المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خلافة هارون الرشيد بن المهدي


حور العين
05-22-2015, 08:58 PM
الأخ / مصطفى آل حمد
خلافة هارون الرشيد بن المهدي
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

بويع له بالخلافة ليلة مات أخوه، وذلك ليلة الجمعة للنصف من ربيع
الأول سنة سبعين ومائة وكان عمر الرشيد يومئذ ثنتان وعشرين سنة،
فبعث إلى يحيى بن خالد بن برمك فأخرجه من السجن، وقد كان الهادي
عزم تلك الليلة على قتله وقتل هارون الرشيد، وكان الرشيد ابنه من
الرضاعة، فولاه حينئذ الوزارة، وولى يوسف بن القاسم بن صبيح
كتابة الإنشاء‏.‏

وكان هو الذي قام خطيباً بين يديه حتى أخذت البيعة له على المنبر
بعيساباذ‏.‏

ويقال‏:‏ إنه لما مات الهادي في الليل جاء يحيى خالد بن برمك إلى الرشيد
فوجده نائماً فقال‏:‏ قم يا أمير المؤمنين‏.‏

فقال له الرشيد‏:‏ كم تروعني، لو سمعك هذا الرجل لكان ذلك
أكبر ذنوبي عنده ‏؟‏

فقال‏:‏ قد مات الرجل‏.‏

فجلس هارون فقال‏:‏ أشر عليّ في الولايات، فجعل يذكر ولايات الأقاليم
لرجال يسميهم فيوليهم الرشيد، فبينما هما كذلك إذ جاء آخر فقال‏:‏ أبشر
يا أمير المؤمنين فقد ولد لك الساعة غلام‏.‏

فقال‏:‏ هو عبد الله وهو المأمون‏.‏

ثم أصبح فصلى على أخيه الهادي، ودفنه بعيساباذ، وحلف
لا يصلي الظهر إلا ببغداد‏.‏

فلما فرغ من الجنازة أمر بضرب عنق أبي عصمة القائد لأنه كان مع
جعفر بن الهادي، فزاحموا الرشيد على جسر فقال أبو عصمة‏:‏ اصبر
وقف حتى يجوز ولي العهد‏.‏

فقال الرشيد‏:‏ السمع والطاعة للأمير‏.‏

فجاز جعفر وأبو عصمة ووقف الرشيد مكسوراً ذليلاً‏.‏

فلما ولي أمر بضرب عنق أبي عصمة، ثم سار إلى بغداد‏.‏

فلما انتهى إلى جسر بغداد استدعى بالغواصين فقال‏:‏ إني سقط مني ههنا
خاتم كان والدي المهدي قد اشتراه لي بمائة ألف، فلما كان من أيام بعث
إلى الهادي يطلبه فألقيته إلى الرسول فسقط ههنا‏.‏

فغاص الغواصون وراءه فوجدوه فسرّ به الرشيد سروراً كثيراً‏.‏

ولما ولى الرشيد يحيى بن خالد الوزارة قال له‏:‏ قد فوضت إليك أمر
الرعية وخلعت ذلك من عنقي وجعلته في عنقك، فول من رأيت
واعزل من رأيت‏.‏

ففي ذلك يقول إبراهيم بن الموصلي‏:‏

ألم تر أن الشمس كانت سقيمة * فلما ولي هارون أشرق نورها
بيمن أمين الله هارون ذي الندي * فهارون واليها ويحيى وزيرها

ثم إن هارون أمر يحيى بن خالد أن لا يقطع أمراً بمشاورة
والدته الخيزران‏.‏

فكانت هي المشاورة في الأمور كلها، فتبرم وتحل وتمضي وتحكم‏.‏

وفي سنة سبعين من الهجرة:‏
أمر الرشيد بسهم ذوي القربى أن يقسم بين بني هاشم على السواء‏.‏

وفي سنة سبعين من الهجرة:‏
تتبع الرشيد خلقاً من الزنادقة فقتل منهم طائفة كثيرة‏.‏

وفي سنة سبعين من الهجرة:‏
خرج عليه بعض أهل البيت‏.‏

وفي سنة سبعين من الهجرة:‏
ولد الأمين محمد بن الرشيد بن زبيدة‏.‏
وذلك يوم الجمعة لست عشرة خلت من شوال من هذه السنة‏.‏

وفي سنة سبعين من الهجرة:‏
كمل بناء مدينة طرسوس على يدي فرج الخادم التركي ونزلها الناس‏.‏

وفي سنة سبعين من الهجرة:‏
حج بالناس أمير المؤمنين الرشيد، وأعطى أهل الحرمين أموالاً كثيرةً،
ويقال‏:‏ إنه غزا في هذه السنة أيضاً‏.‏

وفي ذلك يقول داود بن رزين الشاعر‏:‏
بهارون لاح النور في كل بلدة * وقام به في عدل سيرته النهج
إمام بذات الله أصبح شغله * وأكثر ما يعني به الغزو والحج
تضيق عيون الناس عن نور وجهه * إذا ما بدا للناس منظره البلج
وإن أمين الله هارون ذا الندا * ينيل الذي يرجوه أضعاف ما يرجو

وغزا الصائفة فيها‏:‏ سليمان بن عبد الله البكائي‏.‏

ذكر من توفي سنة سبعين من الهجرة من الأعيان :‏ :
الخليل بن أحمد بن عمرو
ابن تميم، أبو عبد الرحمن الفراهيدي، ويقال‏:‏ الفرهودي الأزدي، شيخ
النحاة، وعنه أخذ‏:‏ سيبويه، والنضر بن شميل، وغير واحد من أكابرهم‏.‏

وهو الذي اخترع علم العروض، قسمه إلى خمس دوائر وفرعه إلى
خمسة عشر بحراً، وزاد الأخفش فيه بحراً آخر وهو‏:‏ الخبب،
وقد قال بعض الشعراء‏:‏

قد كان شعر الورى صحيحاً * من قبل أن يخلق الخليل

وقد كان له معرفة بعلم النغم، وله فيه تصنيف أيضاً، وله كتاب العين
في اللغة، ابتدأه وأكمله النضر بن شميل وأضرابه من أصحاب الخليل،
كمؤرج السدوسي، ونصر بن علي الجهضمي، فلم يناسبوا
ما وضعه الخليل‏.‏

وقد وضع ابن درستويه كتاباً وصف فيه ما وقع لهم من الخلل فأفاد‏.‏

وقد كان الخليل رجلاً صالحاً عاقلاً وقوراً كاملاً، وكان متقللاً من الدنيا
جداً، صبوراً على خشونة العيش وضيقه، وكان يقول‏:‏ لا يجاوز همي ما
وراء بابي، وكان ظريفاً حسن الخلق‏.‏

وذكر أنه اشتغل رجل عليه في العروض وكان بعيد الذهن فيه قال‏:‏
فقلت له يوماً‏:‏ كيف تقطع هذا البيت ‏؟‏

إذا لم تستطع شيئاً فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع

فشرع معي في تقطيعه على قدر معرفته، ثم إنه نهض من عندي
فلم يعد إليّ، وكأنه فهم ما أشرت إليه‏.‏

ويقال‏:‏ إنه لم يسم أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأحمد سوى أبيه،
وروى ذلك عن أحمد بن أبي خيثمة، والله أعلم‏.‏

ولد الخليل سنة مائة من الهجرة، ومات بالبصرة سنة سبعين ومائة
على المشهور، وقيل‏:‏ سنة ستين، وزعم ابن الجوزي في كتابه شذور
العقود أنه توفي سنة ثلاثين ومائة، وهذا غريب جداً والمشهور الأول‏.‏