المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة ثمانين ومائة


حور العين
06-02-2015, 05:40 PM
الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة ثمانين ومائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

فيها‏:‏

هاجت الفتنة بالشام بن النزارية واليمنية، فانزعج الرشيد لذلك فندب

جعفر البرمكي إلى الشام في جماعة من الأمراء والجنود، فدخل الشام

فانقاد الناس له ولم يدع جعفر بالشام فرساً ولا سيفاً ولا رمحاً

إلا استلبه من الناس، وأطفأ الله به نار تلك الفتنة‏.‏

وفي ذلك يقول بعض الشعراء‏:‏

لقد أوقدت بالشام نيران فتنة * فهذا أوان الشام تخمد نارها

إذا جاش موج البحر من آل برمك * عليها خبت شهبانها وشرارها

رماها أمير المؤمنين بجعفر * وفيه تلافى صدعها وانكسارها

رماها بميمون النقيبة ماجد * تراضى به قحطانها ونزارها

ثم كرَّ جعفر راجعاً إلى بغداد بعد ما استخلف على الشام عيسى العكي،

ولما قدم على الرشيد أكرمه وقربه وأدناه، وشرع جعفر يذكر كثرة

وحشته له في الشام، ويحمد الله الذي منَّ عليه برجوعه إلى

أمير المؤمنين ورؤيته وجهه‏.‏

وفيها‏:

‏ ولى الرشيد جعفراً خراسان وسجستان فاستعمل على ذلك محمد بن

الحسن بن قحطبة، ثم عزل الرشيد جعفراً عن خراسان بعد عشرين ليلة‏.‏

وفيها‏:

هدم الرشيد سور الموصل بسبب كثرة الخوارج، وجعل الرشيد جعفراً

على الحرس، ونزل الرشيد الرقة واستوطنها واستناب على بغداد ابنه

الأمين محمداً وولاه العراقين، وعزل هرثمة عن إفريقية واستدعاه إلى

بغداد فاستنابه جعفر على الحرس‏.‏

وفيها‏:

كانت بمصر زلزلة شديدة سقط منها رأس منارة الإسكندرية‏.‏

وفيها‏:

خرج بالجزيرة خراشة الشيباني فقتله مسلم بن بكار بن مسلم العقيلي‏.‏

وفيها‏:

ظهرت طائفة بجرجان يقال لها‏:‏ المحمرة لبسوا الحمرة واتبعوا رجلاً،

يقال له‏:‏ عمرو بن محمد العمركي، وكان ينسب إلى الزندقة، فبعث الرشيد

يأمر بقتله فقتل وأطفأ الله نارهم في ذلك الوقت‏.‏

وفيها‏:

غزا الصائفة زفر بن عاصم‏.‏

وحج بالناس موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس‏.‏

وفيها‏:‏ كانت وفاة جماعة من الأعيان‏:‏

إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري

قارئ أهل المدينة، ومؤدب علي بن المهدي ببغداد‏.

وقد مات‏:‏

علي بن المهدي، في هذه السنة أيضاً، وقد ولي إمارة الحج غير مرة،

وكان أسن من الرشيد بشهور‏.‏

حسان بن أبي سنان

ابن أبي أوفى بن عوف التنوخي الأنباري، ولد سنة ستين، ورأى أنس

بن مالك ودعا له فجاء من نسله قضاة ووزراء وصلحاء، وأدرك

الدولتين الأموية والعباسية‏.‏

وكان نصرانياً فأسلم وحسن إسلامه، وكان يكتب بالعربية والفارسية

والسريانية، وكان يعرِّب الكتب بين يدي ربيعة لما ولاه السفاح الأنبار‏.‏

وفيها توفي‏:‏

عبد الوارث بن سعيد البيروتي

أحد الثقات‏.‏

وعافية بن يزيد

ابن قيس القاضي للمهدي على جانب بغداد الشرقي، هو‏:‏ ابن علاثة،

وكانا يحكمان بجامع الرصافة‏.‏

وكان عافية عابداً زاهداً ورعاً، دخل يوماً على المهدي في وقت الظهيرة

فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين اعفني‏.‏

فقال له المهدي‏:‏ ولم أعفيك‏؟‏ هل اعترض عليك أحد من الأمراء ‏؟‏

فقال له‏:‏ لا ‏!‏ ولكن كان بين اثنين خصومة عندي فعمد أحدهما إلى رطب

السكر - وكأنه سمع أني أحبه - فأهدى إلي منه طبقاً لا يصلح إلا لأمير

المؤمنين، فرددته عليه، فلما أصبحنا وجلسنا إلى الحكومة، لم يستويا

عندي في قلبي ولا نظري، بل مال قلبي إلى المهدي منهما، هذا مع أني

لم أقبل منه ما أهداه فكيف لو قبلت منه‏؟‏ فأعفني عفا الله عنك فأعفاه‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ كنت عند الرشيد يوماً وعنده عافية وقد أحضره لأن قوماً

