المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتي الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان : الطريق إلى النصر والتمكين


حور العين
05-23-2015, 03:20 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - يحفظه الله
خطبتي الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
الطريق إلى النصر والتمكين

والتي تحدَّث فيها عن الحال التي تُعاني منه أمة الإسلام في الآونة المتأخرة،

مُذكِّرًا بوصيَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباسٍ - رضي الله عنهما -،

مُستنبِطًا بعضَ ما فيها من الفوائد،

كما طرحَ من خلالها الحلولَ للخروج من هذه الأزمات .

الحمد لله وليِّ الصالحين،
وأشهد أن لا إله إلا الله الحقُّ المُبين،
وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه سيِّدُ الخلق أجمعين،
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آله وأصحابِه أجمعين.

فيا أيها المسلمون :

أُوصِيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي أصلُ الصلاح والنجاح،

وأساسُ الفوز والفلاح .

معاشر المسلمين:

يُعانِي المُسلِمون في الوقت الراهِن أنواعًا من التحديَّات المُتنوِّعة،

والفتن المُدلهِمَّة، والمِحَن المُستعصِية، والعُقلاءُ يتطلَّعون إلى رُؤيةٍ مُستقبليَّةٍ

تُنقِذُ الأمةَ مما هي فيه، وقد أدلَى المُثقَّفون، برُؤيتهم، والساسَةُ بحُلولهم،

والكُتَّابُ بنظراتهم .

تعدَّدت التحليلات للأسباب، وتنوَّعَت النظراتُ للمخارِج والحُلول،

وقد آنَ الأوانُ للأمة جميعًا شعوبًا وأفرادًا وحُكَّامًا ومحكومين، أن يستيقِظوا من سُباتهم،

وأن يعُودُوا لمصدر قوَّتهم، وأساس صلاحِهم، وأصلِ صلاحِهم،

بعدما جرَّبوا حِزمًا من التجارب المُعتمِدة على السياسة البشريَّة والأفكار المُستورَدة،

والتي لم تجُرّ إلا خِزيًا وذُلاًّ وهوانًا وضعفًا، وتأخُّرًا ودمارًا وتفرُّقًا وتشرذُمًا.

لقد آنَ للمُسلمين أن يعُودُوا لمصدر عزِّهم، ومُعتمَد رُقيِّهم.

آنَ لهم أن يستَجلُوا الحُلولَ الناجِحة لما حلَّ بهم، من مُنطلَقَات ثوابِت دينِهم،

ومُرتكَزات عقيدتِهم.

إن الأمةَ لن تجِد الحُلولَ الناجِحةَ لأدوائِها،

والمخارِج لأزماتِها ومُشكِلاتها إلا من فهمٍ صحيحٍ من كتاب الله - جل وعلا -،

وسُنَّة نبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

إخوة الإسلام :

اسمَعوا إلى وصيَّةٍ عظيمةٍ صدرَت من مُعلِّم البشريَّة،

وسيِّد الخليقة نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،

وهو يُوجِّهُ للأمة وثيقةً خالِدةً تصلُحُ بها حياتُها، وتسعَدُ بها مُجتمعاتُها،

وتزدهِرُ بتحقيقِها بُلدانُها وصيَّةٌ يجبُ أن تكون نصبَ أعيُننا،

وأن يكون تطبيقُها حاكِمَ تصرُّفاتنا، ومُوجِّه تحرُّكاتِنا، ومُصحِّح إراداتنا وتوجُّهاتنا.

وصيَّةٌ لا تنظرُ لتغليبِ مصلحةٍ قوميَّة، ولا تنطلِقُ من نَزعةٍ عِرقيَّة، أو نظرةٍ آنيَّة.

وصيَّةٌ صدرَت ممن لا ينطِقُ عن الهوَى، إن هو إلا وحيٌ يُوحَى.

وثيقةٌ مُحمديَّةٌ، ووصيَّةٌ نورانيَّةٌ تنهَضُ بالأمة للحياة المُزدهِرة المُثمِرة بالخير

والعزَّة والصلاح والقوة والرُّقِيِّ والتقدُّم والاجتماع والوِئام

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }

[ الأنفال: 24 ].

نعم، حياةٌ وإحياءٌ شاملٌ للفرد والجماعة والنفوس.

حياةٌ تُبنى على قوة الإيمان التي لا غِنى عنها في مُواجهة الأزمات،

إحياءٌ يسيرُ بالأمة إلى النهضَة بأشمل وأدقِّ معانيها، وأخصِّ صُورها،

مما يُحقِّق السعادة ومُعايشَة الأمن والسلام والخير والازدِهار والرُّقيِّ،

في جميع مجالات الحياة.

أيها المسلمون :

إن العزَّة للمُسلمين في تحقيق هذه الوصيَّة مضمُون، والمجدَ في تنفيذ بنودِها مرهُون؛

قال الله - جل وعلا -:

{ فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }

[ الأعراف: 35 ].

الأفرادُ بدون تحقيق هذه الوصيَّة في ضياع، والمُجتمعات في البُعد عن مضامِينها

إلى خرابٍ ودمار. وصيَّةٌ تربط المُسلم بالأصل مع اتصاله بمُنتجَات العصر.

