قريش ليقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه من بلده ،
وحاولوا أن يصدوا الناس عن الإيمان به وبدعوته وحاربوه وألَّبوا عليه القبائل وحرَّضوا عليه اليهود والمنافقين في المدينة ،
ولكن ذلك كله لم يمنع الإسلام من الانتشار في أرض الجزيرة العربية والسيطرة عليها ،
وظهور الغلبة والتمكين في الأرض للإسلام والمسلمين ولله الأمر من قبل ومن بعد.

2-إيمان العبد بعزة الله تبارك وتعالى يثبت في قلبه أن النصر والغلبة من عند الله
كما قال تبارك وتعالى: (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ )[آل عمران : 126] .

وقد اقترن اسم العزيز في كتاب الله باسم الحكيم في نصوص كثيرة،
وذلك للدلالة على أن عزته وقوته محكومة بحكمته وعدله ، وقرن تبارك وتعالى عزته برحمته
في بعض المواضع للدلالة على أنه سبحانه رحيم في عزته .

3-إن العزة تعني المنعة والقوة ، والله سبحانه هو الموصوف بالعزة التامة المطلقة
وهو العزيز في نقمته إذا انتقم، وهو القوي الغالب على كل شيء ،
وقد ذم الله أهل النفاق الذين يطلبون عند الكافرين المنعة والقوة باتخاذهم أولياء من دون أهل الإيمان
فقال بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا* الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ
أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[ النساء: 138 - 139 ].

4- ضلال من بحث عن العزة عند غير الله تعالى وحارب حزبه المؤمنين ووالى أعداء الله من المشركين واليهود والنصارى
وغيرهم ظنًا منه أن هذا هو سبيل العزة وطريقها، والواقع من أحوال المنافقين سوء ظنهم بالله
وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين ونظرهم إلى بعض الأسباب التي عند الكافرين
وقصر نظرهم عما وراء ذلك ، فاتخذوا الكافرين أولياء يتعززون بهم وينتصرون .
فالمنافقون قوم ادعوا الإيمان في الظاهر ولكن قلوبهم تأبى الإيمان وترفضه ،
وهؤلاء لم يقدروا الله حق قدره ولم يعرفوه حق معرفته .

5-إن أعداء الله مهما بلغت قوتهم وكثر أتباعهم ليسوا بشيء بجانب عزة الله وقوته وجبروته وقهره ،
وإن الذي يعلم ذلك حق العلم يجد من الزعماء والقيادات الضالة ذلةً وحقارةً ،
فابتغاء العزة عندها ينبئ عن خطل في الرأي وضعف في العقل ، وعلى القيادات والزعامات في عالمنا الإسلامي
التي تبهرها قوة الكفر اليوم أن تفيء إلى الله جل جلاله مصدر العزة والقوة والغلبة ،
حتى تتخلص الأمة من هذا الذل الذي نرزح تحته ، فبسبب اعتزازنا بغير الله وموالاة الكفار سلّط الله علينا أهل الكفر .

6 - إن الذين يعتزون بغير الله جاهلون ،
فإنهم اعتزوا بسلطان زائل وقوة فانية ، وعلى المسلم أن لا يهون في ميدان الصراع ، فالكفرة الأعداء يحاولون ...


7- إنَّ الله قد أعز رسوله صلى الله عليه وسلم بإظهار دينه على الأديــان كلـها ،
قــال تعالى : (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُون)[ المنافقون : 8]
وقيل : المعنى ولله الغلبة والقوة ولرسوله وللمؤمنين ،
وقيل : المقصود من هذا : التهييج على طلب العزة من جناب الله تعالى ،
والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين ، الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

8- إنَّ العزة منها الممدوحة ومنها المذمومة ، فيُمدح بالعزة تارة ويُذم بها تارة أخرى ،
ووجه ذلك أن العزة التي لله ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية لأنها هي العزة الحقيقية ،
والعزة التي هي للكافرين هي التعزز وهو في الحقيقة ذل ، وكل عز ليس بالله فهو ذل ، وعلى هذا قــوله تعــالى :
(وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا )[مريم : 81] . أي: ليتمنعوا بهم من العذاب،
وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :« إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ،
فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله » .

9- المستقبل للإسلام بإذن الله و توفيقه، قال الله عز وجل:
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[الصف:9]
تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها ,
وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين ,
وليس كذلك , فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق ,
كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :« لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى ,
فقالت عائشة : يا رسول الله إن كنت لأظـن حين أنزل الله:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) أن ذلك تامًا
, قال : « إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ... الحديث » .رواه مسلم و غيره .
« من كلام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة 1 / 7 » .

10- ظهور الإسلام ومدى انتشاره , وهناك من الأحاديث ماتكون سببًا لشحذ همم العاملين للإسلام ,
وحجة على اليائسين المتواكلين ، قال صلى الله عليه وسلم :
« إن الله زوى ( أي : جمع و ضم ) لي الأرض , فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها » .
رواه مسلم ( 8 / 171 ) و أبو داود ( 4252 ) و الترمذي ( 2 / 27 ) و صححه من حديث ثوبان .
وأوضح منه وأعم الحديث : « ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ,
ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل , عزًا يعز الله به الإسلام وذلاً يذل به الكفر »
من كلام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة 1 / 7 .

11- من المعلوم أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم
حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان ,
وهذا ما يبشرنا به الحديث : « عن أبي قبيل قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص
وسئل: أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ?
فدعا عبد الله بصندوق له حلق , قال : فأخرج منه كتابا قال :
فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مدينة هرقل تفتح أولا .
يعني قسطنطينية » اسناده صحيح . مسند أحمد . 10/131 .
و « رومية » هي روما كما في « معجم البلدان » وهي عاصمة إيطاليا اليوم ،
وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف, وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة
من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح , وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولابد , ولتعلمن نبأه بعد حين .
من كلام الألباني في السلسلة الصحيحة 1/8.

12- إن المؤمن عندما يملأ الإيمان قلبه ويوقن بعزة الله وقوته لا يرهبه تهديد البشر ووعيدهم
، فإن فاقد الشيء لا يعطيه ، فالذي لا يملك العزة كيف يعطيها غيره ؟! فالعزة له وحده سبحانه ،
وهو الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده ، قال تعالى مخاطبًا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مواسيًا له فيما يسمعه إياه الكفار من فاحش القول والتهديد والوعيد:
( وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [ يونس: 65].

13- إن أعز الناس هم الأنبياء ثم الذين يلونهم من المؤمنين المتبعين لهم ،
وعزة كل أحد بقدر علو رتبته في الدين ، فمع عظم الطاعة تزداد العزة ،
وكلما كانت هذه الصفة فيه أكمل كان وجود مثله أقل ، وكان أشد عزة وأكمل رفعة ،
فالعزيز من العباد هو : من يحتاج إليه عباد الله في أهم أمورهم وهي الحياة الأخروية والسعادة الأبدية ،
وهذه رتبة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، ويشاركهم في العز من ينفرد بالقرب من درجتهم في عصره ،
كالخلفاء والعلماء ، وعزة كل واحد منهم بقدر علو مرتبته ، وبقدر عنائه في إرشاد الخلق وتعليمهم .



14- إن العبد لا ينال العزة إلا بالإيمان بالله والخضوع له والاحتماء به والتوكل عليه ،
فليس في المخلوقين عزيزٌ على التمام ، لأن الدنيا كلها حاجة ، والحاجة إلى غير الله ذلة ،
والاستغناء عن الغير هو الغنى والعز ، والعز والغنى الحقيقي لله تعالى ،
وما اعتز أحد بغير الله من قريب أو بعيد إلا خُذل من جهته ، قال الشاعر :
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبتُ
فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميتُ

15- من آثار معرفة هذا الاسم أن الله إذا أعز عبدًا ورفعه فلن يخفضه أحد ولو اجتمعوا له ،
وإذا أذل الله عبدًا فلن يرفعه أحد ، وإذا استشعر العبد ذلك حرِص على إخلاص العمل لله ورجائه
وانقطاع رجائه من الناس وعدم الاهتمام بمدحهم وذمهم .
كن مــع الله ترَ الله مـعك
واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعــه ؟!
ثم من يعطي إذا ما منعك ؟!

16-إنَّ من أسباب العزة : العفو والتواضع ، قال صلى الله عليه وسلم :
« وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا ، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه » أخرجه مسلم ،
فمن عفا عن شيء مع قدرته على الانتقام عَظُم في القلوب في الدنيا وعَظُم ثوابه في الآخرة ،
ومن تواضع رجاء التقرب إلى الله دون غرض غيره رفعه الله وأعز مكانه .هذا والله أعلم .

الأستاذة / عائشة القرني