استعدوا عليه إلى الرشيد، فجعل الرشيد يوقفه على ما قيل عنه

وهو يجيب عما يسأله‏.‏

وطال المجلس فعطس الخليفة فشمته الناس ولم يشمته عافية

فقال له الرشيد‏:‏ لم لم تشمتني مع الناس ‏؟‏

فقال‏:‏ لأنك لم تحمد الله، واحتج بالحديث في ذلك‏.‏

فقال له الرشيد‏:‏ ارجع لعملك فوالله ما كنت لتفعل ما قيل عنك،

وأنت لم تسامحني في عطسة لم أحمد الله فيها‏.‏

ثم رده رداً جميلاً إلى ولايته‏.‏

وفيها توفي‏:‏

سيبويه

إمام النحاة، واسمه‏:‏ عمرو بن عثمان بن قنبر، أبو بشر، المعروف‏:‏

بسيبويه، مولى بني الحارث بن كعب‏.‏

وقيل‏:‏ مولى آل الربيع بن زياد‏.‏

وإنما سمي سيبويه لأن أمه كانت ترقصه وتقول له ذلك، ومعنى سيبويه‏:‏

رائحة التفاح، وقد كان في ابتداء أمره يصحب أهل الحديث والفقهاء،

وكان يستملي على حماد بن سلمة، فلحن يوماً فرد عليه قوله فأنف

من ذلك، فلزم الخليل بن أحمد فبرع في النحو، ودخل بغداد

وناظر الكسائي‏.‏

وكان سيبويه شاباً حسناً جميلاً نظيفاً، وقد تعلق من كل علم بسبب،

وضرب مع كل أهل أدب بسهم مع حداثة سنه‏.‏

وقد صنف في النحو كتاباً لا يلحق شأوه، وشرحه أئمة النحاة بعده

فانغمروا في لجج بحره، واستخرجوا من درره، ولم يبلغوا إلى قعره‏.‏


وقد زعم ثعلب أنه لم ينفرد بتصنيفه، بل ساعده جماعة في تصنيفه نحواً

من أربعين نفساً هو أحدهم، وهو أصول الخليل، فادعاه سيبويه إلى نفسه‏.‏

وقد استبعد ذلك السيرافي في كتاب طبقات النحاة‏.‏

قال‏:‏ وقد أخذ سيبويه اللغات عن أبي الخطاب، والأخفش، وغيرهما‏.‏

وكان سيبويه يقول‏:‏ سعيد بن أبي العروبة، والعروبة يوم الجمعة‏.‏

وكان يقول‏:‏ من قال عروبة فقد أخطأ‏.‏

فذكر ذلك ليونس فقال‏:‏ أصاب لله دره‏.‏

وقد ارتحل إلى خراسان ليحظى عند طلحة بن طاهر فإنه كان يحب النحو

فمرض هناك مرضه الذي توفي فيه فتمثل عند الموت‏:‏

يؤمل دنيا لتبقى له * فمات المؤمل قبل الأمل

يربي فسيلاً ليبقى له * فعاش الفسيل ومات الرجل

ويقال‏:‏ إنه لما احتضر وضع رأسه في حجر أخيه فدمعت عين أخيه

فاستفاق فرآه يبكي فقال‏:‏

وكنا جميعاً فرَّق الدهر بيننا * إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا

قال الخطيب البغدادي‏:‏ يقال‏:‏ إنه توفي وعمره ثنتان وثلاثون سنة‏.‏

وفيها توفيت‏:‏

عفيرة العابدة

كانت طويلة الحزن كثيرة البكاء‏.‏

قدم قريب لها من سفر فجعلت تبكي، فقيل لها في ذلك فقالت‏:‏ لقد ذكرني

قدوم هذا الفتى يوم القدوم على الله، فمسرور ومثبور‏.‏

وفيها مات‏:‏

مسلم بن خالد الزنجي

شيخ الشافعي، كان من أهل مكة، ولقد تكلموا فيه لسوء حفظه‏.‏