المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوائد غض البصر


حور العين
05-27-2015, 05:14 PM
الأخت الزميلة / أملى الجنة
فوائد غض البصر
سوف نقف على كلامٍ متين وتحريرٍ عظيم للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى

؛ فلنتأمل عباد الله في كلامه بتمعُّن وتفهُّم فإنه عظيم الفائدة ونفوسنا

تمس حاجتها إلى الوقوف عليه . فمن فوائد غض البصر

فيما ذكره رحمه الله

قال : أحدها :

أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده .

الثانية – من فوائده - :

أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم - الذي لعلَّ فيه هلاكَه - إلى قلبه.

الثالثة :

أنه يورث القلب أنْساً بالله وجمعِيَّةً عليه ؛ فإنَّ إطلاق البصر يفرِّق القلب

ويشتته ويُبعده من الله ، وليس على القلب شيء أضرّ من إطلاق البصر

فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.

الرابعة :

أنه يقوِّي القلب ويفرِّحه ، كما أنَّ إطلاق البصر يُضعِفه ويُحزِنه.

الخامسة :

أنه يُكسب القلب نورا ، كما أنَّ إطلاقه يلبسه ظلمة ، ولهذا ذكر سبحانه

آية النور عقيب الأمر بغضِّ البصر ، قال:

{ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ }

[النور:30]

ثم قال إثر ذلك :

{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ }

[النور:35] ؛

أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه،

وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية ، كما أنه إذا

أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان .

السادسة :

أنَّه يورث فِراسة صادقة يميِّز بها بين الحق والباطل والصادق والكاذب ،

وكان شجاع الكرماني يقول: "من عمَّر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام

المراقبة وغضَّ بصره عن المحارم وكفَّ نفسه عن الشبهات واغتذى

بالحلال لم تخطئ له فراسة "

وكان شجاع هذا لا تخطئ له فراسة ، والله سبحانه يجزي العبد على عمله

بما هو من جنس عمله ، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه ، فإذا

غضَّ بصره عن محارم الله عوَّضه الله بأن يطلق نور بصيرته عِوضاً

عن حبس بصره لله ، ويفتح عليه باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة

الصادقة المصيبة التي إنما تُنال ببصيرة القلب وضد هذا ما وصف الله به

اللُّوطيين من العَمَه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى:

{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }

[الحجر:72] ،

فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل ، والعمه الذي هو فساد البصيرة ،

فالتعلُّق بالصور يوجب فساد العقل وعمه البصيرة وسُكْر القلب .

السابعة :

إنه يورث القلب ثباتاً وشجاعةً وقوة ، فجمَع الله له بين سلطان النصرة

والحجة وسلطان القدرة والقوة كما في الأثر "الذي يخالف هواه يَفْرَق

الشيطان من ظلِّه " ، وضدُّ هذا تجد في المتبع لهواه من ذُلِّ النفس

ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه

الثامنة :

أنَّه يسدُّ على الشيطان مدخله من القلب ؛ فإنه يدخل مع النظرة وينفذ

معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي ، فيمثِّل له

صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنماً يعكف عليه القلب ثم يعِدُه

ويمنِّيه ، ويوقِد على القلب نار الشهوة ،

ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يُتوصل إليها بدون تلك الصورة

فيصير القلب في اللهب ، فإنَّ القلب قد أحاطت به النيران من كل جانب ،

فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور ، ولهذا كانت عقوبة أصحاب

الشهوات للصور المحرمة : أن جُعِل لهم في البرزخ تنور من نار

وأودعت أرواحهم فيه إلى يوم حشر أجسادهم ، كما أراه الله لنبيه

صلى الله عليه وسلم في المنام في الحديث المتفق على صحته

التاسعة :

أنه يُفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يُنسِيه

ذلك ويحُول بينه وبينه ؛ فينفرط عليه أمره ويقع في اتباع هواه وفي

الغفلة عن ذكر ربه ، قال تعالى:

{ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

[الكهف:28] .

العاشرة :

أن بين العين والقلب منفذاً وطريقا يوجب انتقال أحدهما إلى الآخر وأن

يصلح بصلاحه ويفسد بفساده، فإذا فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد

النظر فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح ، فإذا خربت العين وفسدت

خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات

والأوساخ فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والأنس به

والسرور بقربه فيه ، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك

ولله در القائل :

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولاوتر

كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر

فهذه إشارة إلى بعض فوائد غض البصر ، وجدير بكل مؤمن ومؤمنة أن

يتأمل في هذه الفوائد العظام وأن يحرص على صيانة بصره وحفظ عينه

ليسْلَم له قلبه ، وليسلَم له دينه وليسلَم من غوائل إطلاق البصر وهي

كثيرة تجرُّ على العبد مصائب وويلات لا حدَّ لها ولا عدّ