المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحب الزوجي


حور العين
05-26-2015, 07:37 PM
الأخت الزميلة / نــــانــــا
الحب الزوجي
قبل أيام كنت مع أسرتي في أحد المجمعات التجارية، وفيما كنا ننتظر بأحد
المطاعم وجبة عشائنا لفت نظري شاب وشابة من الواضح – كما بدا من
عمريهما - أنهما حديثا الزوج. وبحكم فضولي الفطري والميل لترصد
الظواهر الاجتماعية رحت أتابعهما بدهشة وقد لاحظتُ أن كل واحد منهما
متوحّد مع هاتفه ومنخرط بالكامل في عالمه الخاص، ناسيين سحر
اللحظة وجماليتها.

مرّت خمس دقائق فعشر وزادت، والعيون لازالت مركّزةً على شاشة
الهاتف، والأصابع تتحرك بخفة فيما الصمت الثقيل يفرض طوقًاً من
العزلة بينهما. قلت ربما هما في مزاج متعكر،

ولكني تساءلت :
ولمَ الخروج من المنزل إذاً؟ وإذا كان هذا حال أسرة لازالت حرارة الشغف
في شرايين حياتهم الزوجية مستعرة، فما حال من مرّ على حياتهم
الزوجية عقد وعقدان وثلاثة؟ وتساءلت بأسى عن مصير «الرومانسية»
في حياتنا الزوجية مع وجود أجهزة الاتصالات «الذكية» التي رحنا
نستخدمها بـ «غباء» و»حماقة» في حياتنا.

لقد أسهمت هذه التقنية في سحق مظاهر «السنع» و»أدب المجالسة»
و»أخلاقيات الحوار»، وراحت تفرض نمطاً مبتذلاً من السلوكيات، التي
تنعكس سلباً على الأسرة والمجتمع، فصار من المظاهر الشائعة رؤية
أفراد العائلة مجتمعين في مكان واحد يلفهم الصمت مستغرقين في ذواتهم
ومحلّقين في عوالم افتراضية على أثير «الواي فاي»، فيموت في داخلنا
الشعور بالحميمية وننسى «بشريتنا» مفضلين التعامل كأدواتٍ تقنيةٍ في
مصنع حضاري، نتصرف فيه كقطيع من الآليات لا كأمة من البشر.

لماذا أقول هذا والعنوان عن الحب الزوجي؟
لأن هذا الأمر بالذات هو أحد عناصر ووجوه المأساة التي قضت وتقضي
وستقضي على كثير من لحظات السعادة والحميمية بين الزوجين. ولأن
غياب الاحترام المفترض بين الزوجين هو أحد نواتج غياب «السنع»
ليس في حياتنا الزوجية فحسب، بل في تعاملنا مع زملاء العمل
وأصدقائنا والمحيطين بنا.

قد تنسينا هذه الأدوات التقنية شديدة الإغراء بعض واجباتنا كأزواج
وزوجات، وآباء وأمهات، عن أداء واجباتنا وأدوارنا في الأسرة،
والمطلوب وقفة تأمل ومراجعة لسلوكياتنا الخاطئة. لا تكن عبداً لهذه
الأدوات التي تشتريها بالمال، بل احرص على انتزاع سعادتك الحقيقية
مع وبين أسرتك، فهي السعادة التي لا تقدّر بثمن ولا تُشترى بالمال.

قبل فترة، حضرت جنازة لأحد أقرباء صديق، المتوفى كان طفلاً وكان
ضحية لحوادث السير الرعناء، شاهدتُ بعيني وسمعت بأذني حجم اللوعة
الهائلة التي خرجت من صدر الأب المكلوم، كان يرتمي على القبر وهو
ينشج بحسرة، ويخاطب ولده المسجّى في لحده: «بني ارجع لي
وسأشتري لك ما تريد... لا ترحل عني يا حبيبي». هزّني المشهد في
العمق وأدركت بيقين أهمية أن يكون أطفالك بقربك، تحتضنهم وتتحدّث
معهم وتنظر إلى عيونهم وتلاعبهم وتشتري لهم ما يريدون.

نحتاج إلى مراجعة سلوكياتنا بين فترةٍ وأخرى،
والمراجعة إن لم تكن نابعةً من ذات الإنسان وفي الوقت المناسب فستأتي
بغتةً في شكل صفعةٍ موجعةٍ أو درسٍ قاسٍ يأتي في الغالب بعد فوات
الأوان. دلل زوجتك، قل لها أنك تحبها، وإياك أن تجعل من «الواتس آب»
وسيلة تخاطب وحيدة مع زوجتك، فالقلوب الحمراء التي تبعثها لا تعني
شيئاً، وكذلك الشفاه الحمر فهي عديمة المعنى، فهي سرابٌ تقني ناشفة
الأحاسيس. أسمعها الكلام الذي تستحقه منك، واشفع ذلك بلغة جسد
تعضد المعنى وتزيده وضوحاً.

معظم الأزواج مع الأسف ينسون أنهم أزواج :
ويتصرّفون كرجال، رجال يرون الأنوثة في كل نساء العالم إلا في
زوجاتهم، وهذه من أكثر الأخطاء شيوعاً عند الرجل الشرقي. أعرف
أزواجاً «يخجلون» من مجرد الحديث مع زوجاتهم في التلفون أمام
زملائهم، لكنهم يتحدّثون مع عشيقاتهم والتلفون على «السبيكر»!
أعرف أزواجاً لا يطيقون الصبر على غياب زوجاتهم عنهم يوماً أو يومين
في رحلة سفر قصيرة أو تحت أي ظرف من الظروف، لكن هذه الزوجة
نفسها حين تكون في البيت تظلله بجناحيها وتغمره بدفئها الأمومي،
لا تحظى بالتفاتة حانية من الزوج أو لمسة تقدير ووفاء من الأبناء!

المجتمع الناهض والناجح هو المجتمع السعيد، ولا نهضة أو تنمية
حقيقية لأي مجتمع تعيش أسره في شقاء وجدب عاطفي يسلب منها أجمل
سنوات العمر مع من يفترض أن يكونوا أقرب الناس إلى قلوبنا.
وسام السبع - صحيفة الوسط