وثيقةٌ من محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،

تحقيقُها هو الضامِنُ الأوحَد للتحديَّات التي تُواجِهُ الأمةَ الإسلاميَّة،

وتستهدِفُ قِيَمَها ومُقدَّراتها وخصائِصَها.

قال عُمرُ - رضي الله عنه -:

[ إنما سبقتُم الناسَ بنُصرة هذا الدين ]

وحينئذٍ لنستمِع - يا رعاكم الله - إلى تلك الوصيَّة العظيمة، والوثيقة الخالِدة،

سماعَ استِجابةٍ وتحقيق، واستِماع امتِثالٍ وانقِيادٍ بكل صِدقٍ وإخلاص.

قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -:

كنتُ خلفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يومًا، فقال لي :

( يا غُلام ! إني أُعلِّمُك كلماتٍ: احفَظ الله يحفَظك، احفَظ الله تجِده تُجاهَك،

إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله،

واعلَم أن الأمة لو اجتمَعَت على أن ينفعُوك بشيءٍ لم ينفعُوك إلا بشيءٍ

قد كتبَه الله لك، وإن اجتمَعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ

لن يضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك، رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصُّحُف )

رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ"،

وهو حديثٌ صحيحٌ عند أعلام المُحدِّثين.

وفي رواية غير الترمذي:

( احفَظ الله تجِده تُجاهَك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرِفك في الشدَّة،

واعلَم أن ما أخطَأك لم يكُن ليُصيبَك، وأن ما أصابَك لم يكُن ليُخطِئَك،

واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرَج مع الكرب، وأن مع العُسر يُسرًا )

قال بعضُ أهل العلم:

[ هذا الحديثُ يتضمُّن وصايا عظيمة، وقواعد من أهم أمور الدين ]

حتى قال بعضُهم:

[ تدبَّرتُ هذا الحديث فأدهَشَني وكِدتُ أن أطيش ]

فوا أسفَا من الجهل بهذا الحديث، وقلَّة التفهُّم لمعناه !

أيها المسلمون:

حِفظُ الله - جل وعلا - هو حِفظُ حدوده، والالتِزامُ بحقوقه،

والوقوف عند أوامِره بالامتِثال، وعند مناهِيه بالاجتِناب،

{ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ }

[ ق: 32، 33 ].

حِفظٌ يمنعُ الجوارِح من الزَّلَل، والحواسَّ عن الخلل

قال - صلى الله عليه وسلم -
( من يضمنُ لي ما بين لَحيَيه وما بين رِجلَيه أضمنُ له الجنة )
رواه البخاري.

حِفظٌ يضبِطُ الشهوات أن تميلَ بالمُجتمعات والأفراد إلى الضلال،

أو أن تجنحَ بهم عن مبادئِ القيمِ وكريمِ الخِلال،

{ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }

[ الأحزاب: 35 ].

حِفظٌ يتضمَّنُ قيامَ الحاكم والمحكوم بما أوجبَه الله عليهم من رِعاية الحقوق،

وأداء الأمانة، والوفاء بالعَهد.

حِفظٌ يتضمَّنُ لُزومَ تطبيق الناس للإسلام تطبيقًا شامِلاً لمجالات الحياة،

دون هَوادَةٍ أو تأويلٍ أو هوى

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً }

[ البقرة: 208 ].

معاشر المسلمين:
من حقَّق حِفظَ الله بالمعنى المتقدم تحقَّق له حفظُ الله ورعايتُه وعنايتُه،

حِفظًا يشملُ دينه ودُنياه في جميع أقواله في حياته وبعد مماته.

حِفظٌ يُحقِّقُ له المصالحَ المُتعدِّدة بأنواعها، ويدفعُ عنه الأضرارَ

والأخطارَ بشتَّى أشكالها، وقد أكَّد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم

ذلك المعنى في هذه الوصيَّة بقوله:

( احفَظ الله تجِده تُجاهَك )

فمن حفِظَ حدودَ الله ورعَى حقوقَه أحاطَه الله بحِفظه،

ومنَّ عليه بتوفيقِه وتسدِيده، وعادَ عليه بتأييده وإعانته، من الجماعات أو الأفراد

{ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ }

[ النحل: 128 ].

قال قتادةُ:

[ من يتَقِ الله يكُن معه، ومن يكُن الله معه فمعه الفئةُ التي لا تُغلَب،

والحارِسُ الذي لا ينام، والهادِي الذي لا يضِلّ ]

وكتبَ بعضُ السلَف إلى أخٍ له:

[ أما بعد: فإن كان الله معك، فمن تخاف؟ وإن كان عليك، فمن ترجُو؟ ]

وهكذا ينبغي أن يكون لِسانُ حال المُجتمعات: إن كان الله معنا، فمن نخاف؟

وإن كان الله علينا، فمن نرجُو؟

إذًا يجبُ علينا أن نتدبَّر قولَه - جل وعلا -:

{ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ }

[ الذاريات: 50 ].
فِرُّوا إلى الله - جل وعلا - بطاعته، ولُزوم سُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -.