المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أيام مضت وشهور انقضت


حور العين
05-21-2015, 04:08 PM
الأخ / سمير عبدالعزيز
أيام مضت وشهور انقضت
أيام مضت، وشهور انقضت، ودار التاريخ دورته، فأقبلت الأيام المباركة

تبشِّر بقدوم شهر القرآن، وبين يدي هذا القدوم يهلُّ علينا شهر شعبان،

مذكرًا جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير، والمسلم يعلم أن شهر

شعبان ما هو إلا واحد من شهور السنة

{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا }

[التوبة: 36].

ولكن المسلم يشعر أن لشهر شعبان مذاقًا خاصًّا فيفرح بقدومه

ويستبشر به خيرًا، قال الله تعالى:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ

وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ *

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }

[يونس: 57، 58].

ومن هنا كانت تلك الوقفات التربوية مع هذا الشهر الكريم:

(1) مكانة شهر شعبان :

هو الشهر الذي يتشعب فيه خير كثير؛ من أجل ذلك اختصَّه رسول الله

بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور، ولذلك يتميز شهر شعبان بأنه شهر

الحبيب المصطفى ، فهو الشهر الذي أحبَّه رسول الله ، وفضَّله على

غيره من الشهور

. فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك

-رضي الله عنه- قال:

( كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس

رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول:

ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان )

ووقفتنا التربوية هنا:

هل تحب ما أحب رسول الله ؟ وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما

وجده الحبيب؟ وهل تجعل حبك للأشياء مرتبطًا بما يحب رسول الله ؟

هو اختبار عملي في أن تحب ما يحب الله ورسوله

( لا يؤمن أحدكم؛ حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به )

(2) عرض الأعمال في شهر شعبان:

شهر شعبان هو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى؛

فقد روى الترمذي والنسائي عن أسامة بن زيد من حديث النبي :

(... وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إلى رَبِّ العَالمِينَ،

فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا صَائِمٌ )

. ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة العظيمة؛ منحة

عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، وبالتالي قبوله ما شاء منها.

وهنا يجب أن تكون لنا وقفة تربوية؛

فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا

العام، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت

رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله؟

هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال

العام كله إلى المولى -تبارك وتعالى- القائل:

{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }

[فاطر: 10].

فهل تحب أن يُرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي

إخلاص وعمل وجهاد وتضحية؟ أم تقبل أن يُرفع عملك وأنت في سكون

وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة؟

راجع نفسك أخي الحبيب، وبادر بالأعمال الصالحة

قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.

(3) الحياء من الله:

ففي الحديث السابق بُعْدٌ آخر يجب أن نقف معه وقفةً تربويةً، فالناظر إلى

حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي

في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان، ويتجسد الحياء من الله ونظره

إليه بقوله:
(.. وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ).

ففي الحديث قمة الحياء من الله عند رسول الله بألا يراه الله إلا صائمًا،

وهذا هو أهم ما يجب أن يشغلك أخي المسلم، أن تستحي من نظر الله

إليك، تستحي من نظره لطاعات قدمتها امتلأت بالتقصير؛

ولذلك قال بعض السلف:

إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك.

وتستحي أيضًا من أوقات قضيتها في غير ذكر لله، وتستحي من أعمال لم

تخدم بها دينه ودعوته، وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات

لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز شريعته، وتستحي من قلم وفكر لم

تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه، وتستحي من أموال ونعم بخلت

بها عن دعوة الله، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من

تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات

وعورات، كل ذلك وغيره يستوجب منك -أخي الحبيب- الحياء من الله

والخشية منه.

(4) مغفرة الذنوب:

فإن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد ؛

فإن لله في أيام دهركم أيامًا وأشهرًا يتفضَّل بها الله على عباده بالطاعات

والقربات، ويتكرَّم بها على عباده بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو

هديةٌ من رب العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة

النصف من شعبان، عظَّم النبي شأنها في قوله:
( يطِّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان

فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن )

هي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله ودينه ودعوته

وجماعته، وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا، فلا مكان

هنا لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا جميعًا قوله تعالى:

{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ

وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

[الحشر: 10].

قال بعض السلف:

أفضل الأعمال سلامة الصدور، وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة.

وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو.

وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، هي فرصة

لكل من سولت له نفسه التجرؤ على الله بارتكاب معاصيه، هي فرصة لكل

مسلم قد وقع في خطأ

( كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون )
هي فرصة إذن لإدراك ما فات، وبدء صفحة جديدة مع الله تكون ممحوة

من الذنوب وناصعة البياض بالطاعة.

(5) سنة نبوية:

شعبان هو شهر الهَدْي النبوي والسنة النبوية في حب الطاعة والعبادة

والصيام والقيام؛

فقد روى البخاري ومسلم
عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت:

( ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان،

وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان )

وفي رواية عن النسائي والترمذي، قالت:

( ما رأيت النبي في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان، كان يصومه

إلا قليلاً، بل كان يصومه كله". وفي رواية لأبي داود، قالت:

"كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصومه شعبان،
ثم يصله برمضان )
وهذه أم سلمة -رضي الله عنها- تقول:

( ما رأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان

ورمضان". ومن حديث أنس بن مالك : "وكان أحب
الصوم إليه في شعبان" )

ولشدة معاهدته للصيام في شعبان قال ابن رجب:
إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور.

وقال ابن حجر:
في الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان.

وقال الإمام الصنعاني:
وفيه دليل على أنه يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره.

وذكر العلماء في تفضيل التطوع بالصيام في شهر شعبان على غيره من
الشهور "أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده؛ وذلك
يلتحق بصيام رمضان؛ لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة
السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل،
وهي تكملة لنقص الفرائض

والوقفة التربوية هنا :
كم يومًا تنوي صيامه من هذا الشهر اقتداءً
بالحبيب صلى الله عليه وسلم.

(6) نوافل الطاعات :
إذا كان شعبان شهرًا للصوم عند رسول الله ، فهو شهر لنوافل الطاعات

كلها، ينطلق فيه المسلم من حديث:

( إن الله تعالى قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب

وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال

عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي

يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله

التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه )


ولما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان؛ فإنه يكون فيه شيء مما يكون في

رمضان من الصيام وقراءة القرآن والصدقة، فهو ميدان للمسابقة في

الخيرات والمبادرة للطاعات قبل مجيء شهر الفرقان،

فأروا الله فيه من أنفسكم خيرًا.